عناصر الخطبة
عباد الله: هذا حديث متمِّمٌ لأحاديث قبله، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويُعنى حديث اليوم بوسائل الأمر والنهي، وشبهاتٍ قد تقعد ببعض الناس عن القيام بهذه الشعيرة المهمة في الدين، والآثار المترتبة على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى الفرد أو مستوى الأمة.
أما وسائلُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكثيرةٌ ومتنوعة تتناسبُ وظروف الزمان والمكان، وتختلفُ باختلاف الناس وطبائعهم، ونوع المنكر وحجمِه.
وجماعها: الحكمةُ، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل:125].
قال العالمون: جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيبُ القابلُ الذي لا يُعاند الحقَّ ولا يأباه، يدعى بطريق الحكمة، والقابلُ الذي عنده نوعُ غفلةٍ وتأخُّرٍ يُدعى بالموعظةِ الحسنة وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاندُ الجاحد يُجادَلُ بالتي هي أحسن.
أيها المسلمون: ونشرُ العلم بالمحاضرات أو الدروس أو التأليف، أو الفُتيا، كلّ ذلك وسائلُ عظمى لإقرارِ المعروف ونشره وإنكارِ المنكرِ، وبالعلم يعلم الناسُ الحلالَ من الحرام، ويرغبون في المعروف، ويحذرون من المنكر، وإذا غاب أو تقلص أثرُ العلماء اضمحلت الهداية، وفشت الجهالةُ، واتسع نطاقُ المنكر، وكثر المبطلون.
والنصيحةُ سِرَّاً، أو جهراً، بحسب مقتضى الحال من هدي المرسلين- عليهم السلام-، وهذا هود –عليه السلام- يقول لقومه: ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ [الأعراف:68]، ومن قبله نوحٌ -عليه السلام- قال: ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾ [الأعراف:62]، ومن بعدهم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة"، أي: عمادُ الدين وقوامُه النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.
وفَقه المسلمون -فيما بعدُ- حاجتهم وحاجة إخوانهم إلى النصيحة، فكانوا يبايعون على ذلك، كما يبايعون على الصلاة والزكاة؛ عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: بايعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقامِ الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. متفق عليه.
وكانت النصيحة تبرم لها المعاهدات والعقودُ ضمن أمور الدين الأساسية. وفي بيعة العقبة قال عبادة بنُ الصامت رضي الله عنه- في خبر بيعتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم–: وعلى أن نقول بالحقِّ أينما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم. متفق عليه.
إخوة الإيمان: وينبغي أن يستثمر المحتسبون وسائل الإعلام والمنابر العامة، وحيث يجتمع الناسُ، ويستفيدوا من وسائل التقنية الحديثة لنشر المعروفِ والأمر به، والتحذير من المنكر والنهي عنه، ومؤلمٌ أن تكون هذه الوسائل قنواتٍ لنشر المنكر، وفرصاً واسعة الانتشار يستحوذ عليها المبطلون.
أيها المسلمون: وإذا كانت الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالحسنى، والنصح، واستثمار وسائل الإعلام، ونشر العلم بطرقه المختلفة كلُّها وسائلُ عامة للأمرِ والنهي، فثمة وسائل خاصة ثبت نفعُها والاستجابة لها، فالمهاتفةُ، والزيارةُ، والرسائل الشخصية، والكتابة، كلُّها وسائل لإقرار معروف، وتشجيع صاحبه، وإشعاره بتقدير الناس له، أو لإنكار منكرٍ، وتذكير صاحبه، وتخويفه بالله وعاقبة أمره.
وما أروع هذه الوسائل إذا استخدمت بعبارات لطيفة، وأسلوب حسن، وكانت نصحاً لا تشهيراً، وشفقةً لا تشفِّياً، وظهرت فيها بوادرُ الصدق والإخلاص، ولم تكن تعالماً وتعالياً وعُجباً، ويقلُّ نفعُها إن صاحَبها تزكيةٌ للنفسِ وازدراءٌ بالآخرين.
