بطاقة المادة
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
جريمة السرقة وبعض أنواعها | العربية |
جريمة السرقة | العربية |
عواقب السرقة وخطورة تمويل الإرهاب | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسسَرِقَةُ الأموالِ خَطِيئَةٌ كَبِيرَةٌ لا يُكَفِّرُها أيُّ عَمَلٍ صَالِحٍ مهما كانَ, حتى ولو بَلَغَ دَرَجَةَ الشَّهادةِ في سبيلِ اللهِ -تعالى-, السَّارِقُ لا تُغفَرُ جريمتُهُ ولو قُتِلَ في سبيلِ اللهِ -عز وجل-, بل لو قُتِلَ وهو يجاهِدُ في سبيلِ الله -تعالى- مع ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: قَلبُ الأمَّةِ مَجرُوحٌ بِسَبَبِ المِحنَةِ القاسِيَةِ التي تمُرُّ عليها, قَلبُها مَجرُوحٌ بِسَبَبِ سَفْكِ الدِّماءِ وانتِهَاكِ المُقدَّساتِ وهَتْكِ الأَعرَاضِ, الأمَّةُ تَلتَجِئُ إلى اللهِ -تعالى- لِكَشْفِ الغُمَّةِ عنها, ولكن في هذه الآوِنةِ ظَهَرَت شَرِيحَةٌ من النَّاسِ لِتَزِيدَ الأَلمَ ألَماً, والحُزنَ حُزناً, من خِلالِ ارتكابِ جَرائِمِ السَّرِقَةِ, سواءٌ كانت من الأموالِ الخاصَّةِ أو العامَّةِ.
يا عباد الله: لقد أكرَمَنَا اللهُ -تعالى- بِدِينٍ دَعَا أَتبَاعَهُ إلى احترامِ أموالِ الآخرينَ وحِفظِها وصِيانَتِها, وحرَّمَ الاعتداءَ عليها إِتلافَاً واغتِصَابَاً, سَرِقَةً وغِشَّاً وخِيانَةً, وجَعَلَ السَّرِقَةَ كبيرةً من كبائِرِ الذُّنوبِ, وجريمةً من الجرائِمِ الأخلاقِيَّةِ التي لا يَتَّصِفُ بها ذو دِينٍ وَخُلُقٍ واستِقَامَةٍ.
يا عباد الله: السَّارِقُ شخصٌ مُجرِمٌ استخدَمَ نِعمَةَ اللهِ -تعالى- في معصيةِ اللهِ -تعالى-, استخدَمَ عَقلَهُ وسَمعَهُ وبَصَرَهُ ويَدَهُ ورِجلَهُ فيما يُسخِطُ اللهَ -تعالى-, وهوَ مسؤولٌ عن هذه الجوارحِ, قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36].
السَّارِقُ عَرَّضَ إِيمَانَهُ للضَّيَاعِ؛ كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ" [رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
السَّارِقُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلَعنَةِ اللهِ -تعالى-.
واللعنُ يعني: الطردَ من رحمةِ اللهِ -تعالى-, يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ, وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ" [رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
السَّارِقُ عَرَّضَ بصيرَتَهُ لِلانطِمَاسِ, فَصَارَ لا يَقنَعُ بالحلالِ, بل عَشِقَ الحرامَ, ولو خُيِّرَ بين الحلالِ والحرامِ لاخْتَارَ الحرامَ, قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فاطر: 8].
لقد طُمِست بصيرَةُ السَّارِقِ لَّما طُمِست بصيرَةُ القاتِلِ بغيرِ حقٍّ -والعياذُ بالله تعالى-.
يا عباد الله: سَرِقَةُ الأموالِ خَطِيئَةٌ كَبِيرَةٌ لا يُكَفِّرُها أيُّ عَمَلٍ صَالِحٍ مهما كانَ, حتى ولو بَلَغَ دَرَجَةَ الشَّهادةِ في سبيلِ اللهِ -تعالى-, السَّارِقُ لا تُغفَرُ جريمتُهُ ولو قُتِلَ في سبيلِ اللهِ -عز وجل-, بل لو قُتِلَ وهو يجاهِدُ في سبيلِ الله -تعالى- مع سيدنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, يقولُ سيدنا عمرُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ, فُلانٌ شَهِيدٌ, حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "كَلا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ" [رواه الإمام مسلم].
فشهادتُهُ في سبيلِ الله لم تكن شفيعاً لهُ في بُردَةٍ سَرَقَها؛ فكيف بمن يسرِقُ ما لا يعلمُهُ إلا الله -تعالى-؟
وهنا أقولُ لِقاتلِ الأبرياءِ بغيرِ حقٍّ: هل سمعتَ هذا الحديثَ الشريفَ؟ رجلٌ سَرَقَ عَبَاءَةً وقُتِلَ في سبيلِ اللهِ، هوَ في النارِ، فَكَيفَ بِحالِكَ يا قاتلَ الأبرياءِ بغيرِ حقٍّ؟ يا قاتلَ الأبرياءِ بغيرِ حقٍّ أُذكِّرُكَ بقول الله -تعالى-: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].
