عناصر الخطبة
ألقيت أيضا بتاريخ 1438/01/20
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، نحمدُه – سبحانه – على نعمِه السوابِغ، وآلائِه البوالِغ.
الحمدُ لله كم فينا لخالِقِنا *** مواهِبُ ليس يُحصِي شُكرَها أحدُ
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، خصَّنا بعقيدةٍ بَلجَاء أفعَمَت العالمين بسُمُوِّها وسَناها، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جلَّى معالِمَ رُقيِّ الحضارة وأقامَ صُواها، اللهم صلِّ عليه وعلى آلهِ صفوةِ الخليقَة سيرةً وأزكاها، وصحبِه الكرامِ البرَرَة البالِغين من ثُريَّا الأمجاد عُلاها، والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم يا رب تسليمًا طيبًا مُبارَكًا لا يتناهَى.
أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -؛ فمن اتَّقاه حفِظَه بحفظِه، وبرعايتِه رعاه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70، 71].
فلازِم تُقَى الرحمنِ واسأَله نُصرةً *** يُمِدُّكَ من إسعافِهِ بالعجائِبِ
فإن التُّقَى حِصنٌ حصينٌ لأهلِه ***ودِرعٌ يقِي حادِثاتِ النوائِبِ
معاشرَ المُسلمين:
في ظلِّ التحديَات والأزمات المُعاصِرة واحتِدامها، وجديد المُتغيِّرات والصِّراعات واشتِدادِها، تعترِي بعضَ القلوب سُجُف الشُّبُهات الغُدافيَّة، والخواطِر الجانِحة غير السوِيَّة، التي تُعيقُ مسيرَة الأمة الفِكريَّة والحضاريَّة، وتُحَتِّمُ بين الفَينَة والأخرى وقفةً جادَّةً لتصحيحِ المسارِ، وإبراز المعالِم الحقَّة وتجلِيَة الشِّعار، وبيان المنهَج المُتلألِئ الوضَّاح الذي كانَ عليه سلَفُنا الصالحُ أهلُ السنَّة والجماعة – رضي الله عنهم أجمعين -، فهم خيرُ الناس على مرِّ العُصور واختِلاف الأجناس.
في “الصحيحين” من حديث عبد الله بن مسعُودٍ – رضي الله عنه -، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «خيرُ الناسِ قَرني، ثم الذين يلُونَهم، ثم الذين يلُونَهم».
أمة الإسلام:
وإن الارتباط التأريخيَّ الوَثيق، والانتِماءَ الحضاريَّ العَريق ليُؤكِّدُ أنه ليس غيرُ العقيدة الإسلامية الصافِية جامِعًا للعِقد المُتناثِر، ومُؤلِّفًا للشَّتاتِ المُتناكِر، وناظِمًا للرأي المُتنافِر. وهذا هو المعلَم الأولُ من معالِم المنهَج الوضَّاء لسلَفِنا الأصفِياء من الصحابة الأتقِياء، والتابعين الأوفِياء.
يُتوِّجُ هذا المعلَم المُهمَّ التوحيدُ الخالِصُ لله، والإخلاصُ له في القولِ والعملِ، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: 5].
والرُّجوعُ إلى القرآن الكريم والسنَّة المُطهَّرة في كل صغيرٍ وكبيرٍ، عملاً بقولِه – سبحانه -: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].
كُن في أمورِك كلِّها مُتمسِّكًا *** بالوحيِ لا بزخارِفِ الهذَيَانِ
وانصُر كتابَ الله والسُّنَنَ التي *** جاءَت عن المبعُوثِ بالفُرقانِ
– صلى الله عليه وسلم -.
ومن هنا يتبيَّن – يا رعاكم الله – أنه لا إشكالَ في تحديدِ المُصطلح لأهل السنَّة والجماعة؛ فهو يسَعُ – بحمدِ الله – أهلَ الإسلام والمِلَّة أتباعَ الكتاب والسنَّة، في منهَجٍ يتسامَى عن الطائفيَّة والمذهبيَّة، والعصبيَّة والحِزبيَّة.
