عناصر الخطبة
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كلّما ضجَّت الأصواتُ بالدعوات، الله أكبر كلّما تقرَّب العابدون بالصالحات، الله أكبر كلَّما تعرَّضوا لنفحاتِ الرحمن في عرفات، وكلّما سفَحت الأعين هنالك من العَبَرات، الله أكبر كلَّما تعاقب النورُ والظلُمات، الله أكبر عددَ ما خلق في السماء، الله أكبر عدَدَ ما خلَق في الأرض، الله أكبر عدَدَ كلِّ شيء، الله أكبر ملءَ كلِّ شيء، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أما بعد:
ها نحن نعيش في صباح يوم عيد الأضحى المبارك، وهذا اليوم هو يوم تهليل وتكبير وتحميد، يوم خصّه الله بشعائره، وشرفه بمآثره، يوم فيه توصل الأرحام، ويتبدل الخصام إخاءً بين المسلمين.
ها هو يوم النحر يطل علينا ليذكرنا بالمعاني الفاضلة والأخلاق السامية الكريمة؛ ليذكرنا بقصة من قصص القرآن الكريم، هذه القصة تحدثنا عن خلق من أخلاق الإسلام ألا وهو الرضا بقضاء الله تعالى وتسليم الأمر إليه سبحانه، هذه القصة تحدثنا عن موقف مؤثر لنبيين كريمين من أنبياء الله تعالى، وكيف كانت شدة امتثالهما وصبرهما وتسليمهما لأوامر الله تعالى؛ إنها قصة البلاء المبين، قصة سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل -عليهما السلام-، وكلنا يعرف قصة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- الشيخ الكبير الذي طالما دعا الله وألح عليه أن يهب له غلامًا يعينه في هذه الحياة، فاستجاب الله له فرزقه في كبره وهرمه بغلام طالما تطلع إليه، ولكن بعدما بلغ معه السعي ماذا جرى يا ترى؟!
ولنسمع إلى كتاب الله وهو يقص لنا مشهدًا رائعًا ومؤثرًا: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)، فماذا كان جواب الغلام الحليم؟! ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ(102)﴾، إنه الجواب السديد من غلام ملأ اليقين قلبه وأفاض الإيمان على جوارحه فكان في غاية التسليم لأمر الله -عز وجل-.
يا لله ما أعظمه من موقف! وما أعظمه من إيمان! وما أعظمها من طاعة وتسليم! فلما رأى الله -جل وعلا- صبرهما واستسلامهما فيما ابتلاهما، كشف عنهما ضرهما، وناداهما أرحم الراحمين: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات: 99-112].
أرأيتم قلبًا أبويًّا *** يتقبل أمرًا يأباه
أرأيتم ابنًا يتلقى *** أمرًا بالذبح ويرضاه
ويجيب الابن بلا فزع *** افعل ما تؤمر أبتاه
لن أعصى لإلهي أمرًا *** من يعصي يومًا مولاه
واستل الوالد سكينًا *** واستسلم ابن لِرَدَاهُ
ألقاه برفق لجبين *** كي لا تتلقى عيناه
وتهز الكون ضراعات *** ودعاء يقبله الله
تتضرع للرب الأعلى *** أرض وسماء ومياه
ويجيب الحق ورحمته *** سبقت بالفضل عطاياه
صدقت الرؤيا لا تحزن *** يا إبراهيم فديناه
نعم -أيها المسلم الكريم- إن قضاء الله تعالى لا يقابل بغير التسليم، وليس له عدة سوى الصبر الجميل، وإن من علامة الإيمان: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء، فالمسلم الحق هو الذي يفوض الأمر إلى الله ويسلّم الأمر إليه: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
أنا أدعو المسلمين جميعًا من خلال هذه القصة إلى التخلق بخلق الرضا بقضاء الله تعالى، وتسليم الأمر إليه سبحانه، وخاصة ونحن نعيش في زمن كثرت فيه الابتلاءات، ومنا من لا يرضى بقضاء الله وقدره؟! ومن منا إذا ما نزلت بساحته المنايا لا يصبر؟! ومن منا إذا أصابته مصيبة تلفظ بكلام فيه اعتراض على أمر الله تعالى ونسي قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 156].
