عناصر الخطبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن المتأمل لكتاب الله -عز وجل- يجده مُلِئَ جملاً قصيرة الألفاظ، عظيمة المعاني، ولئن كان يوجد في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- "جوامع كلم" فإنه في كتاب الله أظهر وأجلى.
وإن من تلكم الجمل، والقواعد القرآنية العظيمة التي هي أثر من آثار كمال علم الله وحكمته وقدرته في خلقه -سبحانه وتعالى- تلكم هي ما دل عليها قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: 36].
وهذه الآية جاءت في سياق قصة امرأة عمران، وهي والدة مريم – عليها السلام – يقول تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم(36)﴾[آل عمران: 35، 36].
ولقد بيَّن القرآن هذا التفاوت بين الجنسين في مواضع كثيرة، منها: قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء:34]، وهم الرجال ﴿على بعض﴾ وهن النساء.
أيها المسلمون:
هذا هو حكم الله القدري: أن الذكر ليس كالأنثى، وهذا حكم الأعلم بالحِكَمِ والمصالح -سبحانه وتعالى-، هذا كلام الذي خلق الخلق، وعَلِمَ ما بينهم من التفاوت والاختلاف: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]، وقد تفرع على ذلك: اختلاف بين الذكر والأنثى في جملة من الأحكام الشرعية – وإن كانا في الأصل سواء -.
وهذا الاختلاف في الأحكام الشرعية بين الذكر والأنثى راجع إلى مراعاة طبيعة المرأة من حيث خِلقتها، وتركيبها العقلي والنفسي، وغير ذلك من صور الاختلاف التي لا ينكرها العقلاء والمنصفون من أي دين.
ومن توهم – من الجهال والسفهاء – أنهما سواء فقد أبطل دلالة القرآن والسنة على ذلك:
أما القرآن فإن هذه القاعدة المحكمة ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾[آل عمران: 36]، دليل واضح على هذا، وأما السنة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال – كما ثبت ذلك في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه (أخرجه البخاري ح: 5885).
فلو كانا متساويين لكان اللعنُ باطلاً، ومعاذ الله أن يكون في كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لغو أو باطل!
أيها الإخوة المؤمنون! إن المتأمل ليجد شيئاً من حِكَمِ الله -تعالى- في التفريق بين الذكر والأنثى في بعض الأحكام الشرعية، ومن ذلك:
1- التفريق في الميراث: فلما اقتضت سُنة الله أن يكون الرجل هو الذي يكدح ويتعب في تحصيل الرزق، وهو الذي يطلب منه دفع الميراث، والمشاركة في دفع الدية – عند قيام المقتضي لذلك – كان من الحكمة أن يكون ميراثه أكثر؛ لأن الذكر مترقب دوماً للنقص من ماله، بعكس الأنثى فهي دوماً تترقب الزيادة في مالها: حينما يدفع لها المهر، وحينما ينفق عليها من قبل وليها.
2 – التفريق في الشهادة: وهذا نصت عليه آية الدَّيْن: كما دلت عليه السنة الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبين أن سبب هذا هو نقصٌ في عقلها.
وهذا التفريق -لمن تأمله- عين العدل، يقول الشيخ السيد رشيد رضا – مبيناً هذا المعنى -: "إن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية -التي هي شغلها- فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل، يعني أن طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها، ولا ينافي ذلك اشتغال بعض النساء الأجانب في هذا العصر الأعمال المالية فإنه قليل لا يعول عليه، والأحكام العامة إنما تناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها" (تفسير المنار 3/104). انتهى.
ولا يظنن أحدٌ أن في ذلك انتقاصاً لقدرها، بل هو تنزيهٌ لها عن ترك مهمتها الأساسية في التربية والقرار في البيت، إلى مهمة أقل شأناً وسمواً، وهي ممارسة التجارة والمعاملات المالية!
أيها الإخوة الكرام! وليس هذا التفريق بين الذكر والأنثى كله في صالح الرجل، بل جاءت أحكام تفرق بينهما تفريقاً لصالح المرأة – إن صحَّت العبارة -، ومن ذلك: أن الجهاد لا يجب على النساء لطبيعة أجسادهن، فسبحان العليم الحكيم الخبير، الذي حكم بأن الذكر ليس كالأنثى.
إذا تبين هذا، فعلى المؤمن أن يحذر من كلمة راجت على كثير من الكتاب والمثقفين، وهي كلمة"المساواة" في مقام الحديث عن موضوع المرأة، وهي كلمةٌ لم ترد في القرآن بهذا المعنى الذي يورده أولئك الكتاب، والصواب – كما قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فيما سمعته منه مراراً- أن يعبِّر عن ذلك بالعدل؛ لأن الله -تعالى- يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾[النحل: 90]، ولم يقل: يأمر بالمساواة! لأن في كلمة المساواة إجمالاً ولبساً بخلاف العدل، فإنها كلمة واضحة بينه صريحة في أن المراد أن يعطى كل ذي حق حقه. انتهى.
وليتضح هذا الكلام يقال: إن دلالة العدل تقتضي أن يتولى الرجل ما يناسبه من أعمال، وأن تتولى المرأة ما يناسبها من أعمال، بينما كلمة مساواة: تعني أن يعمل كلٌ من الجنسين في أعمال الآخر!
