عناصر الخطبة
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.
عباد الله: درج البعض من الناس على استغلال الإجازة، والأجواء الطيبة؛ للخروج للنزهة للبرية، والتمتع بتلك المناظر العجيبة، وليقضوا أيام إجازتهم في ذلك، وهذا الأمر مشروع في الجملة، فإن دين الإسلام دين اليسر والسهولة والسماحة، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا".
وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت: كانت الحبشة يلعبون يوم عيد، فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكنت أطلع من عاتقه، فأنظر إليهم، فجاء أبو بكر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دعها فإن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا".
إذا، فالخروج في الجملة مشروع، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- تذكر عائشة: أنه كان يخرج إلى هذه التلاع، أي: إلى مواضع مجال الأمطار والسيول، ينظر إليها.
وتقول أيضا: كَانَ إِذَا سَالَ السَّيْلُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: "اخْرُجُوا بِنَا إِلَى هَذَا الَّذِى جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ مِنْهُ، وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهِ".
فالخروج مشروع في الجملة، إذا خلا من إسراف وتبذير، وترك طاعة، وفعل معصية.
والنفوس أحيانا قد يعجبها الخروج من المدن من ضجيجها وزحامها إلى التمتع بالجو النظيف، وهذا أمر لا إشكال في جوازه.
ولكن على المسلم: أن يعلم أن دين الإسلام أدبه في كل أحواله، بآداب حسنة، في سفره وفي إقامته، في المدينة أو البرية، أرشده إلى آداب عالية، وأخلاق كريمة، متى تخلق المسلم بها، وتأدب بها، انقلبت أعماله كلها خير وصلاح.
فمن آداب الخروج إلى الرحلة والسفر: أن يكون خروج المسلم مقصودا به التفكر في ألاء الله، وعظيم قدرته وفضله وإحسانه، قال جل وعلا: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم: 50].
وقال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: 39].
فخروج المسلم ليس للهو واللعب، ولكن للنظر والتأمل، وراحة النفس.
أما اللعب واللهو، فما كان غير مخالف للشرع، ولا مناف للقيم، فتمتع المسلم أمر لا بد منه؛ يقول صلى الله عليه وسلم لحنظلة، وقد قال: يا رسول الله: إذا كنا عندك تذكرنا الجنة والنار، كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا النساء والأولاد، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا حنظلة: لَوْ دمتم عَلَى مَا كنتم عليَّ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ فِي الطرقات، وعلَى فُرُشِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً".
ومن الآداب أيضا: أن يستحضر المسلم النية الصالحة في كل أحواله، فيتخذ من خروج نزهته قوة له على طاعة الله، وقوة له على القيام بما أوجب الله عليه، والتيسير على أولاده، وإدخال السرور عليهم، وملاحظتهم في رحلاتهم وأسفارهم.
فإن حياة المسلم تنقلب كلها طاعة لذاته وشهواته؛ من نوم، وأكل، وشرب، وإتيان لامرأته، كلها تتحول أعمالا صالحة، إذا نوى بها الخير، يقول صلى الله عليه وسلم: "وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قالوا: يا رسول الله: يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الحَرَامٍ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ؟".
فنية المسلم في كل أحواله عمل صالح، تتحول ملذاته إلى طاعات وعبادات! نومه إذا أراد به التقوي على الطاعة، نام مبكرا ليصلي الفجر، كان نومه عبادة، أكله وشربه عبادة، لذاته عبادة، إذا قصد بكل أحواله طاعة الله -جل وعلا-، والتقرب إليه.
ومن آداب الخروج للسفر: الإتيان بالأذكار الخاصة والعامة، فإن ذكر الله حياة للقلوب: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
فالمسلم يذكر ربه في سره وعلانيته، في سفره وإقامته، وفي كل أحواله.
ولكن هناك أذكار خاصة عند الخروج من المنزل، وركوب المركوب، والنزول في أماكن الراحة والنزهة، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَرَجَ المسلم مِنْ بَيْتِهِ، فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ" قال له الملك: "هُدِيتَ وَكُفِيتَ، وتنحى عنه الشَّيَاطِينُ، وقال: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ؟".
فهذا حصن حصين، ووقاية لك من الكوارث والملمات، وكان صلى الله عليه وسلم يرشد المسلم إذا خرج من بيته أن يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَي".
