البشارة بفضل العلم وطلبه وتعليمه وتحية لأهله

عبد الله بن علي الطريف

عناصر الخطبة

  1. دور العلم في حياة البشر
  2. فضل السعي في تحصيل العلم النافع
  3. فضل العلم الشرعي
  4. الفرق بين العلم الواجب وفرض الكفاية
  5. المعلمون هم حماة الثغور
  6. تحية للمعلمين الفضلاء
  7. الترحيب مفتاح للتعامل الإسلامي مع الطالب

الخطبة الأولى:

أيها الإخوة: ونحن نستقبل عاماً دراسياً جديداً، شمّر لاستثماره المعلم والمعلمة والطالب والطالبة حري بنا أن نتحدث حديثاً محفّزاً عن العلم وأهله معلمين ومتعلمين.

فالعلم.. هو النور الذي يهدي اللهُ به البشرية في مسالك الأرض، وينير لحامليه وهم العلماء والمعلمون السبيل، يقول أبو قلابة -رحمه الله-: "إنما مثَل العلماء كمثل النجوم التي يُهتدى بها، والأعلام التي يُقتدى بها، فإذا تغيبت تحيروا، وإذا تركوها ضلوا".

العلم.. تلك النافذة الضخمة المفتوحة على "المجهول" والشعاع النافذ إلى الظلمات..

العلم.. تلك الطاقة الهائلة التي يَمُدُ بها الإنسانُ حياته، ويوسّع كيانه، فلا ينحصر في ذات نفسه، ولا ينحصر في واقعه الضيق القريب، ولا ينحصر في جيله الذي يعيش فيه. بل لا ينحصر في محيط الأرض. وإنما يشمل هذا كله ويزيد عليه، فينفذ إلى الماضي، ويحاول أن يفهم المستقبل على ضوء الحاضر، ويرقب الكون على اتساعه من خلال مناظيره ونظرياته..

العلم.. الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء..

العلم.. السبيل الذي يُعرفُ به الحلال من الحرام، والخير من الشر وهو إمام العمل والعمل تابعه..

العلم.. الذي ثبت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال فيه وأهله: "وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ" (رواه مسلم).

وسلوك الطريق لالتماس العلم يدخل فيه سلوك الطريق الحقيقي، وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء، ويدخل فيه سلوك الطرق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم مثل حفظه ومدارسته ومطالعته وكتابته وتفهمه، ونحو ذلك من الطرق المعنوية التي يتوصل بها إلى العلم.

ومن فضل العلم الشرعي وطلبه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في طالبيه: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ". (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وقال الألباني حسن لغيره).

أيها الإخوة: هذا هو العلم.. الذي يحتفل به الإسلام ويعظّمه، وهو الذي يحتفل بطاقات الحياة كلها ويعظمُها، وهو الذي يوجّه القلوب لكل منحة منحها الله، وكلِ آية من آيات الله..

ولذلك فقد اعتنى بالعلم ورفع منزلته وحثّ عليه، ورعى أهله معلمين وطلاب ومجدهم خاتم الأنبياء، والمعلم الأول -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي نزل عليه الوحي فعلمه: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)﴾ [العلق: 2- 4]، فذاق حلاوة العلم، وتفتحت له به الآفاق.. ثم هو الذي يتلو من هذا الوحي: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].

ومن أبين الأدلة وأوضحها على حثه -صلى الله عليه وسلم- على العلم قوله: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" (رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني).

قال أهل العلم: أراد به ما لا مندوحة له عن تعلمه كمعرفة الله، ونبوة رسله، وكيفيةِ الصلاة وغيرها، ويجب على كل مسلم معرفة أحكام ما يحتاج إليه من زكاة وصيام، وحج وبيع وشراء، وعِشرة الزوجة وغيرها من أمور الحياة مادام محتاجاً لها.

أما العلوم الأخرى وأقصد بها غير علوم الشريعة فطلب ما تحتاجه الأمة منها فرض كفاية كعلوم الطب والصناعة والزراعة، والسياسة والعلوم العسكرية، وغيرها من العلوم، قال الغزالي -رحمه الله-: "فلا يتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة، فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحَرِجُوا بتعريضهم أنفسَهم للهلاك؛ فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه؛ فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله". ا هـ.