أيها المحتسبون: وإمامُ المسجد يمكن أن يحتسب -بالتعاون مع جماعة مسجده- على جيرانِهم وأهلِ حيِّهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمام المعلمِ والمعلمةِ فرصةٌ كبرى للاحتساب في مدارسهم، والموظف الناجح، والمسؤول الناصح سِرُّ وجودهم في العمل إقرارُ المعروف والدعوةُ له، وإنكارُ المنكرِ ومنعُ الناس من الوقوع فيه، في دائرته أو محيط عمله.
وفرقٌ بين من يُحرقه العملُ دون أن يقيم وزناً للمعروف أو المنكر، بل همُّه مصالحُه الشخصية، وإن تعطلت مصالحُ الآخرين، وبين من يتخذ من مركزه وسيلةً لخدمةِ عباد الله، فهو قائم بالحق والعدل، منصفٌ للمظلوم، قاضٍ للحوائج، ميسِّرٌ لا معسر، فذاك الذي يذكره الناسُ بالخير، وهو ممارسٌ للدعوة والأمر بالمعروف بسلوكه، وإن لم يكن من الممارسين بلسانه.
عباد الله: ولا تحقروا من المعروف شيئاً، ولو أن تلقوا إخوانكم بوجوهٍ طَلِقة، وقد تكون الابتسامةُ مع كلمة خفيفة لطيفة ذات أثر فاعل، وقد تكتفي أحياناً بقسماتِ الوجهِ في سبيلِ إنكار منكَر مع صغيرٍ أو شخصٍ حييٍّ، وهكذا.
ولا تنسوا الإحسان والهدايا، فهي وسائل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومَنْ ملك قلوب الناس بإحسانه وعطاياه استمعوا له، وقدروا أمرَه، واستجابوا لنهيه. أَحْسِنْ إلى الناسِ تستعبدْ قلوبَهُمُ *** فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
ولا تنسوا التعاون مع رجال الحسبة المعتمدين؛ فذلك يشجعُهم من جانب، ويفتح لكم مجالاً للمساهمة في الأمر والنهي.
أيها المسلمون: وينبغي أن يعلمَ أن هذه الوسائل وأمثالها تصلح لفئةٍ من الناس، وقد لا تصلح لفئة أخرى مَرَدُوا على الفجور والفسوق، وتمرسوا في ارتكاب الجرائم والتخطيط لها، وهؤلاء لا بد لهم من وازع السلطان لردعهم وتأديبهم وحماية المجتمع من شرورهم، بالعقوبات أو الحدود، أو القصاص، وإذا لم تنفع الكتبُ تعيَّنت الكتائبُ -كما قال العلماء-، وذلك مقتضى توجيه القرآن: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد:25].
أيها الناس: وهناك وسائل أخرى يعلمها المجربون، ويمارسها الآمرون الناهون. هناك شبهات يتعلق بها بعض الناس ويعللون لأنفسهم بها القعود عن واجب الأمر والنهي، ولا متعلق لهم بها، ومنها خطأُ بعضهم في فهم المقصود بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:105].
قال القرطبي -رحمه الله- في أحد تعليقاته على هذه الآية: الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكرِ متعيّنٌ متى رُجي القبولُ، أو رُجي ردُّ الظالمِ، ولو بعنف، ما لم يخَفِ الآمرُ ضرراً يلحق في خاصته، أو فتنةً يُدخلها على المسلمين، إما بشقِّ عصا، وإما بضرر يلحق طائفةً من الناس، فإذا خيف هذا فـ ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ محكم واجبٌ أن يوقف عنده، ولا يُشترطُ في الناهي أن يكون عدلاً، وعلى هذا جماعةُ أهل العلم فاعلمه.
وقال ابن كثير -رحمه الله-: وليس في الآية مستدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكناً.