فمن أراد أن يرفع الله عنه البلاء كما رفعه الله عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل فليرض بما قضاه الله تعالى عليه، وليسلم أمره إلى الله تعالى، وليكن شعاره كما قال القائل:
لا الأمر أمري ولا التدبير تدبيري *** ولا الشؤون التي تجري بتقديري
لي خالق رازق ما شاء يفعل بي *** أحاط بي علمًا من قبل تصويري
جاء في الأثر أن موسى -عليه السلام- سأل ربّه: "ما يُدني من رضاك؟! قال: إن رضاي في رضاك بقضائي". وهذا لقمان الحكيم يوصي ولده فيقول له: "أوصيك بخصال تقرّبك من الله، وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت".
واعلم أن البلاء سُنَّة الله الجارية في خلقه؛ فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة، فقد قضى الله -عزَّ وجلَّ- على كل إنسان نصيبه من البلاء، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3)﴾ [الإنسان: 2-3]، فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلائه، فيهون عليه الأمر، ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد الأمر سوءًا عليه.
روي أنه كان في زمن حاتم الأصم رجل يقال له: معاذ الكبير، أصابته مصيبة، فجزع منها وأمر بإحضار النائحات وكسر الأواني، فسمعه حاتم فذهب إلى تعزيته مع تلامذته، وأمر تلميذًا له، فقال: إذا جلست فاسألني عن قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ [العاديات: 6]. فسأله فقال حاتم: ليس هذا موضع السؤال. فسأله ثانيًا، وثالثًا. فقال: معناه أن الإنسان لكفور، عداد للمصائب، نسَّاء للنعم، مثل معاذ هذا، إن الله تعالى متعه بالنعم خمسين سنة، فلم يجمع الناس عليها شاكرًا لله -عز وجل-، فلما أصابته مصيبة جمع الناس يشكو من الله تعالى؟!! فقال معاذ: بلى، إن معاذًا لكنود، عدّاد للمصائب نسّاء للنعم. فأمر بإخراج النائحات وتاب عن ذلك.
دَعِ الأَيّامَ تَفعلُ ما تَشاءُ *** وَطِب نَفسًا إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي *** فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلدًا *** وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ *** فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التأَنّي *** وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ
وَلا حُزنٌ يدومُ وَلا سُرورٌ *** وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قلبٍ قَنوعٍ *** فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا *** فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكن *** إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
هذا عمران بن حصين -رضي الله عنه-، الصحابي الجليل الذي شارك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جميع غزواته، فلما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- أصابه شلل نصفي فرقد على ظهره ثلاثين عامًا حتى توفي وهو لا يتحرك، تخيلوا -أيها الناس- ذلك؟! ثلاثون عامًا وهو -رضي الله عنه- نائم على ظهره لا يتحرك، لدرجة أنهم نقبوا له في السرير، أي: جعلوا فيه فتحة ليقضي حاجته لأنه لا يستطيع الحركة، فدخل عليه بعض الصحابة فرأوه فبكوا، فنظر إليهم وقال: لم تبكون؟! قالوا: لحالك، وما أنت عليه من هذا الابتلاء؛ فقال عمران بن حصين -رضي الله عنه-: "شيء أحبه الله أحببته، أنتم تبكون، أما أنا فراضٍ، أحب ما أحبه الله، وأرضى بما ارتضاه الله تعالى، وأسعد بما اختاره الله"، ثم قال لهم: "والله أكون على حالي هذا فأحس بتسبيح الملائكة وأحس بزيارة الملائكة، فأعلم هذا الذي بي ليس عقوبة وإنما يختبر رضائي عنه، أشهدكم أني راضٍ عن ربي". هكذا أعلن هذا الصحابي الجليل عمران عن تسليمه لأمر الله تعالى، والرضا عن الله تعالى. نعم هكذا كان لسان حالهم:
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بينك وبين عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
بل هذا سيدنا سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- من مغاوير الصحابة، ورجالاتها الشدائد، جاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبلى بلاءً حسنًا في ميادين القتال، قاد المسلمين إلى النصر في معارك كثيرة، أشهرها معركة القادسية، دعا له الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يكون مستجاب الدعوة، وقد كان يلجأ إليه الكثير من الناس كي يدعو لهم، فكان يدعو لهم، غير أن هذا الصحابي الجليل وهو أحد الُمبشرين بالجنة، وصاحب الدعاء المستجاب قد فَََقَدَ بصره في آخر عمره، وقد سأله شاب أن يدعو الله أن يرد عليه بصره وهو مستجاب الدعوة: فكان جوابه جواب الراضي القانع بقضاء الله: قضاء الله أحب إليًّ من بصري، أفيرضاه الله لي ولا أرضاه لنفسي، والله لا أدعو.
