عناصر الخطبة
- حلاوة الإيمان وكيف يجدها العبد
- نصيحة إلى الشباب باغتنام أوقاتهم
- رمضان شاهد للمحسن بإحسانه وللمقصر بتقصيره
- ضرورة تذكر المسلمين في العالم والدعاء لهم
اقتباس خرجنا إلى هذا المصلى من جميع الاتجاهات ومن جميع الطرق والفجاج، زرافات ووحدانًا، راجلين وراكبين، ولعمر الله إن هذا لمشهد يذكرنا بخروج الناس من قبورهم لرب العالمين يوم القيامة، ذلك اليوم العظيم الذي تعددت أسماؤه لكثرة أهواله وعظم كرباته، فتذكروا بهذا اليوم ذلك اليوم الذي تحشرون فيه إلى الله حفاة عراة غرلاً بهمًا في موقف يشيب لهوله الولدان، وتذهل فيه المرضعات عن البنات والبنين، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى من هول المطلع.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان وسار على هديه.
الحمد لله الذي خلق الخلق لعبادته وتوحيده، أحمده وأشكره وقد وعد الشاكرين بمزيده.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقواه، فمن اتقى الله وقاه وأحاطه بحفظه وتولاه، وغفر ذنبه وثبت على درب الخير خطاه: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا(72)﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً". مسلم.
وعَنْ أَنَسِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ". البخاري ومسلم.
الإيمان بالله هو سكينة النفس، وهداية القلب، وأنيس الروح، له طعم يفوق كل طعم، وله مذاق يعلو كل مذاق، وله نشوة دونها كل نشوة، لا يعرف ذلك إلا من ذاقه، وإذا صح الإيمان ووقر في القلب فاض على الحياة، فإذا مشى المؤمن على الأرض مشى مشيًا سويًّا، وإذا سار سار نقيًّا، ريحانة طيبة الشذى، وشامة ساطعة الضياء، حركاته وسكناته إيمانية مستكينة: "فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ". البخاري.
من ذاق طعم الإيمان طاب عيشه وعرف طريقه، ومن عرف طريقه سار على بصيرة، ومن سار على بصيرة نال الرضا وبلغ المقصد والمنى.
وأول منفذ للحصول على لذة الإيمان وحلاوته الرضا بالله ربًا مدبرًا، رضا بالله تستسلم معه النفس لربها وتنزع إلى مرضاته وتتجرد عن أهوائها وشهواتها ورغباتها، تعبده وترجوه وتخافه وتتبتل إليه، رضا بالله ويقينًا يدفع العبد إلى أن يمد يديه متضرعًا مخلصًا: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".
والمنفذ الثاني للحصول على لذة الإيمان وحلاوته الرضا بالإسلام دينًا، وتأملوا معنى هذا الموقف العجيب الذي يدل على الرضا بدين الله، غضب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على زوجته عاتكة -رضي الله عنها- فقال لها: والله لأسوءنك، فقالت له: أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد إذ هداني الله إليه؟! فقال: لا، فقالت: أي شي تسوءني إذًا؟!
الله أكبر -يا مسلمون-، إنها واثقة مطمئنة راضية ما دام دينها محفوظًا عليها، وحتى لو صب البلاء عليها صبًّا، بل إن إزهاق الروح مستطاب في سبيل الله على أي جنب كان في الله المصرع ما دام الدين هو الإسلام كما قال خبيب بن عدي:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً *** على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبـارك في أوصـال شلو ممـزع
فالإسلام منبع الرضا والضياء، ومصدر السعادة والاهتداء.
وثالث المنافذ للحصول على لذة الإيمان وحلاوته الرضا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً ونبيًا، رضا لا ينازعه بشر في طاعة ولا يزاحمه أحد في حكم: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، رضا يحمل على الاهتداء بهديه والاقتداء بسنته والعمل بشريعته.
وأما من فقد الإيمان وحرم لذته وحلاوته فيا خيبته وغبنه!! لقد انفرط أمره وانحل عقده فأصبح يقول ويفعل من غير رقيب، ويسير في دنياه من غير حسيب، فبغير الإيمان وحلاوته يعود الناس وحوشًا ضارية يقطعون حبالهم مع الله ومع الناس، وينقادون لنفوسهم الأمارة بالسوء، وتجتالهم شياطين الإنس والجن، والحضارة المعاصرة خير شاهد على أن الراحة والسعادة لا تحققها شهوات الدنيا ولا مادياتها، إنك لا ترى المرء فيها إلا منهومًا لا يشبع، فشهواته مستعرة ورغباته متشعبة فيشقى ويشقي.