ومن الشُّبَه التي تقعد ببعض الناس عن الإنكار السكوتُ عن منكرٍ أصغر من أجل إزالة منكرٍ أعظم، ثم لا يعملُ من ذلك شيئاً؛ أو الاعتذارُ عن المشاركة في الإنكار بحجة أنه مشغولٌ بواجب آخر، مع إمكانية الجمع بين الواجبين وعدم تعارضهما؛ أو المداهنةُ مع أصحابِ المنكرات، وربما شاركهم أو سكت عنهم لإظهار الدعاة بمظهر الاعتدال. أو اتخاذ مواقف غير شرعية دون ضرورة من أجل دفع تهمة التطرف أو غيرها من التهم الباطلة.
ومن الشُّبه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: ومن الناس من يتعلل لترك ما أوجب عليه من الأمر والنهي بأنه يطلبُ السلامة من الفتنة -وقد يقعُ فيها-، والمخرجُ من ذلك القيامُ بالواجب، وتركُ المحظور الذي قد يؤدي إلى الفتنة، في كلام وتقسيم ليس هذا موطن بسطه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال:25].
الحمد لله ربِّ العالمين، جعل هذه الأمة خير أمةٍ أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة، حذّر أمته عن التقاعس بهذا الواجب العظيم، فقال: "والذي نفسي بيدهِ! لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكن اللهُ أن يبعثَ عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدْعُنَّه فلا يستجيبُ لكم". حديث حسن رواه أحمد.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى سائر أنبياء اللهِ ورسله.
أيها المسلمون: والخطبُ عظيمٌ، والآثارُ المترتبةُ على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منها ما ينال المرء في خاصةِ نفسِه، ومنها ما يصيب الأمة بمجموعها.
ومن هذه الآثار: أنه سببٌ للعن والطرد من رحمة الله، قال تعالى عن بني إسرائيل: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78-79].
بل إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببٌ للعقوبةِ العامةِ وتعجيلها، وفي القرآن: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال:25].
وعن أصحاب القرية قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف:165].
عن عدي بن عميرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله عز وجل لا يعذبُ العامة بعمل الخاصةِ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب اللهُ الخاصة والعامةَ" أخرجه أحمد وحسَّنه ابن حجر.
وعن الحسن أنه خرج على قومٍ يتحدثون، قال: فيم أنتم؟ قالوا: ذكرنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: نعم، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وإلا كنتم أنتم الموعظات.
ومن آثار ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انتشارُ المنكرات وفشوُّها في المجتمع إذ لا يجد أصحابُ المنكر رادعاً، ويقل التشجيعُ لأهل المعروف، فيعمُّ الفساد، ويستوحش الأخيار، ويهلك العباد.
وقد علم المنصفون تفوق الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سائر الأنظمة البشرية، إذ لا يوجد في النُّظم التي ابتكرها الإنسانُ لرعاية القوانين والدساتير نظاماً يصل إلى فكرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر كمبدأ تربوي جاد، ومدرسةٍ تعليمية تتيحُ لأكبر قاعدةٍ في الأمة أن تعرف ما لا بد من معرفته من الحرام والحلال، والواجب والمسنون، ونحوها، في وقتٍ قصير، وبلا نفقات، وبطريقة مستمرة، وشاملة.
عباد الله: والفسادُ -ولو كان قليلاُ- يُوحِش، والمفسدون -ولو كانوا رهطاً- يُخيفون ويمكرون ويُحذرون، ولذا قال تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل:48]، إلى قوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل:50]. وحين قرأ مالك بن دينار هذه الآية قال: "فكم اليوم في كلِّ قبيلةٍ وحَيٍّ من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون!".
أما اليوم فماذا عساه يقول الناظر في أحوال المسلمين وما حلَّ بهم؟ ولا شك أن لعقود المصلحين وسكوت الغيورين أثراً في ذلك، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان!.
أيها المسلمون: ومن آثار ترك الأمر والنهي أنه سببٌ لردِّ الدعاء، وقد سبق حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في هذا.
