سورة الحشر

مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني

عناصر الخطبة

  1. تعريف بسورة الحشر
  2. غزوة بني النضير
  3. طبقات المؤمنين الثلاث
  4. سبب نزول بعض آياتها
  5. تآمر المنافقين وأهل الكتاب
  6. توجيهات للمؤمنين باتقاء الله
  7. بعض أسماء الله تعالى وصفاته الدالة على ربوبيته وعظمته
  8. الإشارة لفضل الآيات الأخيرة منها
  9. ملخص لمحتوى السورة الكريمة

الحمد لله رب العالمين، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم على الحق والهدى إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وحديثنا اليوم عن سورة الحشر، السورة التاسعة والخمسون في ترتيب المصحف الشريف، وهي أربع وعشرون آية، وهي مدنية.

أخرج البخاري وغيرهما عن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: سور النضير. يعني أنها نزلت في بني النضير.

وبنو النضير رهط من اليهود من ذرية هارون نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل انتظاراً منهم لمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فغدروا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن عاهدوه، وصاروا عليه مع المشركين، فحاصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى رضوا بالجلاء، وكانوا من أول من أجلي من أهل الذمة من جزيرة العرب.

ثم أجلي آخرهم في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فكان جلاؤهم أول حشر من المدينة، وآخر حشر إجلاء عمر لهم. وقيل: إن أول الحشر إخراجهم من حصونهم من خيبر، وآخر الحشر إخراجهم من خيبر إلى الشام.

وقد ظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من بأس الله لمنعتها وقوتها، ولكن الله أتاهم من حيث لم يحتسبوا، ومن حيث لم يخطر ببالهم، وهو أنه سبحانه أمَر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقتالهم وإجلائهم، وكانوا لا يظنون ذلك، حيث ألقى الله في قلوبهم الرعب، وهو الخوف من المسلمين. والمراد به ما ثبت في الصحيح من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "نصرت بالعب مسيرة شهر".

فلما أيقنوا بالجلاء حسدوا المسلمين أن يسكنوا منازلهم فجعلوا يخربونها من الداخل، والمسلمون يخربونها من الخارج، وفي ذلك أكبر العبر لمن يتعظ ويتدبر، ولولا أن الله سبحانه كتب عليهم الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه وقضى به لعذبهم بالسبي والقتل في الدنيا كما فعل ببني قريظة، ﴿وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ﴾ [الحشر:3]؛ وذلك بسبب مشاقتهم لله ولرسوله، وميلهم مع الكفار، ونقض العهد.

وقد قام بعض المهاجرين بقطع نخلهم فقال بنو النضير، وهم أهل الكتاب: يا محمد، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح؟ أمِن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض؟ فشق ذلك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووجد المسلمون في أنفسهم، فنزل قوله تعالى: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ [5]، أي: ما قطعتم أيها المؤمنون من شجرة نخيل أو تركتموها قائمة على سوقها فبأمر الله وإرادته ورضاه؛ وليغيظ اليهود، ويذلهم بقطع أشجارهم.

ثم ذكر الله سبحانه الفيء، وهو ما رده الله على رسوله من أموال الكفار بأن جعلها خاصة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم لم يركبوا في تحصيله خيلاً ولا إبلاً، ولا تجشَّموا مشقة، ولا لقوا حرباً، وإنما كانت على ميلين من المدينة، حيث سلط الله رسوله على أعدائه، وهو سبحانه قدير على كل شيء.

أما الفيء على رسوله من أهل القرى بقتال فقد بيَّن الله سبحانه مصارفه فقال: ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [7]، أي المسافر، قيل يقسم أسداداً، والخمسة المذكورة الأول لله سبحانه تُصرف في وجوه القرب، كعمارة المساجد ونحوها.

وعلَّل ذلك بأن لا تكون الأموال متداولة بين الأغنياء من المسلمين ويستأثرون بها دون الفقراء، ثم قال: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [7]، أي: ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه، وما نهاكم عن أخذه فانتهوا عنه ولا تأخذوه.