لقد أورثت الحضارة المعاصرة أمراضًا نفسية واضطرابات اجتماعية وتقلبات فكرية كان مفزع أهلها إلى الخمور والمخدرات والمهدئات والعيادات النفسية والعلاجات العصبية، وصدق الله: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: دعوني أخص الشباب بحديث فأقول: أيها الشباب هل رأيتم رجلاً مسنًا قد احدودب ظهره وابيض شعره وخارت قواه وتثاقلت خطواته وسقط حاجباه؟! ألم يكن هذا الشيخ يومًا شابًا مثلكم يحيا حياة الشباب ويسير سيرهم ويلهو لهوهم ويلعب لعبهم؟! لقد كان يظن أن الشباب أيام طويلة، وأن قوة الشباب قوة قاهرة، وأن نضرة الشباب تزهو على الليالي والأيام، واليوم بعد أن كبر سنه ورقّ عظمه وضعف بنيانه وتنوعت أسقامه يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب، يبكي على قوة الشباب التي ضاعت، ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليعمرهما بطاعة الله، ولكن هيهات هيهات فهو يعيش اليوم حسرة وندامة لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن، قد هده المرض وتكاثرت عليه الأوجاع، حاله حال من قال:
بكيت على الشباب بدمع عيني *** فلم يغنِ البكاء ولا النـحيب
فيا أسفًـا أسفت على شبـاب *** نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت عن الشباب وكنت غصنًا *** كما يعري من الورد القضيب
فيـا ليت الشبـاب يعود يومًا *** فأخـبره بمـا فعل المشيـب
أيها الشباب: قد يقول قائل منكم: وما الذي يجعلني أنتظر حتى أصل إلى هذا الحد من الضعف والوهن؟! بل سأتوب قبل ذلك العمر ربما في الأربعين أو بعدها بقليل، فهي سن يكون الإنسان فيها ممتعًا بكامل صحته وقواه، وحينئذ أجمع بين متعة الشباب وعبادة الله بعد ذلك، والله غفور رحيم، ويتوب على العبد متى تاب ما لم يغرغر ويشرف على الموت.
أيها الشباب: إني سائل كل من كان حاله كذلك: من يضمن لك أن تصل إلى الأربعين؟! بل من يضمن لك البقاء إلى الغد؟! بل من يضمن لك أن تقوم من مقامك؟! ألم تعلم أن الموت يأتي بغتة؟! وأنه ينزل بالشباب كما ينزل بغيرهم؟! أما رأيت كثيرًا من أقرانك أخذهم الموت وبغتهم فأصبحوا من سكان القبور، فهل تمكنوا من التوبة؟! وهل تمتعوا بالمهلة؟! وهل استفادوا في قبورهم من تضييع الأوقات في الملاهي والمنكرات؟! وهل وصلوا إلى السن التي تريد أن تصل إليها ثم تتوب بعدها؟! لماذا تؤمل البقاء في هذه الدار وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار؟! ولماذا التسويف وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة؟!
يا من بدنياه انشغل *** وغـره طول الأمل
الـموت يأتي بغتة *** والقبر صدوق العمل
أيها الشاب: هب أنك وصلت سن الأربعين فما يدريك أنك ستكون ممتعًا بقواك في هذه السن كما تزعم وستكون قادرًا على عبادة الله على أكمل وجه؟! ألا يمكن أن يصاب ابن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين بالأمراض التي تزلزل أركانه وتجعله طريح الفراش حبيس الأسرّة البيضاء؟! ألا يمكن أن يصاب ابن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين بالحوادث المروعة التي لا يستطيع بعدها حراكًا، فالله الله يا شباب!! جددوا التوبة وعودوا عن زمن الغفلة، والحذر الحذر من الذنوب، فإنها تسقط العبد من عين الله، ومتى سقط العبد من عين الله لم يبالِ الله به في أي واد من أودية الدنيا هلك، وإياكم والتسويف؛ فإن التسويف لا يقف عند حد، بل هو بحر لا ساحل له، والأماني لا تنقطع بصاحبها، بل لا يزال يسوّف حتى يصير مجندلاً في قبره، فالحازم من عزم على التوبة من ساعته وترك سبل الغواية الآن قبل غده؛ قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا من غير توبة؛ يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل".