يا عباد الله: إنَّ لِهذه الجريمةِ -جَريمَةِ السَّرِقَةِ- أسباباً أدَّت إليها, من هذه الأسبابِ:
أولاً: سوءُ التَّربِيَةِ:
يا عباد الله: إنَّ سوءَ التَّربِيَةِ لهُ آثارٌ سَيِّئَةٌ على الفردِ والمجتمعِ, فإذا لم يَقُم الأبوانِ, ثمَّ المدرسةُ, ثمَّ أجهزةُ الإعلامِ بجميعِ صُوَرِها, بما هوَ واجبٌ عليهم من حُسنِ التَّربِيَةِ للأبناءِ وأفرادِ المجتمَعِ, فَلْيَتَحَمَّلُوا نتائِجَ هذا الإهمالِ من ظُهورِ السَّرِقاتِ, ثمَّ تَعَاطي المُخَدِّراتِ, ثمَّ الدِّياثةِ, ثمَّ الغِشِّ, ثمَّ الرِّبا, ثمَّ الزِّنى, ثمَّ العُقوقِ؛ فالآباءُ ووُزراءُ الإعلامِ والمدرِّسونَ والمعلِّمُونَ والحُكَّامُ همُ الذين يَتَحمَّلون نتيجةَ جَرَائِمِ السَّرِقَةِ بِسَبَبِ تَقصِيرِهِم في التَّربِيَةِ, هذا إِنْ لم يكونوا هم أوَّلَ السَّارِقين.
وواللهِ لن تكونَ التَّربِيَةُ صالِحةً للأبناءِ إلا إذا كانت مُستقاةً من شرعِ اللهِ -تعالى-, ومن هَدْيِ سيدنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وما حلَّ بالأمَّةِ ما حلَّ إلا بِسَبَبِ إِعراضِها عن هذا الشَّرعِ الحنيفِ.
ثانياً: التَّقصيرُ في النَّفَقَةِ:
يا عباد الله: إنَّ التَّقصيرَ في النَّفَقَةِ على الأبناءِ سَبَبٌ من أسبابِ انتشارِ جَريمَةِ السَّرِقَةِ, وقد قَصَّرَ كثيرٌ من الآباءِ في النَّفَقَةِ على الأبناءِ, وربُّنا -عز وجل- يقول: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7].
ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" [رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
ونحنُ نرى وبكلِّ أسَفٍ بعضَ الآباءِ من يُسرِعُ في الإنفاقِ بلا حِسابٍ في سبيلِ الشيطانِ, أمَّا فيما هو واجبٌ عليهِ نحوَ أبنائِهِ فبعيدٌ كلَّ البُعدِ عن الإِنفاقِ, ولا حول ولا قوَّةَ إلا باللهِ العلي العظيمِ.
ثالثاً: قِلَّةُ رواتبِ الموظَّفين والعمالِ:
يا عباد الله: إنَّ قِلَّةَ رواتِبِ الموظَّفينَ وأجرةِ العمَّالِ سَبَبٌ من أسبابِ انتشارِ جريمةِ السَّرِقَةِ, ربُّنا -عز وجل- يقول: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ﴾ [الشعراء: 183].
سَلُوا أَنفُسَكُم يا وُزَراءُ, يا من تحتوي مُؤسَّساتُكُم على كثيرٍ من المُوظَّفين, ويا أربابَ العملِ يا من تحتوي محلاتُكُم ومعامِلُكُم ومتاجِرُكُم على كثيرٍ من العُمَّالِ: هل راتِبُ الموظَّفِ وأُجرَةُ العاملِ تُساوي الجُهدَ الذي يُقَدِّمُهُ الموظَّفُ والعاملُ؟ وهل يُعطَى أَجرَهُ كامِلاً غيرَ منقوصٍ بدونِ خُلْفٍ في الوَعْدِ؟
هل سمعتم -أيُّها الوُزراءُ أيُّها التُّجَّارُ, يا من سوفَ تُسألونَ عن الموظَّفين وعنِ العُمَّالِ يومَ القيامَةِ- حديثَ سيدنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، فيما رواهُ عن اللهِ -تبارك وتعالى- قال: "ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ, وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ, وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ"؟ [رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
يا وزراءُ ويا أربابَ العملِ, يا من لا يُعطي الأجيرَ حقَّهُ: إنَّ خصمَكمُ اللهَ -تعالى- يومَ القيامةِ.
هل سَمِعتُم حديثَ سيدنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"؟ [رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما-].
رابعاً: انتشارُ البَطالَةِ:
يا عباد الله: إنَّ انتشارَ البَطالَةِ سببٌ من أسبابِ انتشارِ جريمةِ السَّرِقَةِ؛ لأنَّها تَحمِلُ بُذورَ الجَريمَةِ, فإذا لم يجد المجتمعُ العِلاجَ النَّاجِحَ, تَفاقَمَ خَطَرُها على الفردِ وعلى الأُسرةِ وعلى المجتمعِ, ويقولُ بعضهم: "مَن تَعَطَّلَ وتَبَطَّلَ انسَلَخَ مِنَ الإِنسانِيَّةِ, بل مِنَ الحَيَوَانِيَّةِ, وصَارَ مِن جِنسِ المَوتَى".
