بطاقة المادة
المؤلف | إبراهيم الدويش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الأمانة: فضائلها ومجالاتها | العربية |
الأمانة يوم أن فقدناها | العربية |
تضييع الأمانة | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسمجالات الأمانة الخيانة ولا تخن من خانكإن التفاتة الجليس وهو يحدث جليسه تدل على أنه لا يريد لأحد غيره أن يسمع ذلك الحديث, ومن ثم فكأنه يقول: ما قلته لك سرٌ فلا تخبر أحداً به؛ فأين هذا من الثرثارين والنمامين المفسدين بين الناس بنقل الكلام والأخبار، وكثرة القيل والقال، خاصة في ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله حقيقة التقوى، واعلموا أن أقدامنا على النار لا تقوى.
اعلموا أن حقيقة التقوى في السلوك والتطبيق، وليس مجرد التأثر والتصديق، وقد كان حديثنا السابق عن قيم وأخلاقيات العمل، وبدأنا بالوفاء بالعقود والعهود.
ولأنه لا يمكن التحدث عن الوفاء بالعقود والعهود دون الحديث عن ﴿الأمانة﴾، كان حديثنا اليوم عن هذه الفضيلة العجيبة: ﴿الأمانة﴾.
فالعرب؛ كما أنها تطلق لفظ الأمانة على الوديعة، فهي تطلقها أيضاً على (الوفاء)، وهكذا؛ فالرجل الأمين رجل وفيٌّ يؤدي ما اؤتمن عليه.
وحين يودع أحدنا شيئا عند رجل وفيّ فإنه يشعر بالأمن والطمأنينة؛ لأنه يعتقد أن وديعته مصونة محفوظة، وأن استردادها أمر ميسور.
ألست أخي تحب أن يقال عنك: رجل وفي، ورجل أمين؟ إنها صفات تبجيل، وألفاظ تعديل، وشهادات في سجل المؤمنين الصادقين.
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:72].
ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بالأمانة في هذه الآية: التكاليف والأوامر والنواهي؛ فالإنسان حين قبل الأمانة أذعن لمجمل التكاليف الشرعية.
وبناء عليه؛ فإن كل ما يوجبه التعاقد والاتفاق والالتزام من تكاليف يصبح أمانة يجب أداؤها إلى أصحابها على النحو المتفق عليه، والتقصير في أدائه يعني الوقوع في نوع من الخيانة.
وقد حث الله المؤمنين على حفظ الأمانة، والقيام بحقها، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء:58].
وذكر -سبحانه- من صفات أهل الفلاح من المؤمنين أنهم أهل وفاء وأمانة، فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون:8، المعارج:32].
وقد جمعت ابنة شعيب أهم صفتين ينبغي توفرهما في كل مؤمن على نحو عام، وفي كل موظف وعامل على نحو خاص، وهما القوة والأمانة، فقالت: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص:26].
إن القوة هنا تعني: الكفاءة والمهارة والنشاط وجودة الأداء وبذل أقصى الجهد؛ أما الأمانة فإنها تعني: القيام والاهتمام بالعمل بإتقان، والحرص على الانجاز والإنتاج.
وتعني الأمانة: عدم القيام بأي أعمال تضر بمصلحة العمل، من تقصير وغياب وتأخر وكسل وإهمال.
وتعني الأمانة: عدم استغلال العمل لتحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة.
وتعني الأمانة: الجانب الخلقي في الموظف والعامل من رفق ولين وفن تعامل.
قال أحد الحكماء: "الأمانة أن تؤدي حقوق الرؤوف الأعلى، ولا تفشي سر من أودع إليك شيئاً من شؤونه، وألا تنقض عهد من عاهدته، وألا تختلس ما ليس لك فيه حق، ولا تغش امرأً في معاملتك، وأن تحافظ على من جُعل تحت رعايتك؛ فالأمانة عليها مدار عموم المعاملات ونجاحها، وهي أصل من أصول الديانات، ولذلك أكدت جميع الشرائع على وجوب رعايتها".
إنها الأمانة؛ خلق نبيل، وخير عظيم، فقد ورد عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة".
فأي شيء يريد الإنسان؟! أمانة وصدق وخُلق وقناعة.. إنها السعادة في الدنيا، والفوز في الآخرة.
وها هو الحبيب -صلى الله عليه وسلم- يوجهنا إلى أن نكون أمناء حتى مع الذين يخونوننا؛ لأنه لا ينبغي للمسلم أن يقابل الخطأ بخطأ مثله, فيقول: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك".
