الدعوة إلى الله

ناصر بن محمد الأحمد

عناصر الخطبة

  1. بداية حياة النبي-صلى الله عليه وسلم- وبدء دعوته
  2. أساليب المشركين في الصد عن الدعوة
  3. بعض قصص إيذاء المشركين للمؤمنين
  4. استمرار الدعوة حتى النصر
  5. الحث على الدعوة إلى الله وواجب كل مسلم تجاه ذلك

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله…

أما بعد:

ولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين جبال مكة، في واد غير ذي زرع، من عند بيت الله المحرم ثم ترعرع ذلك الغلام، ومضت الأيام تلو الأيام، والشهور تلو الشهور، والسنون تلو السنين، حتى بلغ ذلك الغلام 40 سنة، فإذا بأمر غريب يحصل له، يقلب عليه حياته كلها، يأتيه الوحي من السماء، ليكون رسول هذه الأمة، فيفزع من الأمر أول مرة، ثم يعلم بعد ذلك بتطمين خديجة له من جانب، وقول ورقة بن نوفل له من جانب آخر، فيأخذ أمر ربه، ويصبح بعدها نبي ورسول هذه الأمة.

ذلك الغلام الذي منذ نعومة أظفاره، وهو يترعرع في فجاج مكة، ويمشي في أزقتها، كان يعرف عند قومه منذ صغره بالصدق والأمانة، فكانت له شخصية، وكسب شعبية، بأخلاقه الكريمة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم: 4].

فلما كلفه ربهبتبليغ رسالته،وأن يصدع بالحق: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾[الحجر: 94].

فدعاهم إلى الإسلام، واستنكر القوم هذه الدعوة، واستغربوا هذا الأسلوب الجديد الذي لا عهد لهم به، والرسول ينادي فيهم: "قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا".

فأدرك القوم معنى هذه الكلمة، وأنها تعني القضاء على آلهتهم والقضاء عليها يقضي على نفوذهم الواسع وسلطانهم الجاهلي.

فلما كان لصاحب الدعوة من المكانة في أنفسهم سابقاً، لم يتجرؤوا في أول الأمر على قتله، وقتل دعوته في مهدها، بل اتبعوا أساليب شتى قبل قرار القتل، فعرضوا عليه المال والجاه والرياسة، ولم ينجح العرض، إذ رأوا أنه ليس لديه أدنى ميل إلى هذه الأمور التي يرونها عظيمة، فعمدوا إلى أسلوب خسيس يريدون به تدمير أعصاب الرسل -لو استطاعوا- والقضاء على الروح المعنوية العالية فأخذوا يقترحون اقتراحات ساخرة، يحدثنا القرآن عن شيء من ذلك، فيقول: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا(90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً(93)﴾[الإسراء: 90 – 93].

ولما لم ينجح هذا الأسلوب أيضاً، أخذوا يفترون على من سموه من قبل أنه الصادق الأمين، ويلقبونه بألقاب مفتريات، ويشيعون ضد الدعوة إشاعات، هم يعلمون عدم صحتها قبل غيرهم، ولم يتركوا باباً من المكر والمكيدة إلا طرقوه، وها هو القرآن يحدثنا عن مكرهم: ﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾[إبراهيم: 46].

ولما لم تنجح جميع الوسائل التي أشرنا إليها من عرض المال، والرياسة، والسخرية، والشائعات، والافتراءات وهي ما يسمونه بالحرب النفسية لجأ القوم إلى الحرب الحسية ينالون بها من صاحب الرسالة وأصحابه، فجروا أحقادهم، فعقدت جلسة خاصة ومهمة، لسادات قريش في الحِجر، واستعرضوا الموقف ودرسوه، وعددوا ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما قال في حقهم وفي حق آلهتم، قالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، سفه أحلامنا وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا وشتم آباءنا، وعاب ديننا إلى آخر ما عددوه.

ومن باب الموافقة: أن يمر بهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهم يتحدثون في أمره، فوثبوا عليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به من كل جانب وصاحوا به قائلين: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ فيجيبهم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، بكل ثقة وثبات: نعم أنا أقول كذا وكذا، وأرادوا قتله فأدركهم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فانبرى للدفاع عنه، فأخذ يدفع هذا، ويجع هذا في بطنه، وهو يقول: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله"؟ ولما أعجزتهم جميع الحيل، عقدوا مؤتمراً خطيراً في زعمهم في الأيام التي أخذ المسلمون يهاجرون فيها إلى المدينة، وظنوا أن الفرصة سانحة فلا تفوت.

ومن الاقتراحات المهمة التي طرحت على بساط البحث والمناقشة للتخلص من النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعوته هي الآتية:

1– أن يسجن سجناً مؤبداً ولا يفك.