فيا أيها الشاب:
خذ من شبابك قبل الموت والهرم *** وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلـم بأنـك مجـزي ومرتهن *** فـراقب الله واحذر زلة القدم
أيها المسلمون: رحل رمضان وقد كنَّا بالأمس القريب نستقبله ونسأل الله بلوغ ختامه، وها نحن اليوم وبهذه السرعة الخاطفة نودعه وهو شاهد لنا أو علينا، شاهد للمؤمن بطاعته وعبادته وصالح عمله واجتهاده، وشاهد على المقصر بتقصيره وتفريطه وعصيانه وتضييعه، رحل رمضان وقد أحسن فيه أقوام وأساء آخرون، وأقوامٌ ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
فمن أحسن فليحمد الله على ذلك، وليسأله القبول والعفو عن التقصير والزلل؛ فإنَّ الخوف على العمل من عدم القبول أشدُّ من العمل، وقد كان السلف يهتمُّون بالعمل ويتقنونه ويخلصون لله فيه ثم يهتمُّون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾، عن عَائِشَةَ قالت: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾، أَهُوَ الذي يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟! قال: "لَا يا بِنْتَ أبي بَكْرٍ أو يا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيُصَلِّي وهو يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ منه". ابن ماجه بسند حسن.
ومن قصر في أيامه ولياليه أو خلط السيئ بالصالح فليتدارك نفسه، وليعد إلى ربه قبل فوات الأوان، فما زال في العمر فسحة، وباب التوبة مفتوح، ورحمة الله الواسعة قريبة من المحسنين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي خير المرسلين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حمدًا يليق بجلاله وهو العلي الأعلى، وأشكره شكرًا يوازي نعمه المنهمرة تترى، وأشهد أن لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المجتبى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أولي النهى، وعلى كل من سار في الدرب على نفس الخطا.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: خرجنا إلى هذا المصلى من جميع الاتجاهات ومن جميع الطرق والفجاج، زرافات ووحدانًا، راجلين وراكبين، ولعمر الله إن هذا لمشهد يذكرنا بخروج الناس من قبورهم لرب العالمين يوم القيامة، ذلك اليوم العظيم الذي تعددت أسماؤه لكثرة أهواله وعظم كرباته، فتذكروا بهذا اليوم ذلك اليوم الذي تحشرون فيه إلى الله حفاة عراة غرلاً بهمًا في موقف يشيب لهوله الولدان، وتذهل فيه المرضعات عن البنات والبنين، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى من هول المطلع.
مثل لنفسك أيها المغرور *** يوم القيامة والسماء تمـور
إذا كورت شمس النهار وأُدْنِيَت *** حرًّا على رأس العباد تفور
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت *** وتبدلت بعد الضياء كـدور
وإذا الجبال تقلعت بأصولها *** فرأيتها مثل السحـاب تسير
وإذا العشار تعطلت وتخربت *** خلت الديار فما بها معمـور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت *** وتقول للأمـلاك أين نسير
وإذا الجليل طوى السما بيمينه *** طَيَّ السجل كتابه المنشـور
وإذا الصحائف نشرت وتطايرت *** وتهتكت للعالمـين سـتور
وإذا الجنين بأمـه متعلـقًا *** خوف الحساب وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف جنينه *** كيف المصر على الذنوب دهور
وإذا الجحيم تسعرت نيرانها *** ولها على أهل الذنـوب زفـير
وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت *** لفتى على طول البلاء صبور
مهد لنفسك حجـة تنجو بها *** يوم القيـامة يـوم تبدو العور
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: وأنتم تعيشون العيد لا تنسوا أن تعيشوه بروح الجسد الواحد، فتذكروا إخوانكم في فلسطين وما يلاقونه من شرذمة اليهود الغاصبين، وفي سوريا وما يواجهونه من حرب إبادة جماعية بمباركة دولية، وفي العراق وما يعانونه من بطش الأمريكان، وفي أفغانستان والشيشان والصومال ومالي، وكيف تكالبت عليهم قوى الكفر والطغيان وفي كشمير والفلبين وبورما وغيرها. وعليكم بكثرة الدعاء لهم، واجعلوا من موسم العيد إعادةً لقضيتهم ونشرًا لصحيح أخبارهم.
وتذكروا أنهم يعيشون العيد تحت قذائف الطائرات ودوي الدبابات، كان الله لهم في العون وربط على قلوبهم وثبت أقدامهم.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: نحن في يوم عيد وعبادة وفرح وسرور، والمسلم يفرح في هذا اليوم بطاعته وفرحه، لا يخرجه عن حدود الطاعة ولا يوقعه في الإثم ومخالفة حدود الله.
صلوا وسلموا على رسول الله فقد أمركم بذلك الله فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.