وإن من القُصور في التصوُّر والنظَر، وضعفِ المعرفةِ وقِلَّة الإدرَاك: قَصرَ هذا المنهَج الوضَّاء على مذهبٍ مُعيَّن، أو علمٍ مُبيَّن، أو مكانٍ أو زمانٍ مُحدَّدَين، فهم الطائفةُ المنصُورة، والفرقةُ الناجِية، وضابِطُها قولُ المُصطفى – صلى الله عليه وسلم -: «مَن كان على مثلِ ما أنا عليه اليوم وأصحابِي» (رواه الطبراني في “الأوسط”، والحاكم في “المستدرك” بسندٍ صحيحٍ).
إخوة الإسلام:
وإن من المعالِم العظيمة لمنهَج أهل السنَّة والجماعة – رحمهم الله – شعيرةً من أخصِّ خصائصِهم؛ بل سِمةً بارِزةً من سِماتِ منهَجهم الأغَرِّ، حتى نُسِبُوا إليها وعُرِفُوا بها، إنها: شعيرةُ لُزُوم الجماعة، وما تقتَضِيه من السَّمع والطاعة، يقول – سبحانه -: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].
قال ابنُ مسعودٍ – رضي الله عنه -: “حبلُ الله هو الجماعة“.
وعن ابنِ عُمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «لن تجتمِع أمَّتي على ضلالةٍ، فعليكُم بالجماعة؛ فإن يدَ الله على الجماعة» (أخرجه الطبراني بسندٍ صحيحٍ).
فالسَّلَفُ الصالحُ – رضي الله عنهم – أهلُ السنَّة والجماعة، ومن سارَ على دَربهم وهُداهم بعيدُون كلَّ البُعد عن مسالِك الفُرقة والخلافات، والتقسيمات والتصنيفات التي تُمزِّقُ الجمعَ النَّظيم، وتُبدِّدُ الشَّملَ الكريم.
أُمة الإيمان:
وإن من أعظم معالِم المنهَج السلَفِيِّ منهج أهل السنَّة والجماعة: التوسُّط والاعتِدال في الأقوال، ومحضُ الوسطيَّة: التِزامُ هديِ خيرِ البريَّة – صلى الله عليه وسلم – ظاهرًا وباطنًا، واتِّباعُ هدي الخُلفاء الراشِدين المهديِّين، وسائر الصحابةِ – رضي الله عنهم أجمعين -، والبُعد عن البِدع والمُحدثات، ومُخالفةُ أهل الأهواء والضلالات.
قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (100)﴾ [التوبة: 100] الآية.
ففي هذه الآية: دلالةٌ واضِحةٌ على وجوبِ اقتِفاء أثَر السَّلَف الصالِح، من الصحابةِ – رضي الله عنهم – المُهاجِرين منهم والأنصار؛ إذ هم أعدلُ هذه الأمة وأفضُها، وأعلَمُها بدينِ الله.
والتمسُّكُ بمنهَج السَّلَف لا يُنافِي الأخذَ بالتجديدِ في وسائل وآليَّات العصر، والإفادَة من مُعطياتِه وتِقاناتِه، في مُواكبَةٍ للمُعطيَات والمُكتسَبَات، ومُواءَمةٍ بين الثوابِتِ والمُتغيِّرات، والأصالةِ والمُعاصَرة.
معاشرَ المؤمنين:
وإن مما يُثيرُ الأسَى: أن نرَى أقوامًا من أبناءِ المِلَّة في أعقابِ الزَّمن والخلَف قد فرَّطُوا فيما كان عليه منهَجُ السَّلَف، فاستقَوا كثيرًا من المزَالِّ من مشارِبِ أهل الزَّيغِ والضلالِ، وخالَفُوا الأسلافَ النُّجَباء، ومنهَجَهم البيِّنَ الوضَّاء، فقذَفُوا بأنفسِهم في مراجِلِ الفتنِ العميَاء، والمعامِعِ الهَوجَاء، وزجُّوا ببعضِ أبناءِ الأمة بإسراعٍ إلى بُؤَر الفتنِ والصِّراع، تحت راياتٍ عُمِّيَّة، ودعواتٍ جاهليَّة، في بُعدٍ واضِحٍ عن مسلَك الاعتِدال والوسطيَّة، وتشويهٍ لشَّعيرَة الجهادِ في سبيلِ الله ذِروة سَنامِ الإسلام، وضوابطِه الشرعيَّة.