2– أن يقتل على أيدي عدد من شباب قريش ينتخبون من عدة قبائل ليتفرق دمه بين القبائل.

3– أن ينفى من البلد.

ولما وضعوا خطتهم وحزبوا أمرهم، كشف الله السميع القريب أسرار مؤتمرهم: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾[الأنفال: 30].

هذا، وكانت المحنة على ضراوتها وقسوتها، لا تزيد محمداً -عليه الصلاة والسلام- وصحبه إلا صلابة وتصميماً، تصميماً في المضي مهما كانت التضحيات.

وفي الوقت الذي كانوا يؤذونهعليه الصلاة والسلامهذا الإيذاء كانوا يؤذون المؤمنين به ويعذبونهم بألوان العذاب، وقد سجل التاريخ ما فعل أمية بن خلف ببلال الحبشي في بطحاء مكة ليكفر بمحمد، ويعبد اللات والعزى، ولا يزيد بلال على قوله: أحد أحد، وهو تحت الصخرة، ولكن إيمانه كان أعظم وأثبت، وكانت هذه الكلمة من بلال تعني الهتاف ب"لا إله إلا الله" وقل هو الله أحد.

وفي مكان آخر من مكة أيضاً نرى آل ياسر يعذبون ويفتنون ليكفروا بالإسلام، ويعبدوا اللات والعزى، ويموت الأب وهو شيخ كبير تحت التعذيب من توه.

أما الأم الشجاعة، فقد أغلظت القول على أبي جهل، فطعنها لشدة جهله برمحه، فقتلها فهي أول شهيدة في الإسلام، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر بآل ياسر، وهم يعذبون، فيقول لهم: "صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة".

وقد شهدت أيام النبوة أبطالاً خلد التاريخ بطولتهم وشجاعتهم وثباتهم على عقيدتهم، مهما كلفهم ذلك من الثمن، ولو كان الثمن إزهاق أرواحهم الطاهرة، فلنتخذ منهم خبيب بن عديكمثال فقط لندرك أثر العقيدة في نفوسهم.

خبيباً أحد الذين بعثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى بعض القبائل التي تسكن بين مكة والمدينة، وهي قبيلة عضل وما جاورها من القبائل، فبينما هو في طريقه اعتقل ثم حمل إلى مكة وباعه المجرمون لبني الحارث بن عامر بن نوفل، ليقتلوه بحارث بن عامر الذي قتله خبيب يوم بدر.

وفي اليوم المحدد لقتله خرجوا به من الحرم إلى التنعيم ليقتلوه في الحل بعد أن يصلبوه، فاستأذن منهم ليصلي ركعتين، يناجي فيهما ربه، وهو ساجد، فأذنوا له، فصلى ركعتين حسنتين، فلما فرغ، فأقبل عليهم، فقال: أما والله لولا أن تظنوا إنني لجزع من الموت لاستكثرت، أو لأطلق فرفع خبيب على الخشبة، فقيل: ارجع عن الإسلام نخلي سبيلك، فقال: لا والله، ما أحب أن أرجع عن الإسلام، وأن لي ما في الدنيا جميعاً، وله دعوة مستجابة على الكفار في هذه المناسبة في كتب السير وكتب الحديث ولا نطيل بذكرها.

ومما قاله خبيب وهو معلق مصلوب: "اللهم إني لا أرى إلا وجه العدو، اللهم أنه ليس هاهنا أحد يبلغ رسولك عني السلام بلغه عني أنت".

فبلغ جبريل سلامه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه.

فأخذوا يمزقون جلده أشلاء برماحهم، وهو يترنم بأبياته المشهورة التي منها:

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا *** قبائلهم واستجمعوا كل مُجمعِ

وكلهم مبدٍ للعداوة جاهد *** عليّ لأني في وصال بمضبع

وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم *** وقربت من جذع طويل ممنع

إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي *** وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي

فيارب صبرني على ما يراد بي *** فقد بضعوا الحمى وقد يأس مطمعي

وقد خيروني الكفر والموت دونه *** وقد هملت عيناني من غير مجزع

وما بي حذار الموت إني لميت *** ولكن حذاري جسم نار ملفع

ولست أبالي حين أقتل مسلماً *** على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع

ولست بمبدٍ للعدو تخشعاً *** ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي

وفي وسط هذه المحن والمشاكل المحزنة أظهر الله دينه، وقويت شوكته وأعز الله أتباعه حتى قامت له دولة في طيبة فطابت لأتباعه، وطاب مقامهم بها، فجعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- يستقبل الوفود تلو الوفود، وهم يدخلون في الإسلام، ويسألون عن تعاليمه، وفي الوقت نفسه يرسل جيشه إلى الأطراف، ليدعو إلى الله بالتي هي أحسن أولاً، وللمعاند السيف، هكذا أظهر الله الإسلام وأعز أهله، ولو كره الكافرون.