إنه المسلم الذي تربى على تعاليم هذا الدين العظيم، ينشر الخير ويقاوم الشر، ولا يقابل السيئة بالسيئة, بل يدفع السيئة بالحسنة، ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(35)﴾ [فصلت:34-35].
حقاً؛ لا يستطيع على مثل هذا إلا الأمناء الأوفياء، الذين جاهدوا أنفسهم من أجل الله، وصبروا للفوز برضا الله؛ فالمسلم يعرف أن التفريط فيما اؤتمن عليه يعني الوقوع فيما يغضب الله، وأنه يجر عليه الوبال.
ولذا ورد الكثير من النصوص التي تدل على عظم جرم الخائن وقبح ما أقدم عليه، فاسمعوا بتدبر إلى بعض تلك النصوص: يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال:27].
قال الشوكاني: "الأمانة: الأعمال التي اؤتمن عليها العباد".
ويقول -سبحانه-: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال:58].
الله أكبر! ما أعظم هذا الدين! أتعلمون ما معنى هذه الآية؟! أي: إذا خفت من قوم عاهدتهم على أمر أن يغشوك أو ينقضوا عهدهم، فأخبرهم على نحو واضح وصريح أن العهد الذي بينك وبينهم قد انتهى، ولا تبدأهم بالحرب قبل أن تنبذ إليهم عهدهم.
ما أعظم وأجمل وأروع دين الإسلام دين الأمانة والوفاء! ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾، الخائنون المتلونون المتقلبون أصحاب الأهواء والمصالح، لا يحبهم الله، بل يُبغضهم ويمقتهم، لجشعهم وخيانتهم وأنانيتهم، فلهم الويل والثبور!.
أما الحبيب -صلى الله عليه وسلم- فيغرس فينا كل خلق نبيل، اسمعوه -عليه الصلاة والسلام- يقول: "مَن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه".
لا تقل: إنها مجرد رأي واستشارة! فإن لم تَمحض النصح له فهي خيانة؛ فالمستشار مؤتمن، ومن الأمانة: أن يقدم لمن استشاره أفضل ما لديه من رأي وخبرة, وبكل تجرد وصدق وإخلاص؛ لأن ذلك من مقتضيات الأخوة الإسلامية ولوازم القيام بحقوقها، كما في قوله-صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام: عرضه، وماله، ودمه؛ التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".
إنه المجتمع المسلم النظيف؛ أخوة ومحبة وتراحم وتعاطف، تقتضي أداء الأمانة للمسلم ونصرته، والمحافظة على حقوقه وكرامته.
بل إنه-صلى الله عليه وسلم- يؤكد أن معنى الأمانة يصل للمجالس وللكلمات، فالمجالس أمانة؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة".
إن التفاتة الجليس وهو يحدث جليسه تدل على أنه لا يريد لأحد غيره أن يسمع ذلك الحديث, ومن ثم فكأنه يقول: ما قلته لك سرٌ فلا تخبر أحداً به؛ فأين هذا من الثرثارين والنمامين المفسدين بين الناس بنقل الكلام والأخبار، وكثرة القيل والقال، خاصة في مكاتب الوظيفة، ومجالس المؤسسات، واجتماعاتها؟.
إخوة الإيمان: ونحن نتحدث عن عظمة الأمانة وأهميتها، وحرمة الخيانة وشناعتها، لا بد أن نؤكد أن الناس والمجتمع والوطن، يتضررون حين يقع -ولو القليل- من الخيانة؛ فالإخلال بالعقود، وجحد الأمانات، وعدم القيام بالواجبات الوظيفية, يؤدي إلى إلحاق الضرر بالبلاد والعباد، ويضر الوطن والمواطنين.
ولهذا؛ فإن التثقيف بأهمية الوفاء بالعقود وأداء الأمانات واجب الجميع، بل يجب أن يكون على أوسع نطاق ممكن.
وإذا كان الوفاء بالعقود والعهود يستوجب فضيلة الأمانة، فإن فضيلة الصدق أساس قيم وأخلاقيات العمل، وهذا هو موضوع خطبتنا القادمة بمشيئة الله تعالى.
نسأل الله أن يرزقنا الصدق والأمانة، وأن يطهر قلوبنا وأعيننا وألسنتنا من الكذب والخيانة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
المؤلف | إبراهيم الدويش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الأمانة: فضائلها ومجالاتها | العربية |
الأمانة يوم أن فقدناها | العربية |
تضييع الأمانة | العربية |