ثم بين الله سبحانه لمن تعطى الغنيمة، فقال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [8]، أي: لمن كان فقيراً مهاجراً إلى الله ورسوله، وأخرجهم الكفار من ديارهم وأموالهم، أو اضطروا هم للخروج يطلبون من الله الرزق في الدنيا والرضوان في الآخرة، ويجاهدون الكفار، فأولئك هم الكاملون في الصدق، الراسخون فيه.

ثم لما فرغ الله من مدح المهاجرين مدح الأنصار فقال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، والمراد بالدار: المدينة وهي دار الهجرة، والتبوُّء: التمكين، أي اتخذوا المدينة منزلا ومسكناً، ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾، حيث أحسنوا إليهم، وأشركوهم في أموالهم ومساكنهم، ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً﴾، أي: لا يجدون حسداً ولا غيظاً ﴿مِمَّا أُوتُوا﴾، أي: مما أوتي المهاجرون من الفيء، بل طابت أنفسهم بذلك، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾، الإيثار: تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا؛ رغبة في الآخرة، والخصاصة الحاجة والفقر، ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [9]، الشح: البخل مع مرض، وقيل أشد البخل، والفلاح: الفوز والظفر بكل مطلوب.

ولما فرغ الله سبحانه من الثناء على المهاجرين ذكر ما ينبغي أن يقوله مَن جاء بعدهم، وهم التابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة فقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [10]، والغل: الحسد والغش والبغض، فأمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق، ومن صفات الله أنه كثير الرأفة والرحمة لمن يستحق ذلك.

أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "أوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقوقهم، ويحفظ لهم حرمتهم؛ وأوصيه بالأنصار الذين تبوَّؤوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم".

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : أتى رجلٌ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ألا رجل يضيف هذه الليلة ضيفَ رسول الله؟"، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله! فذهب به إلى أهله، فقال لامرأته: أكرِمي ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا تدَّخِرِي شيئاً، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية! قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوِّميهم، وتعالى فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة لضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففعلَتْ، ثم غدا الضيف على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد عجب الله من فلان وفلانة"، وأُنزل فيهما: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [9].

ولما فرغ الله سبحانه من ذكر طبقات المؤمنين الثلاثة: المهاجرين والأنصار والتابعين، ذكر ما جرى بين المنافقين واليهود من المقاومة والمقابلة، لتعجيب المؤمن من حالهم، حيث قال الله عن المنافقين، وهم عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه لإخوانهم في الكفر من اليهود: ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [11]، أي: في قسَمهم ومقالتهم هذه وهي الخروج معهم ونصرتهم.

وردَّ الله عليهم سبحانه بعد أن شهد سبحانه بكذبهم بقوله: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [12]، أي: يفر المنافقون منهزمين ولا ينصرون اليهود.

ثم بيَّن أنكم -يا معشر المسلمين- أشد خوفاً وخشية في صدورهم جميعاً، أو في صدور أيٍّ منهم من الله، وذلك بسبب عدم فقههم لشيء من الأشياء، ولو كان لهم فقه لعلموا أن الله سبحانه هو الذي سلَّطَكم عليهم، فهو أحق بالرهبة والخشية والخوف منه دونكم.

ثم أخبر سبحانه بمزيد فشلهم، وضعف نكايتهم، فقال: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾، أي: لا يبرز اليهود والمنافقون لقتالكم إلا في قرى محصنة بالدروب والدور، أو من خلف الحيطان التي يستترون بها؛ لجبنهم ورهبتهم، ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾، أي: بغضهم غليظ فظ على بعضهم البعض، وقلوبهم مختلفة، ونياتهم متباينة، ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [14]، إنك تظنهم مجتمعين على أمر وقلوبهم متفرقة؛ بسبب أنهم قوم لا يعقلون شيئاً، ولو عقلوا لعرفوا الحق واتبعوه.

ثم مثل الله سبحانه المنافقين واليهود بالذين مِن قبلهم من كفار قريش الذين ذاقوا سوء عاقبة كفرهم يوم بدر، وما لقوا من الهزيمة والأسر، أو المهلكين من الأمم السابقة في زمن قريب، كما مثلهم بالشيطان في تخاذلهم وعدم تناصرهم، حيث أغرى الإنسان بالكفر، وزينه له، وحمله عليه، فلما كفر وطاوع الإنسان الشيطان ما كان منه يوم القيامة إلا أن تبرأ منه بسبب خوفه من الله حينئذ! ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا﴾ أي الإنسان والشيطان ﴿أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ [17].