وكان إذا ركب دابته في السفر، قال: "الله اكبر، الله أكبر، الله أكبر: ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ(14)﴾ [الزخرف: 13- 14].
اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى.
اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده.
اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل.
"اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل".
وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون".
وكان صلى الله عليه وسلم يرشد المسلم إذا نزل منزلا، قال: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ"[رواه مسلم].
لا سيما في المنتزهات، ووجود الدواب والعقارب والحيات، في تلك المنتزهات والشواطئ، هذا الذكر يكفيك شرها، فقد جاء في حديث أبى هريرة أنه قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة؟ قال: "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك"[رواه مسلم].
ومن آداب السفر أيضا: المحافظة على الأذان في قت الصلاة، فإن الأذان أمر مهم للمسلم في سفره وترحاله، ولا سيما اليوم، وقد أصبحت الوسائل الدالة على دخول الوقت، وجهة الصلاة أمرا واضحا، قال عبد الله الأنصاري: "إن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال له: إني أراك رجلا تحب البادية والغنم، فإذا كنت في باديتك وغنمك، وحضرت الصلاة، فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع المؤذن جن ولا إنس، ولا شيء، إلا شهد له به يوم القيامة".
ومن آداب السفر أيضا: العناية بالصلوات الخمس، والمحافظة عليها، وأدائها في وقتها، سواء جمعت بينهما، أو صليت كل صلاة في وقتها، فلا بد من المحافظة والعناية بها، والاهتمام بها، فإن الصلاة عمود الإسلام، والبرهان الصادق على ما في القلب من إيمان.
والمسلم لا يمكن أن يفرط في هذه الصلاة، أو يتهاون بها، أو يستخف بها؛ بل يأتيها عن رغبة وحب لها، مستعينا بها على كل أحواله: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45].
فيؤديها المسلم إن كان سفره أكثر من ثمانين كيلو جاز له قصر الصلاة الرباعية، الظهر والعصر والعشاء، وجاز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، إن كانت المسافة أكثر من ثمانين كيلو، وإن كانت أقل من ذلك أدى كل صلاة في وقتها.
ثم ليعلم المسلم: أن صلاة الجماعة تفضل على الفرد بسبع وعشرين درجة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً".
وجاء أن الصلوات البرية جماعة تضاعف بخمسين ضعفا، ذلك من فضل الله على المسلمين.
ومن آداب السفر أيضا: أن ترشد الحيران، وتدل الضال، وتعين المحتاج والملهوف، فكل هذا من التعاون على البر والتقوى.
ومن الآداب أيضا: إذا نزل المطر أن تحسر عن رأسك ليصيبه المطر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك، قال له الصحابة: لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه -تعالى-".
فكان يحسر عن رأسه ليصيبه المطر.
وقد قال بعض العلماء: إن نزول المطر من الأوقات التي يرجى فيها إجابة الدعاء، فإنه رحمة يرحم الله به عباده.
ومن آداب السفر أيضا -أيها المسلم-: المحافظة على نظافة المكان الذي أنت نازل فيه، تعتني بنظافته، حتى إذا فارقت ذلك المكان، وأتى غيرك من إخوانك وجده نظيفا نزيها، ليس فيه ما يعوق، فإن البعض من الناس لا يهتم بنظافة المكان، يجلس في أماكن النزهة، ثم يقوم منه وقد ترك فضلات الطعام والمأكولات والمشروبات، وهذا خطأ، فإن الإنسان يعتني بالنظافة لنفسه ولغيره، فالله نظيف يحب النظافة.
ومن آداب السفر أيضا والنزهة: أن نتقي الله في أنفسنا، فلا نؤذي إخواننا، قال صلى الله عليه وسلم : "اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ".
اتقوها، فإن من فعل ذلك لعنه الناس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ حلت عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ".
فمنتزهاتنا لابد أن نحميها من الأذى، وأن لا نقذرها، وأن لا نكون سببا للآخرين، بل نتأدب بآداب الإسلام؛ لأنا مسلمون أدبنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بتلك الآداب، فينبغي أن تقبلها بالسمع والطاعة، ونطبقها على أنفسنا وواقعنا.
ومن آداب السفر والرحلات: أن لا نؤذي إخواننا، فإن الأذى منهي عنه في الحل والترحال، في السفر والإقامة، يقول الله -جل وعلا-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].