وجاءَ في الأَثرِ: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ المؤمنَ المُحتَرِفَ، ويَكرَهُ البَطَّالَ".
يا عباد الله: إنَّ من أسبابِ انتشارِ البَطالَةِ: خروجُ المرأةِ من بيتِها ومزاحَمَتُها للرِّجالِ في العملِ, وربُّنا -عز وجل- يقول: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 33].
ولكنْ أعداءُ هذا الدينِ حرَّضوا المرأةَ على الخروجِ للعملِ من أجل فسادِها وإِفسادِهَا, ومن جملةِ إِفسادِهَا: انتشارُ البَطالَةِ في المُجتمع.
يا عباد الله: لقد حَثَّنا النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- على العَمَلِ، وطَلَبِ الرِّزقِ الحلالِ, فقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ, خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ" [رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً خَيْراً مِن أَنَ يَأْكُلَ مِن عمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبيَّ اللهِ دَاوُدَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- كان يَأْكلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ" [رواه الإمام البخاري عن المِقدَامِ بن مَعْدِ يكْربَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
وجاء في الأثرِ: "تِسعَةُ أَعشَارِ الرِّزقِ في التِّجَارَةِ" [رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث].
فالإسلامُ جاءَ مُحرِّضاً على العملِ لا على البَطالَةِ, ووليُّ الأمرِ مسؤولٌ عن تأمينِ فُرَصِ العملِ لأفرادِ أُمَّتِهِ.
خامساً: تعطيلُ حدِّ السَّرِقَةِ:
يا عباد الله: إنَّ تَعطِيلَ حدِّ السَّرِقَةِ سَبَبٌ من أسبابِ انتشارِ السَّرِقَةِ في المجتمعِ, بل سَبَبٌ من أسبابِ هلاكِ الأمَّةِ, كما قال سيدنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ, وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ, وَايْمُ اللهِ, لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" [رواه الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-].
وحدُّ السَّرِقَةِ هوَ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ؛ كما قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: 38].
فإذا كان الحَدُّ يُطَبَّقُ على شَرِيحَةٍ من المجتمعِ دونَ شَرِيحَةٍ سَبَباً لِهَلاكِ الأمَّةِ, فكيفَ إذا تَعَطَّلَ الحدُّ وأُلغِيَ إلغاءً كاملاً؟
نعم -يا عباد الله- لو أنَّ حدَّ السَّرِقَةِ طُبِّقَ على الأقوياءِ لَتَأَدَّبَ الضُّعَفاءُ, ولكن عندما عُطِّلَ هذا الحدُّ, تَجَرَّأَ الضَّعيفُ على السَّرِقَةِ بعدَ أن رَأَى القَوِيَّ يَسرِقُ, والحاكِمُ مسؤولٌ عن ذلكَ بسبَبِ تعطيلِهِ حدَّ السَّرِقَةِ.
فيا وليَّ الأمرِ: أَقِم حُدودَ اللهِ -تعالى- في أُمَّةِ سيدنا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وخاصَّةً حدَّ الزنى وحدَّ السَّرقة, واعلم بأنَّكَ مسؤولٌ عن ذلك يوم القيامة بين يدي الله -تعالى-, لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" [رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهمَا-].
يا عباد الله: قولوا لمن تُسَوِّلُ له نَفسُهُ السَّرِقَةَ: لا تستَغِلَّ زَمَنَ المِحنَةِ بِسَرِقَةِ أموالِ الناسِ, فإنَّ المِحنَةَ لن تَدُومَ وربِّ الكعبَةِ؛ لأنَّهُ من المُحالِ دوامُ الحالِ, ولن تَطُولَ إن شاءَ اللهُ -تعالى-, فما هوَ وَجهُكَ أمامَ إِخوَانِكَ بعدَ انكِشَافِ الغُمَّةِ, عندما تُعرفُ بأنَّكَ أنتَ السَّارِقُ؟
يا من تُسَوِّلُ لهُ نفسُهُ جريمَةَ السَّرِقةِ: اعلم بأنَّ المِحنَةَ تُظهِرُ الخَبيثَ منَ الطَّيِّبِ, وتُظهِرُ طَبيعَةَ النُّفُوسِ, قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: 179] فَطُوبَى لِمن كانَ في أيَّامِ المِحنَةِ رَجُلَ صِدقٍ, رَجُلَ إِخلاصٍ, رَجُلَ وفاءٍ.
وتَذَكَّروا -أخيراً-: قولَ الله -تعالى-: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12] فَطُوبَى لِمن قدَّمَ خيراً, وتَرَكَ ذِكراً صَالِحاً بعدَ موتِهِ.
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
جريمة السرقة وبعض أنواعها | العربية |
جريمة السرقة | العربية |
عواقب السرقة وخطورة تمويل الإرهاب | العربية |