ومدلول كلمة العدل: أن تعمل المرأة عدداً من الساعات يناسب بدنها وتكوينها الجسمي والنفسي، بينما مقتضى المساواة: أن تعمل المرأة نفس ساعات الرجل، مهما اختلفت طبيعتهما! وهذا كلّه عين المضادة للفطرة التي فطر الله عليها كلاً من الرجل والمرأة!
ولهذا لما أصرت بعض المجتمعات الغربية على هذه المصادمة للفطرة، وبدأت تساوي المرأة بالرجل في كل شيء ذاقت ويلاتها ونتائجها المُرَّة، حتى صرخ العقلاء منهم – رجالاً ونساء – وكتبَوا الكتب والرسائل التي تحذر مجتمعاتهم من الاستمرار وراء هذه المصادمة، ولن أستشهد هنا بكلامهم فهو كثير جداً، بل سأكتفي بكلام امرأة (هي الكاتبة ليلى العثمان، ينظر: رسائل إلى حواء 3/85).
هي من أشهر دعاة الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة في منطقة الخليج – بعد أن ذاقت ويلات الركض خلف سراب المساواة – تقول هذه الكاتبة: "سأعترف اليوم بأنني أقف في كثير من الأشياء ضد ما يسمى بـ(حرية المرأة) تلك الحرية التي تكون على حساب أنوثتها، على حساب كرامتها، وعلى حساب بيتها وأولادها.
سأقول: إنني لن أحمِّل نفسي– كما تفعل كثيرات – مشقة رفع شعار المساواة بينها وبين الرجل، نعم أنا امرأة! ثم تقول: هل يعني هذا أن أنظر إلى البيت – الذي هو جنة المرأة – على أنه السجن المؤبد، وأن الأولاد ما هم إلا حبل من مسد يشد على عنقي؟ وأن الزوج ما هو إلا السجان القاهر الذي يكبّل قدمي خشية أن تسبقه خطوتي؟
لا، أنا أنثى وأعتز بأنوثتي، وأنا امرأة أعتز بما وهبني الله، وأنا ربة بيت، ولا بأس بعد ذلك أن أكون عاملة أخدم خارج البيت نطاق الأسرة، ولكن– ويا رب اشهد! بيتي أولاً، ثم بيتي، ثم بيتي، ثم العالم الآخر" انتهى كلامها، ولم ينته حديثنا…
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة خير أنبيائه…
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فبعد هذا البيان الواضح لمدلول هذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾[آل عمران: 36]، ماذا يقال عمن سوَّى بينهما بعد أن فرَّق بينهما خالقهما؟
إنك لا تتعجب أن يقع الرد لهذا الحكم القدَري من كفار! أو ملاحدة! وإنما تستغرب أن يقع هذا من بعض المنتسبين لهذا الدين، والذين يصرِّحون في مقالاتهم وكتاباتهم بأن هذا الحكم كان في فترة نزول الوحي يوم كانت المرأة جاهلة لم تتعلم! أما اليوم فقد تعلمت المرأة، وحصلت على أعلى الشهادات! – نعوذ بالله من الخذلان -!.
وهذا الكلام خطير جداً؛ وقد يكون ردّةً عن الدين؛ لأنه ردٌّ على الله –تعالى-، فإنه هو الذي قدَّر هذا الحكم، وهو -سبحانه وتعالى- الذي يعلم ما ستؤول إليه المرأة إلى يوم القيامة، ثم إن التاريخ والواقع يكذب هذه المقولة من جهتين:
الأولى: أن تكوين المرأة النفسي والبدني (الفسيولوجي)، لم يتغير منذ خلق الله -تعالى- أمنا حواء من ضلع أبينا آدم، وإلى أن يرث الله ومن عليها! ولم يربط الله -تعالى- ذلك بعلمٍ تتعلمه، أو بشهادة تحصل عليها.
والجهة الثانية لبيان خطأ هذه المقولة:
أن هذا الحكم يدخل فيه أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن-، وهن – بلا ريب – أعلم نساء هذه الأمة، وأتقاهن، ومن هي التي تبلغ عشر علمهن؟! ومع ذلك لم تتعرض واحدهن منهن على هذه الأحكام الشرعية التي سمعنها مباشرة من زوجهن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، بل قابلن ذلك بالانقياد والتسليم، والرضى والقبول، وجرى على هذا الهدي من سار على نهجهن من نساء المؤمنين إلى يومنا هذا.
ولعلي أختم هذه القاعدة بهذه القصة الطريفة – التي سمعتها من أحد الباحثين، وهو يتكلم عن زيف الدعوى التي تطالب بفتح الباب للنساء لكي يمارسن الرياضة كما يمارسها الرجال – يقول هذا الباحث وفقه الله:
إن أحد العدائين الغربيين المشهورين تعرف إلى امرأة تمارس نفس رياض العدو، فرغب أن يتزوجها، وتمَّ له ما أراد، لكن لم يمضِ سوى شهرين على زواجهما حتى انتهى الزواج إلى طلاق!
فسئل هذا العدّاء: لماذا طلقتها بهذه السرعة؟! فقال: لقد تزوجت رجلاً ولم أتزوج امرأة!! في إشارة منه إلى القسوة في التمارين – التي تتطلبها رياضة العدو – أفقدتها أنوثتها، فأصبحت في جسم يضاهي أجسام الرجال، وصدق الله العظيم، العليم الخبير: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾[آل عمران: 36].