الله أكبر، كلمات قليلة قالها سعد تحمل معنى عظيمًا جدًّا، لقد أحب هذا الصحابي ربه حبًّا عظيمًا حتى صار يحب العمى لأنه من عند الله! هو لم يفكر في فقد البصر، بل فكر من الذي ابتلاه بفقد البصر؟!
الله، ولأنه يحب الله أحب قضاء الله، حتى وإن كان هذا القضاء هو "العمى".
فيا ليتنا نتعلم من تلك الكلمات، يا ليتنا نستقبل كل بلاء أو مصيبة بهذه العبارة الرائعة التي قالها سعد: "قضاء الله أحب إليّ من البلاء الذي نزل بي". فالله دائمًا يقضي لك الخير.
وهذا الفاروق عمر بن الخطاب من الصحابة الأجلاء الذين جاهدوا في الله حق جهاده، من الكبار الذين كانوا يرضون بقضاء الله وقدرة، ويقبلون بما نزل بهم من سوء، أو أصابهم من شر، فقد كان -رضي الله عنه- إذا أصابه ما يكره يحمد الله على أربع: أنها لم تكن في دينه، وأنها لم تكن أعظم من ذلك، وأن له فيها الأجر العظيم، ثم يتذكر المصيبة الكبرى بفقده النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتهون أي مصيبة بعدها، وهكذا كان -رضي الله عنه- يرضى بقضاء الله.
بل اسمع إلى هذا المشهد الرائع: كان ثلاثة من علماء التابعين: الشعبي، وسعيد بن المسيب وعالم ثالث، جالسين ذات يوم، فقال الشعبي: "اللهم إني أسألك أن أموت قريبًا! قالوا له: لم؟! قال: لكثرة الفتن في الحياة؛ فأنا أخشى على نفسي الفتنة. وقال الثاني: اللهم أحيني طويلاً! فقالوا له: لم؟! قال: لعلي أصادف يومًا أعبد الله فيه عبادة يرضى عني به رضاءً عظيمًا. أما الثالث فقال: اللهم لا أختار لنفسي؛ فاختر أنت ما شئت، فما تختاره لي هو خير لي. فقال له العالمان: "أنت أفضلنا". إن هذا التابعي قد رضي بقضاء الله تعالى، ففوض أمره كله له -عز وجل-؛ لأنه يعلم قدر الله، فهو العليم الخبير الذي يعلم أين يكون الخير والذي لا يقدر إلا الخير.
إن في الابتلاء من العبر وكنوز الحكم ما يشد عضد المؤمن المصاب؛ لأنه يسوق المؤمن لأكمل النهايات التي لم يكن ليعبرها إلا على جسر من الابتلاء، فظاهره امتحان وباطنه رحمة ونعمة، وكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء!