بل وأغرَوهم ببعضِ الأعمال الإرهابيَّة؛ من تدميرٍ للمُمتلَكَات، وتفجيرٍ للمساجِدِ والجامِعات والمُستشفَيَات، مُخالِفين صحيحَ المنقُول، وصريحَ المعقُول، ومنهجَ السلَف المصقُول، ودون مُراعاةٍ لمقاصِدِ الشريعةِ ومآلاتِها، والسياسةِ الشرعيَّة وهداياتها.
وآخرين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسَبُون أهم يُحسِنُون صُنعًا، يُلوِّحُون بأجوَف الوعيدِ، ويتردَّون في مهاوِي العصبيَّة والتهديدِ، انهمَكُوا في غواياتهم، وتغوَّلُوا في عماياتِهم. أقوالُهم من أكبر الكبائِر، وأفعالُهم من أبيَن الجرائِر.
وهل من الكِياسَة أو الحِكمةِ والحَصافَةِ توظيفُ المآسِي والأزمَات لتوجُّهاتٍ سياسيَّة، وانتِماءاتٍ فكريَّة، أو رفعُ الشِّعاراتِ والمُزايَدات، والتجريحِ والاتِّهامات؟!
وهذا تفريطٌ وجَفاء، ودينُ الله وسَطٌ بين الغالِي فيه والجافِي عنه، ولن يخدِمَ الأمةَ ويرعَى مصالِحَها جاهلٌ أو أحمق، أو خائِنٌ أو مُنفِّر، أو مُتفحِّشٌ من الخفافِيشِ أو الرُّويبِضَة، ومن شدَّد نفَّر، ومن لانَ تألَّف، والخيرُ كلُّ الخير في اتِّباع من سلَف.
أمة الإسلام:
ومن المعالِم العُظمى، والقِيَم المُثلَى لأهل السنَّة والجماعة: رَبطُهم العقيدة بالأخلاقِ والقِيَم، وتعظيمُهم لأمرِ الدماء، والبُعد عن مسالِك العُنف والتكفير والخروج على الأئمَّة وحملِ السلاحِ على الأمة، أو نَقضِ البَيعَة الشرعيَّة اللازِمة في العُسر واليُسر، والمنشَط والمكرَه، عقيدةً وعبادةً وقُربةً، لأجلِ مصالِح دُنيويَّة، أو مُقايضَاتٍ ماديَّة، أو توجُّهاتٍ فكريَّة.
والقاعدةُ الشرعيَّة تنصُّ على: أن حُكمَ الإمام في الرعيَّة منُوطٌ بالمصلَحة، وقيامُهم بالحقِّ والقِسطِ والعدلِ على القريبِ والبعيدِ، والعدوِّ والصديقِ، ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8].
وعِفَّةُ ألسِنتِهم عن إثارَة الفتنِ، وترويجِ الشائِعات المُغرِضة، واهتِمامُهم بقضايا أمَّتهم، وإحساسُهم بأوضاعِ إخوانهم المُضطهَدين في كلِّ مكانٍ، لاسيَّما ما يجرِي في هذه الأيام في بلادِ الشامِ والعراقِ واليمن، والدعاءُ لهم.
وردُّ كل ما يُخالِفُ الكتاب والسنَّة. ولله درُّ الإمام الشافعيِّ – رحمه الله -؛ حيث قال: “يسقُطُ كلُّ شيءٍ خالفَ أمرَ النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا يقومُ معه رأيٌ ولا قِياس؛ فإن الله قطعَ العُذرَ بقولِه – صلى الله عليه وسلم –“.
