عناصر الخطبة
أيها المسلمون: إن من أصول العقيدة الإسلامية: عقيدة الولاء والبراء، من تحب -أيها المسلم- ومن تبغض؟ من توالي، وممن تتبرّأ؟ فليس الولاء والبراء في الإسلام يخضع للأهواء والمصالح, إنما هو دين وعقيدة يثاب عليها المسلم أو يعاقب؛ فالمسلم يحب ويوالي أهل التوحيد والصلاح، ويبغض ويعادي أهل الشرك والفساد.
وهذه العقيدة -الولاء والبراء- قد أصابها غبش وتضليل من أعداء الدين؛ حتى تُقلع من قلوب المسلمين؛ فلم يعد الولاء والعداء في هذه الأيام لله، إنما أصبح للمصالح السياسية، أو الحظوظ الدنيوية، أو من أجل التراب والوطن، أو القبيلة.
وإن مما زاد هذه العقيدة غموضاً: بُعْدُ المسلمين عن دينهم، وتسلط أعدائهم على بلادهم وخيراتهم وعقولهم، فأصبح المسلم عدواً لأخيه المسلم؛ لماذا؟ لأنه من البلد الفلاني، أو الدولة الفلانية!! وأصبح الكافر له المحبة والولاء المطلق؛ لأنه فعل وفعل.
يقول الوفاء بن عقيل: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان؛ فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتِهم أعداء الشريعة".
وديننا -نحن المسلمين- إنما يقوم على الولاء والبراء، بل إن الولاء والبراء داخل في معنى لا إله إلا الله؛ فلا إله إلا الله, ولاء وبراء، ولاء لله ولدينه ورسوله وعباده الصالحين، وبراء الشرك والمشركين؛ فمن أباح الشرك أو والى المشركين، أو عادى المسلمين وتبرّأ منهم, – فهو ممن أسقط حرمة لا إله إلا الله، ولم يعظمها، ولم يقم بحقها، وإن زعم أنه مسلم.
عباد الله: وقد يسأل البعض: ما معنى الولاء والبراء؟ الولاء معناه: التقرب وإظهار المودة بالأقوال والأفعال والنوايا لمن يتخذه ولياً، فإن كان هذا التقرب وإظهار الودّ مقصوداً به الله ورسوله والمؤمنين, فهي الموالاة الشرعية الواجبة على كل مسلم (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ واَلَّذِينَ ءامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة:55]
وإن كان المقصود بإظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا هم الكفار على اختلاف أجناسهم, فهي الموالاة الكفرية (لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِللَّهِ وَلْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْونَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22]، (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَلنَّصَـارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ) [المائدة:51]
أما البراء فهو: الكره والبغض والبعد عن الكفر والكافرين (وَأَذَانٌ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الاْكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِىء مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة:3].
فنحن المسلمين ننطلق في حبنا وبغضنا من منطلق الدين؛ فنوالي المؤمنين والمسلمين، ونبغض ونعادي اليهود والنصارى والمشركين، وهذه العداوة والبغضاء التي في قلوبنا وأفعالنا للكافرين بسبب كفرهم بالله، وسبِّهم له، وعدم إسلامهم وانقيادهم له؛ فكيف نوالي من حاد الله ورسوله؟ كيف توالي من يسب ربك، ويزعم أن له صاحبة وولداً؟!
يا إخواني: لو كان ثمة حاكم له مملوك، وهذا الحاكم يسدي إلى مملوكه من الخير، ويمنع عنه من الشر الشيء الكثير. ولهذا الحاكم أعداء؛ أيليق أن يوالي ويحب هذا المملوك ويناصر أعداء سيده؟ فكيف إذا نهاه سيده عن ذلك أشد النهي؟ وكيف إذا كان هذا العدو عدواً له ولسيده؟ فهذا حال من والى الكافرين وناصرهم، وترك موالاة الله والمؤمنين ومناصرتهم، والله أعز قدراً، وأجلُّ ذكراً، وأعظم شأناً.
إخواني المسلمين: إن مفهوم الولاء والبراء -من نوالي ومن نعادي- من المفاهيم الواضحة التي بينها القرآن أتم بيان، يقول الله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].
فهذا خبر على جهة التأكيد والدوام أن اليهود والنصارى لن يصطلحوا معنا، ولن يسالمونا أو يرضوا عنا، حتى نتبع ملتهم، ونحذوا حذوهم في شركهم، قال عز وجل: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:217].
فقال: لا يزالون، فعل مضارع يفيد الاستمرار، فهم قائمون على ذلك، لا همَّ لهم إلا الإضرار بالمسلمين وصدهم عن دينهم بالقوة والاستعمار، أو بالفكر وبث السموم.
ونحن نرى صدق ما أخبر به ربنا من عداوتهم لنا، بل ونسمع من فلتات ألسنتهم ما يدل على ما في قلوبهم؛ فهذا رئيس أكبر دولة يقول عن الحرب التي يجمع لها ضد الإرهاب, يقول: إنها حرب صليبية!! فهل في ذلك عبرة لأولي الأبصار.
(براءة مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ في الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِى الْكَـافِرِينَ * وَأَذَانٌ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الاْكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِىء مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللَّهِ وَبَشّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ عَـاهَدتُّم مّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَـاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الاشْهُرُ الْحُرُمُ فَقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَحْصُرُوهُمْ وَقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءاتَوُاْ الزَّكَوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ * كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَـاهَدْتُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَـامُواْ لَكُمْ فَسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَـاسِقُونَ * اشْتَرَوْاْ بِـئَايَـاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ * فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءاتَوُاْ الزَّكَوةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَنُفَصّلُ الاْيَـاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـانَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ فَقَـاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَـانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلاَ تُقَـاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَـانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ * قَـاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:1-15]
نفعني الله..