عناصر الخطبة
- بعض ما أنعم الله به على الناس
- وجوب الاعتبار بالحوادث
- الوعيد للغافلين الذين لا يتعظون
- الذنوب سبب للبلايا
- دعوة للتوبة.
اقتباس إنّ الله -سبحانه- يري عباده من آياته ليعتبروا ويتوبوا, فالسعيد من تنبه وتاب, والشقي من غفل واستمر في الذنوب والمعاصي ولم ينتفع بالآيات, نسمع من الحوادث ونشاهد من العبر؛ حروب وفتن واقتتال في بعض بلاد الإسلام اتلفت أمـما كثيرة, وشردت البقية عن ديارهم, أيتمت أطفالا, وأرملت نساءً, وأفقرت أغنياء, وأذلت أعزاء, ولاتزال تتوقد نارها ويتطاير شررها على من حولهم…
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)﴾ [الأحزاب:70-71]
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إنّ هذه الأرض التي نعيش عليها من نعم الله الكبرى علينا, فإنّ الله -سبحانه وتعالى- قد مكننا من هذه الأرض؛ نعيش على ظهرها وندفن موتانا في باطنها, ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا(26)﴾ [المرسلات: 25، 26], ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: 55], ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ [الأعراف: 25], ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾ [غافر: 64].
ومن رحمته -سبحانه وتعالى- أنّ أودع في هذه الأرض كل مايحتاجه الخلق الذين يعيشون على ظهرها؛ من مأكل ومشرب, ومن خيرات وثروات ظاهرة وباطنة, ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14]، فبارك فيها وقدّر فيها أقواتها, ثم ّ -سبحانه وتعالى- جعلها ثابتة مستقرة لا تتحرك, وأرساها بالجبال حتى نتمكن من البناء عليها والعيش على ظهرها, وفي بعض الأحيان يجعل الله -عز وجل- هذه الأرض جند من جنوده, فتتحرك وتـميد وتحصل الزلازل المدمّرة؛ تخويفا للعباد, وتأديبا للبعض, ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 31].
إنّنا -معاشر الأحبة- في نعمة من الله تامة, أمن في أوطاننا, وصحة في أبداننا, ووفرة في أموالنا, وبصيرة في ديننا, فماذا أدّيتم من شكر الله الواجب عليكم؟ فإنّ الله وعد من شكره بالمزيد, وتوعد من كفر بنعمته بالعذاب الشديد, ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
إنّ الله -سبحانه- يري عباده من آياته ليعتبروا ويتوبوا, فالسعيد من تنبه وتاب, والشقي من غفل واستمر في الذنوب والمعاصي ولم ينتفع بالآيات, نسمع من الحوادث ونشاهد من العبر؛ حروب وفتن واقتتال في بعض بلاد الإسلام اتلفت أمـما كثيرة, وشردت البقية عن ديارهم, أيتمت أطفالا, وأرملت نساءً, وأفقرت أغنياء, وأذلت أعزاء, ولاتزال تتوقد نارها ويتطاير شررها على من حولهم.
وغير الحروب هناك كوارث ينزلها الله بالناس كالعواصف والأعاصير التي تجتاح الأقاليم والمراكب في البحار، وكالفيضانات التى تغرق القرى والزروع, وهناك حوادث السير في البرّ والبحر والجو, والتى ينجم عنها موت جماعات من الناس في لحظة واحدة, وهناك الأمراض المستعصية كالسرطان والإيدز والشلل النصفي والرب,و والملاريا التى تـهدد حياة الآلآف من البشر, وهناك الزلازل المدمرة.
كل ذلك يخوف الله به عباده, ويريهم بعض قوته وقدرته عليهم, ويعرفهم بضعفهم, ويذكرهم بذنوبهم فهل اعتبرنا؟ هل تذكّرنا؟ هل غيّرنا من أحوالنا؟ هل تاب المتكاسل العاصي عن الصلاة؛ فحافظ على الجمع والجماعات؟ هل تاب المرابي؟ هل تاب السارق والمختلس وأعاد جميع المسروقات والمنهوبات إلى أهلها ومكانها الأصلي؟ هل تاب الراشي والمرتشي والذي يغش في المعاملات؟ هل تسترت الفتيات والنساء, وامتنعن عن التبرج والتعري وإظهار المفاتن؟ هل أصلحنا أنفسنا وطهرنا بيوتنا من المفاسد؟ هل طهرنا قلونا من الأمراض القلبية كالغل والحسد والشح والكبر ومعاملة الناس بقسوة وسوء الظنّ بالآخرين والظلم؟.
إنّ شيئا من هذه لم يتغير ولم يحصل إلا ما شاء الله, بل إنّ الشرّ يزيد وفي تزايد مستمر والمعاصي تتكــاثر، والله -سبحانه وتعالى- توعد الذين لا يتعظون بالمصائـب, ولا تؤثر فيهم النوازل؛ فيتوبون من ذنوبهم, توعدّهم بأن يستدرجهم بالنّعم ثمّ يـأخذهم على غرّة ويقطع دابرهم, ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44].
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة لا على من لا بني بعد, وعلى آله وصحبه ومن تبعه, وبعد:
أيها الناس: اتقوا الله وتوبوا إليه من ذنوبكم, قبل أن يحلّ بكم ما حلّ بغيركم من العقوبات, نعم, إنّ ما يحدث في الأرض اليوم من الزلازل المدمرة, والأعاصير القاصفة, والحروب الطاحنة, والمجاعات المهلكة, والأمراض الفتاكة, وحوداث المراكب البرية والبحرية والجوية التي يذهب فيها الأعداد الكبيرة من البشر, وتسلط قطاع الطرق وسطو اللصوص.
كل ذلك يحدث بسبب الذنوب والمعاصي, قال -تعالى-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(31)﴾ [الشورى: 29 – 31], وقال -تعالى-: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: 129].
فينا الآن كثيـر من الذنوب والمعاصي ما لا يحصــى؛ كتضييع الصلوات, وأكل الربا, والرشوة والزنا, وشرب الخمور, وأكل الدَّين, وتبرج النساء, وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفعل الفواحش والمنكرات, وغير ذلك مــما نتخوف منه نزول العقوبة صباحا مساءً, وعليه فإننا ندعو جميع من يسمعنا إلى تجديد التوبة والعودة إلى الله؛ لعله يختم لأحدنا بحسن الختام قال الله -تعالى-: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا, ويقيناً صادقاً, وتوبةً قبلَ الموتِ, وراحةً بعد الموتِ, ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة, ولا فتنةً مضلة,
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ, واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين, يا ربَّ العالمين.
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين, وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.