أيها الإخوة: وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ" قول له دلالاته الخاصة، فهذه الكلمة المفردة تفتح وحدها آفاقاً من الحياة.. بما تعني الفريضة في قلوب المؤمنين من المعاني العظام.

فهي تعني أولاً: أن هذا الواجب مفروض على الإنسان أن يؤديه. لا يجوز أن تشغله عنه المشاغل، ولا أن تقعده العقبات.

وهي ثانياً: واجب يؤديه الإنسان لله ويتعبد به إليه، وعليه أن يؤديه بأمانة وإخلاص.

وهي ثالثاً: عمل يقرب العبد إلى الرب، فكلما قام الإنسان بهذه الفريضة، أو بهذه العبادة، أحس أنه يقترب من الله. فيزداد به إيماناً وتعلقاً، ويزداد له خشية وحباً، ويزداد إحساساً بالرضا في رحابه، والشكر على عطاياه.

نعم أيها الأحبة: تلك بعض معاني "الفريضة" في قلب المؤمن، وتلك كانت معاني "العلم" في نفوس المسلمين.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا علما نافعاً وقلباً خاشعاً، وأن يقر عيوننا بجيل الأمة وقد تعلم العلوم النافعة وسخرها لخدمة دينه ووطنه إنه جواد كريم…

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: ما سمعتموه جانب من فضل العلم وأهله ونحن نستقبل العام الجديد نقول للمعلم والمعلمة: المعلمون هم حماة الثغور، ومربو الأجيال، وعمار المدارس، المستحقون لأجر الجهاد، وشكرِ العباد والثوابِ من الله يومَ المعاد..

لكل واحد منكم معاشر المعلمين والمعلمات من المجتمع بأسره: تحية.. تحية لمن ينفق من مشاعره وأحاسيسه قبل أن ينفق من أوقاته، وينفق من جهده ونفسه أضعاف ما ينفق من تعليمه وتـوجيهاته، تحية لمن يحاول أن يرد المعوّج إلى طريقه والمنحرف إلى سبيله، والنادّ إلى جادته، والعاق إلى برّه، والجافي إلى عقله، والمفـرّط إلى صوابه، تحية لمن حجز لنفسه في صفّه ومدرسته مقعداً ليحجز لنفسه في الجنة درجته. وجعل من أولاد المسلمين أولاده، فغدا عليهم شفيقاً، وبهم رفيقاً، يسعى لزيادتهم في العلم والأدب كمّاً وكيفاً، ويجتهد في ذلك شتاءً وصيفاً .

تحية لمن تعلم وعلـم، وقـرأ وأقرأ، وصلح وأصلح، ورشد وأرشد، تحية لمن سكن القرى والهُجَر، واصطحب معه النور الذي لا يخبو يبدّد به الظلام، ويوقظ النيام، وتتبارك به الأيام..

تحية لمن فجّر في حياتنا ينابيع العلم والمعرفة والأدب دفّاقة، وأجرى في صحاري العقول أنهارَ الحكمة رقراقة، تحيةً وسلاماً لكل معلم ومعلمة في كل زمان ومكان من بلادنا وبلاد الإسلام.. .

أيها المعلم والمعلمة: إن مهمتك عصيبة جداً، ولكنك داعٍ إلى الله وإلى المعالي، وحامل لواء المسلمين، فالله الله لا يُؤتَى الإسلام من قِبلك، وهنيئاً لك أنك تُعلم الناس الخير…

رحبوا أيها المعلمون بطلابكم وقولوا مرحباً بطلاب العلم كما رحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ فقد قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ مُتَّكِئٌ عَلَى بُرْدٍ لَهُ أَحْمَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: "يَا رَسُولَ الله، إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ"، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ، إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِمَا يَطْلُبُ" (رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني).

وهذا الترحيب مفتاح للتعامل الإسلامي مع الطالب، وبداية جميلة ترغّبه بالعلم وتشجّعه عليه، وتعكس حرص المعلم عليه وحبّه له ولنفعه متى ما صدر هذا الترحيب بصدق وإخلاص ورغبة في نفع الطالب..

أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العام الدراسي عام خير وبركة وبداية موفّقة لبناء الأمة.. سدد الله المعلمين وأرشدهم ووفق الطلاب وأصلحهم إنه جواد كريم…


تم تحميل المحتوى من موقع