الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

صالح بن عبد الله الهذلول

عناصر الخطبة

  1. هيئة الأمر بالمعروف من ركائز الحكم بالمملكة
  2. وجوب شعيرة الأمر بالمعروف على الجميع
  3. الآثار السيئة لترك الحسبة في بعض البلدان
  4. اندلاع الثورات في تلك البلدان نتيجة الفساد
  5. بيان هيئة كبار العلماء حول حكم التظاهر
  6. تأكيد بيان الهيئة على المناصحة كوسيلة ناجعة

الحمدلله العزيز الغفار، ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد:10]، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص:68]، عَزَّ جاهُه، وجل جلاله، وعظم سلطانه، لا معقب لحكمه، وهو العزيز الحكيم. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما صمام الأمان لأمة الاسلام، وبهما نالت السبق والخيرية على سائر الأمم، وهما خيار هذا الكيان والمجتمع في هذه المملكة، ومن ركائز الحكم التي قامت عليه هذه البلاد، وجزء من هيكلها العظمي، لا يمكن فصله، ولا الاستغناء عنه، ولا زراعة بديل يقوم بدوره، ولا يمكن أن يراهن عليه.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم مكلف بما يستطيع؛ لأن معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن رأى منكم مُنْكَرَاً فليغيره"، خطاب عام لكل أفراد المجتمع، وليس قاصرا على رجال الحسبة المُعَيَّنِينَ مِن قِبَلِ الدولة، لكن؛ كُلٌّ بما يستطيع.

أيها المؤمنون: حين تخلت الدول الاسلامية عن واجب الحسبة، وتركت القيام بشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فشت المنكرات، وكثر الخبث، وتطاول الأكابر على الأصاغر، وانتهكت الأعراض، وتعدي على الأموال الخاصة والعامة، وصودرت الحريات بدعوى حرية الرأي والفكر، واذا هم أحد من الغيورين والصالحين بالانكار، أو الأمر بالمعروف عورض، وتصدي له: لا تتدخل بحريات الآخرين!.

ومن ثَم انتشر الفساد الإداري، وتفشت الرشوة في كل القطاعات، وصارت المحسوبيات هي المؤهل عند تقلد المناصب والادرات، حتى بات التغيير متعذرا، والاصلاح بعيد المنال، فاحتقنت الشعوب إلى درجة لا تطاق، فوقع الانفجار، وقامت المظاهرات، كالسيل الجارف الذي تجمَّع خلف سد فتضخم المخزون حتى لم يطق السد تحمله، فانهدم وانهار، وكانت النتيجة الخروج على الحاكم: الشعب يريد اسقاط النظام!.

ابتليت الشعوب بأنظمة وحكومات ظالمة متسلطة، ثم ابتلي حكامها بشعوب أبغضتهم وكرهتهم، فتمردت وخرجت عليهم، جزاء وفاقا.

ولو أن تلك الحكومات أقرت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقامَتْها، لَمَا آل الأمر إلى ما آل إليه، ولما أضطرت تلك الشعوب المقهورة أن تطالب برحيل حكامها، وتغييرهم بالصورة التي جرت وتجري.

ونحمد الله تعالى في هذه البلاد على وجود جهاز ضخم معنيٍّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، له اداراته ومكاتبه في كافة المناطق والمحافظات والمراكز، مهمته الرسمية -إضافة إلى الشرعية- الترصد للمنكرات، ومعالجتها، ومنعها، والأمر بالمعروف، ونشر الفضيلة، وعلى ما فيه من القصور والضعف، فأرجو أن يكون العامل الأقوى في منع وصول عدوى المظاهرات إلى هذا البلد ورفضها.

ولقد أحسنت هيئة كبار العلماء -وفقهم الله تعالى وسددهم- حين أكدو في بيانهم الذي يحرم قيام المظاهرات في المملكة، أكدوا على أهمية وضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب قيامه.

ومما جاء في البيان: إن هيئة كبار العلماء تدعو الجميع إلى بذل كل الأسباب التي تزيد من اللحمة، وتوثق الألفة، وتحذر من كل الأسباب التي تؤدي إلى ضد ذلك.

وهي بهذه المناسبة تؤكد على وجوب التناصح والتفاهم والتعاون على البر والتقوى، والتناهي عن الإثم والعدوان، وتحذر من ضد ذلك: من الجَوْر والبغي وغمط الحق.

كما تحذر من الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة، إذ الأمة في هذه البلاد جماعة واحدة، متمسكة بما عليه السلف الصالح وتابعوهم، وما عليه أئمة الاسلام قديما وحديثا من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة، مع الاعتراف بعدم الكمال، ووجود الخطأ، وأهمية الإصلاح على كل حال، وفي كل وقت.

وأضاف البيان: والهيئة إذ تؤكد على حرمة المظاهرات في هذه البلاد فإن الأسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة، ولا يكون معه مفسدة هو المناصحة، وهي التي سنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسار عليها صحابته الكرام، وأتباعهم بإحسان.

وتؤكد الهيئة على أهمية اضطلاع الجهات الشرعية والرقابية والتنفيذية بواجبها، كما قضت بذلك أنظمة الدولة وتوجيهات ولاة أمرها، ومحاسبة كل مقصر.

والله -تعالى- نسأل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، أن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يصلح ذات بيننا، ويهدينا سبل السلام.

وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا أتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يهدي ضال المسلمين، وهو المسؤول -سبحانه- أن يوفق ولاة الأمر لما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


تم تحميل المحتوى من موقع