ففي الحديث: "إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها". مسند أبي يعلى وحسنه الألباني.
فيا من ابتلاه الله بابن ينام في المعتقلات: اصبر واحتسب وسلم أمرك إلى الله، وتذكر أن الله هو الذي أفرح إبراهيم بسلامة إسماعيل.
ويا من ابتلاه الله بالمرض: اصبر وفوّض أمرك إلى الله، وتذكر أن الله هو الذي دفع البلاء عن إبراهيم وإسماعيل.
ويا من ابتلاه الله بفقد زوجته وولده وأحبابه: اصبر واحتسب وارضَ بما قدره الله لك، وتذكّر أن الله هو الذي لطف بإبراهيم وإسماعيل.
ويا من أصيب بعاهة ألزمته الفراش: اصبر وارضَ بما كتبه الله عليك، وتذكّر أن الله هو الذي فرج عن إبراهيم وإسماعيل.
يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفارج الله
إذا بليت فثق بالله وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله
اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه *** لا تيأسن فإن الفارج الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة *** لا تجزعن فإن الكافي الله
واللهِ ما لك غير الله من أحد *** فحسبك الله في كلٍّ لك الله
وأختم كلامي بهذه القصة التي ذكرها ابن أبي الدنيا في كتابه "الرضا عن الله بقضائه"، وهي تبين أهمية الرضا بقضاء الله تعالى وتسليم الأمر إليه، فهو يعلم أين يكون الخير لعباده.
قال مسروق: "كان رجل بالبادية له حمار وكلب وديك، وكان الديك يوقظهم للصلاة، والكلب يحرسهم، والحمار ينقلون عليه الماء ويحمل لهم خيامهم، فجاء الثعلب فأخذ الديك فحزنوا عليه وكان الرجل صالحًا، فقال: عسى أن يكون خيرًا. ثم جاء ذئب فبقر بطن الحمار فقتله، فقال الرجل: عسى أن يكون خيرًا، ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال: عسى أن يكون خيرًا، ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا سُبِيَ من كان حولهم وبقوا سالمين، وإنما أخذوا أولئك بما كان عندهم من أصوات الكلاب والحمير والديكة، فكانت الخيرة في هلاك ما كان عندهم من ذلك كما قدر الله -سبحانه وتعالى-، فمن عرف خفي لطف الله رضي بقدره".
اللهم اجعلنا ممن رضيت عنهم ورضوا عنك ورضوا بقضائك، وصبروا على بلائك وشكروا نعماءك، واجعلنا ووالدينا ممن يرثون جنانك.
الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلم: إن العيد جاء اليوم ليذكّر المسلمين بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
والسؤال الذي يطرح نفسه في ساحة العيد بالذات: القلوب المتنافرة أما آن لها أن تتصافح؟! هل لازالت مصرة على معاندتها للفطر السوية؟! هل لا زال الكبر يشعل فتيل حقدها؟! ألا يمكن أن ينجح العيد في أن يعيد البسمة لشفاهٍ قد طال شقاقها؟! إلى متى هؤلاء يصمّون آذانهم عن قول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "هجر المسلم سنة كسفك دمه"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كلِّ اثْنَيْنِ وَخَمْيسٍ، فَيَغْفِرُ اللهُ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا، إِلاَّ امْرَءًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيقُولُ: اتْرُكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". رواه مسلم.
فهذه دعوة للتسامح، دعوة للتصالح، دعوة لصفاء القلوب في صباح يوم العيد، وليكن شعار كل واحد منا:
من اليوم تسامحنا *** ونطوي ما جرى منا
فلا كان ولا صار *** ولا قلتم ولا قلنا
وإن كان ولا بد *** من العتبى فبالحسنى
فقد قيل لنا عنكم *** كما قيل لكم عنا
كفا ما كان من هجر *** فقد ذقتم وقد ذقنا
وما أحسن أن نرجع *** بالوصل كما كنا
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام أنتم بألف خير.