ومن آثار تركه: ظهورُ الجهل واندراسُ العلم، وذلك أن المنكر إذا ظهر فلم يُنكر نشأ عليه الصغيرُ وألفه الكبير، وظنوه -مع مرور الزمن- من الحق، وتحمّل الخيرون تبعةَ وتكاليف التغيير فيما بعد، ولو عولج المنكرُ في حينه لكان أخف، ولم تنطمسْ معالمُ الحق.
ومن الآثار لترك الأمر والنهي ما يحصل من الفتنةِ بالمنكر؛ إذ أنّ صاحبه كالبعير الأجرب يختلط بالإبل فتجرب جميعاً، والناسُ -كما قيل- كأسراب القطا، جُبل بعضُهم على التشبه ببعض.
ومن آثار تركه على الفرد اسودادُ قلبه وتنكيسه، وفي الحديث الصحيح: "تُعرض الفتنُ على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أشربها نُكت فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نكت فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تصير ﴿القلوبُ﴾ على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السماواتُ والأرض، والآخر أسود مُربادّ كالكوز مُجَخِّياً، لا يعرفُ معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشرب من هواه" رواه مسلم.
يا عبد الله: انجُ بنفسك، وساهم في حماية سفينة المجتمع من الغرق وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحذر الحذر من أن تُرضي الناس بسخط الله! فيسخط عليك، ويُسخط الناس عليك، بل أرضِ الله ولو سخط الناسُ عليك، فإن رضا الله عنك سببٌ لرضا الناس عليك.
عباد الله: تواصوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تفلحوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة، ولا يَقعدنَّ بأحدكم عن الأمر والنهي ما يجده في نفسه من ضعف أو قصور، فكلُّ ابن آدم خطَّاءٌ، ومَن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها؟ ولو لم يعظ الناس إلا كاملٌ ورعٌ تقيٌّ نقيٌّ، فمن يعظ العاصين بعد محمد -صلى الله عليه وسلم-؟.
ومن عجائب خَلق الله أنك قد ترى شخصاً هاجسه الأمر والنهي أينما حلَّ وارتحل، وقد يكون نصيبه من العلم قليلاً؛ وترى شخصاً آخر لا يرفع بذلك رأساً، حتى وإن أبصر المنكر عياناً، أو أتيحت له الفرصة لقول المعروف، وقد يكون نصيبه من العلم كثيراً ومؤهلاته عالية، ولكنه فضل الله! والفرق بين الناس في الغيرة، ونعيذ هؤلاء أن يكونوا كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
أيها الآمر والناهي: ولا يمنعْ أن تنهى الناس وتنهى نفسك، وتأمر الناس بالمعروف وتجاهد نفسك على الالتزام به، ولئن تعمل منكراً وأنت له كاره، فتظل تستغفرُ خيرٌ من أن تعمله وأنت باردُ القلبِ فاقدُ الإحساس، ولئن تأمر غيرك بمعروف وأنت صادق، حتى وإن لم تطاوعك نفسُك عليه في البداية، خيرٌ من أن تدعه وتَدَع تذكير الآخرين به ولا تيأس من إصلاح نفسِك وإصلاح الآخرين.
يا عبد الله: وحذار من الاستكبار حين تؤمرُ أو تُنهى، حتى ولو كان الآمر لك أصغر سناً أو أقلَّ علماً، ما دام يتحدثُ بحقٍّ ويأمرُ بمعروف، وإياك والعناد! حتى وإن ساء أدب الناصح لك أو أخطأ في الأسلوب، فخذ منه الحقَّ، ولا تشاركه الخطأ في أسلوب الرد، فذلك من تمام العقل، ومن علائم الخير، وحذار أن يركبك الشيطان وأنت لا تعلم.
اللهم اجعلنا جميعاً هداة مهتدين، ومن أصحاب اليمين، ويوم الفزع من الآمنين.