أخي: كن معي قليلا، هذا الأذى يصدر من بعض أبناء المسلمين -هداهم الله سواء السبيل-، إذا خرجوا للنزهات انطلق بعضهم بلا حياء ولا مروءة ولا أخلاق: لماذا؟
تراه يؤذي الآخرين، إما بالأصوات المزعجة، أو التفحيط بالسيارات، أو بأصوات الأغاني، أو يؤذيهم بالنظرات المخيفة، والكلمات البذيئة.
فتخرج الفتيات من أماكنهن لما يرين من هؤلاء الشباب -هداهم الله- نظراتهم المخيفة، وكلماتهم البذيئة، وهذا أمر لا يليق أن نضيق على الآخرين ونؤذيهم.
جاؤوا للنزهة، وجاؤوا للاستمتاع بهذه الأجواء الطيبة! أم نجعلها أماكن خوف يخفن على أنفسهن لماذا؟
هؤلاء أخواتك المسلمات، دعهن يتمتعن بهذه المناظر، وإياك وإيذاءهن بأقوالك وأفعالك، بنظراتك بلفظاتك.
اتقِ ذلك -أيها المسلم-، واحترم نساء الآخرين، واحترم فتيات الآخرين، احترم لو أن أحدا ضايق ابنتك، أو أختك، أو امرأتك، لم ترض بذلك، فكيف ترضى على عورات الآخرين؟!
إن هذا أمر خطير، وأمر مشين، المسلم يتأدب بآداب الإسلام، ويتخلق بأخلاق الإسلام: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النــور : 30].
إن تحول المنتزهات إلى أماكن خوف، أو أماكن تتبع، من بعض ضعفاء الأبصار، هذا أمر خطير.
فيا شباب الإسلام: اتقوا الله في أنفسكم، ولا تؤذوا أخواتكم المسلمات، ولا إخوانكم المسلمين، بالألفاظ، والإساءة بالأقوال والأفعال، والمضايقة في الطريق، وإيذاؤهم بالسيارات وإزعاجهم بأي مزعج، دعوا الناس في نزهتهم وراحتهم ولذتهم، وإياكم أن تؤذوهم بأي أذى، هذا هو الواجب عليكم.
ومن الآداب أيضا: أن النزول في الأماكن الخطيرة؛ كالأودية الخطيرة، والأماكن التي يخشى منها الضرر، فإن الدفاع المدني دائما يصدر بيانات وتحذيرات وتنبيهات في بعض الأماكن، فالتقيد بذلك أمر مطلوب.
مع أن الواجب على الدفاع المدني أيضا أن يضع لوحات وإشارات في الأماكن الخطيرة، والأماكن التي يخشى منها، فإن إرشاد الناس وتوجيههم في طرقهم البرية، أمر مطلوب واللوحات والإرشادات توجهم للطريق الذي يسلكونه، وتحذرهم من الأماكن التي يخشى منها، فإن هذا من العمل الجليل.
المهم أن المسلم يتأدب بآداب دينه؛ لأن هذا الإسلام دين أخلاق، وقيم وفضائل: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9].
فالمسلمون إذا تأدبوا بآداب ربهم، وآداب نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في أحوالهم كلها، عاشوا بخير وسعادة وطمأنينة، واستقرار ورخاء؛ لأن الإسلام آدابه عظيمة، يقول الله عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
فخلقه العظيم صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إلى كل ما يحقق لهم السعادة والهناء، وحذرهم من كل ما يجلب لهم الشر والبلاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعد:
فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.
عباد الله: نعم الله عظيمة، وآلاء الله جسيمة.
والمسلم يتفكر في نعم الله عليه في صحة بدنه، وسلامة أعضائه.
ثم يتفكر في نعم الله عليه، بأن أوجد له ما يأكل ويشرب، ويلبس، وينتفع به، علم أنها نعم عظيمة، تحتاج منه إلى أن يقابلها بشكر الله، فنقول: الحمد لله رب العالمين، على عظيم نعمه وإفضاله.
إن لهذه النعم حقا أن نشكر الله عليها، وأن لا نسرف فيها، فنجتنب الإسراف والتبذير، يقول الله -جل وعلا-: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].
وقال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً(27)﴾[الإسراء: 26-27].