وقال الإمام الشاطبيُّ – رحمه الله -: “المقصدُ الشرعيُّ من وَضع الشريعَة: إخراجُ المُكلَّف عن داعِيةِ هواه حتى يكون عبدًا لله اختِيارًا، كما هو عبدٌ لله اضطِرارًا“.
إن الهوَانَ هو الهوَى قُلِبَ اسمُه *** فإذا هوِيتَ فقد لقِيتَ هوانًا
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفَعني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليل لي ولكم من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه كان للأوابِين غفُورًا.
الحمدُ لله أسبغَ علينا نعَمًا تتالَت أفواجًا، وحذَّرَ ممن سعَى بالفتنِ بين المُسلمين وَدَاجا، والصلاةُ والسلامُ الأتمَّان الأكمَلان الأزكَيَان الأشرَفَان على النبي المُصطفى، وعلى آله وصحابتِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسارَ على نَهجِهم واقتفَى.
أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -؛ فإن تقوَاه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب.
إخوة الإيمان: وإن من فضلِ الله على هذه البلاد المُبارَكة – بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية -: أن جعلَها قلبَ أهل السنة والجماعة، ومحَطَّ أنظار العالَم الإسلاميِّ، والثِّقَل العالميّ بعامَّة، تتفيَّؤُ في تأريخها الإسلامي المُشرِق عقيدةً سلَفيَّة، ودعوةً إصلاحيَّةً تجديديَّة، ومنهَجًا وسطًا مُعتدِلاً.
ترسَّمَت هديَ سيِّد الأنبياء، والصحابة الفُضَلاء، وأئمة الهُدى الأتقِياء الأوفِياء في العمل بالكتاب والسنَّة، ومُجانبَة البِدع والخُرافات، والآراء الشاذَّة والضلالات، فأسفَرَت عن التمكين المَكين لهذا الدين المَتين، فكانت أنموذَجًا واقعيًّا مُشرِقًا لتجدُّد المنهج السلَفيِّ السنِّيِّ السَّنِيِّ، وصلاحيته لكل زمانٍ ومكان.
ولهذا كانت محلَّ استِهداف أعدائِها الذين تعُجُّ بهم بعضُ وسائل الإعلام الجديد، ومواقِع التواصُل، وما فيها من الأكاذِيب والشائِعات ضدَّ هذه البلاد المُبارَكة وعقيدتها وقيادتها، وعُلمائِها ورُموزها، في تحدياتٍ سافِرة، تكشِفُ عن الوجهِ الكالِح لحاسِدِيها وشانِئِيها، وفي إرهابٍ فكريٍّ إلكترونيٍّ خطيرٍ، مما لا يزيدُها – بفضلِ الله – إلا تماسُكًا وثقةً وتلاحُمًا.
والولاءُ لها ولاءٌ لأهل السنَّة والجماعة عامَّة، واستِهدافُها في أمنِها واستِقرارِها ووحدَتها استِهدافٌ لأهل السنَّة والجماعة قاطِبةً.
وبعدُ .. أيها المُسلمون:
هذه دعوةٌ حرَّاء للتجرُّد لله، والقَومَة لدينِه، والنُّهوض بشِرعتِه، والاستِمساكِ بسُنَّة نبيِّه – صلى الله عليه وسلم -، وصحابتِه الكرام – رضي الله عنهم -، وفَهم سلَف الأمة، والاجتِماع على هذا المنهَج الصحيحِ القَويم، ونَبذ العصبيَّة والحِزبيَّة، والأهواء والطائفيَّة.
كما أن الدعوةَ مُلِحَّةٌ لمن شرَّفَهم الله بالسنَّة والجماعة .. حذارِ فيما بينهم الخلافات والانقِسامات، والمُشاحَنات والمُنازَعات، ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46].
وأن يفقَهُوا أدبَ الاختِلاف فيما بينهم، لاسيَّما في فُروع الشريعةِ، وأن تسلَمَ صُدورُهم لإخوانِهم. فلن يستفيدَ من خلافاتهم البينيَّة إلا العدوُّ المُتربِّصُ المُمعِنُ في الكيديَّة.