عباد الله: هذه بعض معاني آيات سورة الحشر، وسنكمل الحديث عنها في الخطبة الثانية إن شاء الله، نفعني الله وإياكم بها وبهدي كتابه الكريم، وبسنة خاتم المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله: استكمالا للحديث عن سورة الحشر فإن الله سبحانه عاد إلى خطاب المؤمنين بأن دعاهم إلى أن يتقوه، والنظر فيما قدمت كل نفس من الأعمال استعداداً ليوم القيامة، وكرر أمرهم بتقواه، وأنه سبحانه خبير بأعمالهم.

ثم نهاهم فقال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [19]، أي: تركوا أوامر الله فجعلهم ناسين لأنفسهم بسبب نسيانهم الله والحقوق الواجبة عليهم له سبحانه.

ثم قال ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [20]، أي: فلا استواء بينهما في الفضل والرتبة والظفر بكل مطلوب لأهل الجنة.

ولما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة وأهل النار وبيَّن عدم استوائهم في شيء من الأشياء ذكر تعظيم كتابه الكريم، وأخبر عن فضله، وأنه حقيق أن تخشع له القلوب، وترنو له الأفئدة، فقال: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [21]، قيل المعنى : أي لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، ولتصدَّعَ من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له وقويناك عليه، فيكون هذا من باب الامتنان على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله سبحانه ثبته بما لا تثبت عليه الجبال الرواسي.

ثم أخبر الله سبحانه بربوبيته وعظمته فقال: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [22]، أي: يعلم حصر ما كان وما يكون.

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ أي الطاهر من كل عيب، المنزه عن كل نقص، ﴿السَّلَامُ﴾، أي: الذي سلم من كل عيب ونقص، ﴿الْمُؤْمِنُ﴾: أي، الذي وهب لعباده الأمن من عذابه، ﴿الْمُهَيْمِنُ﴾: أي، الشهيد على عباده بأعمالهم، الرقيب عليهم، ﴿الْعَزِيزُ﴾: الذي لا يوجد له نظير، ﴿الْجَبَّارُ﴾، جبروت الله: عظمته، ﴿الْمُتَكَبِّرُ﴾، أي: عن كل نقص وعيب، والكبر في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم، ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي عما يشركونه في عباده.

﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ﴾، أي: المقدر للأشياء على مقتضى إرادته ومشيئته، ﴿الْبَارِئُ﴾، أي: المنشئ المخترع للأشياء، الموجد لها، ﴿الْمُصَوِّرُ﴾، أي: الموحد للصور المركب لها على هيئات مختلفة، ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [24]، أي: الغالب لغيره، الحكيم في الأمور التي يقضي بها.

وقد ورد في فضل الآيات الأخيرة من سورة الحشر أحاديث كثيرة فينبغي حفظها؛ لأن فيها أسماء الله الحسنى.

عباد الله : هذه لمحة عن بعض معاني سورة الحشر، وما فيها من عبر وعظات، ولقد عُنِيَت بجانب التشريع، وتحدثت عن غزوة (بني النضير) وهم اليهود الذين نقضوا العهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأجلاهم عن المدينة المنورة، ولهذا كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يسمى هذه السورة "سورة بني النضير".

وفي هذه السورة الحديث عن المنافقين الذين تحالفوا مع اليهود، وهي بإيجاز سورة الغزوات والجهاد، والفيء والغنيمة، حيث بينت شروطه وأحكامه، ثم أثنت على المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان.

ثم تحدثت عن المنافقين الأشرار الذين تحالفوا مع اليهود ضد المسلمين، ووعظت المؤمنين بتذكر ذلك اليوم الرهيب يوم القيامة الذي لا ينفع فيه حسَب ولا نسب ولا غيرهما.

ثم ختمت بذكر بعض أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وبتنزيهه عن صفات النقص والعيب.

أسأل الله أن ينفعنا بها، وبكل القرآن الكريم إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

وصلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.


تم تحميل المحتوى من موقع