أيها المسلم: نعم الله عظيمة كم من متمني لها؟ وكم من محتاج لها؟ وكم من تمر به الليالي والأيام، في مجاعة ومسغبة برد قارس، جوع وعطش، وحصار وأهوال عظيمة؟!
وأنت -أخي المسلم-: تتمتع بنعم الله، آكلا شاربا، صباحا مساءً، لا تخشى إلا الله، فاشكر الله على هذه النعمة، وعظمها حق التعظيم، فإن لها حقا عليك: أن تعظمها بشكر الله عليها، وأن تجتنب الإسراف والتبذير، والإنفاق في الباطل، والمباهاة في الولائم، فإن المباهاة والتفاخر بذلك أمر خطير، لا يليق بالمسلم، يأكل ويشرب ويتمتع بنعم الله، لكن في حدود ما شرع الله.
أيها الإخوة: اعتاد البعض في رحلاتهم: أن يصحبوا معهم من المواد الغذائية الشيء الكثير، يأكلون قسما، أو جزءا يسيرا، والباقي يلقى في الطرقات، لا يأكلون منه، يأتون بالذبيحة الواحدة، أو يأتون بها من المطاعم لخمسة أو لستة نفر، لا يأكلون منها ولا عشرها، والباقي يلقى في الطرقات! وهكذا -سامحنا الله-، وهذا أمر خطير، وأمر لا يصلح، يجب على الناس أمور:
أولا: أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن لا يجيبوا معهم من النعم إلا على قد ما يحتاجون إليه، وأن يجتنبوا الإسراف والتبذير، فليس الفخر بأن نسرف، الفخر بأن نشكر الله على نعمه، ونسخرها في طاعة الله، وما فضل بنا، نسعف بها مسلما، أو محتاجا.
أما هذه النعم التي نأكل جزءا منها، والباقي نقوم عنه تاركين له، بعضهم ربما وضعها في حاوية، وبعضهم وضعها في أماكن الجلوس، فتركه في هذا المكان لكي يتغير لونه، وتصدر الروائح الكريهة، كل هذا من الإيذاء والخطر.
ينبغي أن نتقي الله في أنفسنا، وأن لا نحمل معنا إلا ما نحتاجه، وأن لا نطلب إلا ما نحتاجه، وأن نتقي الله فيما بقي، نضعه في حاوية خاصة، وأكياس خاصة، في أماكن مناسبة، لعل من يأتي، من يحتاج لها.
وعلى الجهات المختصة القريبة من المنتزهات: أن تهيئ الحاويات لحفظ الطعام الطيب الذي يمكن أن ينقل للآخرين، وحفظ الفضلات التي ليس فيها فائدة، وأخذها في الحال، قبل صعود الأبخرة، فتلوث بيئة الناس، وتؤذيهم في منتزهاتهم.
المهم: أن نشكر الله على النعمة، وأن نحذر من السرف والتبذير، وأن نقدرها حق قدرها، فإن هذا واجباً علينا.
تفكروا في غيركم -يا إخواني-: ممن يتمنون وجبة الطعام، لا يحصلون عليها، وأنتم في نعم كثيرة من الله.
قدروا هذه النعم، واعطوا حقها، وحافظوا عليها، من الإسراف والتبذير.
انفقوها في سبيل الخير، وتجنبوا إهانة النعم، وكلوا منها ما تستطيعون، واحذروا أن تأتوا بما لا تقدرون على تناوله، ولا تستطيعون أكله، فإن هذا من الخطأ!.
البعض من إخواننا يضع فضلات الطعام والشراب في الأماكن التي يجلس فيها الناس، فإذا أتى غيرهم وجد هذا المكان ملوثا إما بالطعام، أو بغير ذلك، فلا ينتفع به، فكل هذا من الإيذاء.
فالتأدب بآداب الإسلام خلق كريم، فإن أدب الإسلام لك ولإخوانك متى ما تأدبنا بآداب شريعتنا، وطبقنها على الحياة الواقعية، عشنا بخير وسعادة.
نسأل الله شكر نعمته، وحسن عبادته، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله-: أنّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، اللَّهمّ سدده في أقواله وأعماله، اللَّهمّ امنحه الصحة والسلامة والعافية.
اللَّهمّ شد عضده بولي عهده سلمان بن عبد العزيز، ووفق النائب الثاني لكل خير، واجعلهم دعاة خير إنك على كل شيء قدير.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23].
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
عبادَ الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].