فالحذرَ الحذرَ – يا أهل السنة والجماعة – من أن تُقدِّمُوا الخلافات فيما بينَكم على طبقٍ من ذهبٍ لأعدائِكم.
ولم تكُن الحاجةُ بل الضرورةُ مُلِحَّةً لوَحدة أهل السنَّة والجماعة في زمنٍ أكثرَ وأشدَّ إلحاحًا منها في هذا العصرِ، الذي رُمُوا فيه عن قَوسٍ واحدةٍ، ولكن النصرَ والتمكينَ والعاقبةَ الحميدةَ لهم – بإذن الله -.
فعليكم – عباد الله – بنَهجِ السلَف الصالِح أهل السنَّة والجماعة – رضي الله عنهم -، كما قال إمامُ دار الهِجرة الإمامُ مالكُ بن أنسٍ – رحمه الله -: “لن يصلُح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلَح به أولُها“.
وأبلَغُ من ذلك وأعزُّ: قولُ المولَى – جلَّ وعزَّ -: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153].
هذا وصلُّوا وسلِّموا – رحِمَكم الله – على النبيِّ الأمين، صلاةً تعبِقُ شذًى وأزاهِرا، كما أمرَكم ربُّكم ذو الجلال والإكرام في كتابِه بديعِ النظامِ والإحكام، فقال تعالى قولاً كريمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – فيما أخرجَه مُسلم في “صحيحه”: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
أزكَى صلاةٍ بتسليمٍ يُؤازِرُها *** على نبيٍّ كريمِ الأصلِ مُختارِ
محمدٍ خيرِ مبعوثٍ وعِترتِه *** وصحبِه خيرِ أصحابٍ وأنصارِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وارض اللهم عن الأئمة والأربعة الخلفاء المهديِّين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزَةَ الدين، واجعَل هذا البلد آمنًا مًطمئنًّا وسائِرَ بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق واحفَظ أئمَّتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا وولِيَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيتِه للبرِّ والتقوَى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ التي تدُلُّه على الخيرِ وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَه وأعوانَه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
اللهم وفِّق جميعَ وُلاة المُسلمين للعمل بكتابِك، وسُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِلَ والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن، عن بلدِنا وعن سائرِ بلاد المُسلمين عامَّةً يا رب العالمين.
اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهدِين في سبيلِك في كل مكانٍ، اللهم كُن للمُضطهَدين في دينِهم في كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم برحمتِك نستغيثُ، فأصلِح لنا شأنَنا كلَّه ولا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انصُر إخوانَنا في فلسطين، اللهم أنقِذِ المسجدَ الأقصَى من براثِن الصهايِنةِ المُعتَدين المُحتَلِّين يا رب العالمين.
اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام، وفي العراق، وفي اليمَن، وأصلِح أحوالَهم، واحقِن دماءَهم، وابسُط أمنَهم وأمانَهم، وارفَع حِصارَهم، اللهم اشفِ مرضَاهم، وعافِ مُبتَلاهم، اللهم ارحَم موتَاهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اصرِف عنَّا الفتنَ عن أمة محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وارزُقها الاعتِصامَ بالكتاب والسنَّة يا ذا العطاء والفضلِ والمنَّة.
اللهم انصُر جنودَنا، اللهم انصُر جنودَنا، واحفَظ حدودَنا، اللهم احفَظ حدودَنا وثُغورَنا، وكُن لإخواننا المُجاهِدين المرابطين على ثُغُور حدودنا وبلادنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم تقبَّل شُهداءَهم، اللهم اشفِ مرضَاهم، وعافِ جرحَاهم، ورُدَّهم إلى أهلِيهم سالِمين غانِمين يا رب العالمين.
اللهم فرِّج همَّ المهمُومين، ونفِّس كربَ المكرُوبين، واقضِ الدَّينَ عن المَدينين، واشفِ مرضَانا ومرضَى المُسلمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا مريعًا، سحًّا غدَقًا طبَقًا نافِعًا غيرَ ضارٍّ، عاجِلاً غيرَ آجِلٍ يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وجميعِ المُسلمين والمُسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180- 182].