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾[المنافقون: 8].

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[الصف: 9].

أقول ما سمعتم…

الخطبة الثانية:

الحمد لله…

أما بعد:

وقافلة الدعوة تسير، ثم سلم الرسول الزمام لرجال أمناء تسلموا الدعوة، وساروا بها سيرتها الأولى، لم يغيروا ولم يبدلوا، فأخذوا يفتحون القلوب قبل أن يفتحوا البلاد، فأقبل الناس على الإسلام محبة وتقديراً لحملته لما رأوا فيه الرحمة والإنصاف والعدل، وعدم التناقض، وهي الصفات التي جعلت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.

هكذا مثل الإسلام أصحابُ رسول الله وأتباعهم، وحببوه إلى الناس، ثم انتهت تلك القرون التي هي بحق خير هذه الأمة: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

فآل الأمر بعد 14 قرناً إلينا، وأصبحنا شئنا أم أبينا نحن المسئولون أمام الله -عز وجل- عن هذه الدعوة، وتبليغها للناس؛ فمنا المقصر ومنا المفرط ومنا الباذل: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾[المطففين: 26].

لكنها كلمة نقولها للدعاة إلى الله -عز وجل-، في هذا المقام لمن نذر نفسه لله، وكل ينبغي أن يكون كذلك حسب طاقته، يا من أنت الآن في إجازة "غفلة" اعلم أنك وقف لله، فإذا لمع لك فجر الأجر، فليهن عليك ظلام التكليف.

إذا ضاق عليك طريقه، فشق لنفسك ألف طريق، إذا أُغلق دونك باب، فافتح لنفسك ألف باب، ولن تُعدم وسيلة قدم من وقتك يومياً، ولو بضع ساعات، تثقل بها موازينك يوم القيامة.

إذا بزغ لك نجم الهمة في ظلام ليل البطالة، فأردمه بقمر العزيمة، لتشرق الأرض بنور ربها.

أخي المسلم: إنما أنت همة علية، ونفس تضيء، وهمة تتوقد، أنت لا تعيش لنفسك، ويجب أن تقنع نفسك أنك لا تعيش لها.

جد تجد، ليس من سهر كمن رقد، هذا دبيب الليالي يسارقك أنفاسك، وسلع المعالي غاليات الثمن، انظر لنفسك واغتنم وقتك، فالدواء قليل، والرحل قريب، والطريق طويل مخوف، والخطر عظيم، والعقبة كؤود، والناقد بصير.

أخي المسلم: خض ميدان التنافس وأت بجديد، فإن قال لك البطالون والمثبطون: لو تفرغت لنا، فاقرع أسماعهم بصوت عمر بن عبد العزيز: وأين الفراغ، والله لا مستراح للمؤمن إلا تحت شجرة طويى؟.

أيها المسلمون: إن النفس الإنسانية، لابد لها أن تتحرك، فإذا هي كفت عن الشر، ولم تتحرك للخير، بقى فيها فراغ وخواء، قد يردها إلى الفساد -والعياذ بالله-.

إن كل واحد منا -أيها الأحبة- سائر لا واقف إما يميناً أو شمالاً، أو أماماً أو خلفاً، ليس هناك وقوف البتة، إنما هي مراحل تطوى إلى الجنة، مسرع ومبطئ، متقدم ومتأخر: ﴿لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾[المدثر: 37].

أيها المسلمون: أنه لا تمام لحقيقة الإيمان في القلب، حتى يتعرض القلب للمجاهدة في هذا الدين، بدءاً من كراهية الباطل إلى السعي في الإصلاح إلى نقل الناس من الغواية إلى الهدى.

إنها باختصار الدعوة إلى الله، التي تغير ماهية الشيء فتجعل من الرجل غير الرجل ومن القلب غير القلب، تجعل صاحبها كالنحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تخرج إلا طيباً، وإذا وقفت على عود لم تكسره، بل مثل النحلة، ما أخذت شيئاً منها إلا نفعك.

أيها المسلمون: إننا على ثقة بالله -عز وجل-، وإنه ما يزال في الأمة رجال.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم

أيها المسلمون: إنه يراد من كل واحد منكم الآن، وفي هذه الفترة من حياة الأمة أن يقدم الكثير والكثير، يراد من كل أسرة أن تقدم شيئاً لدينها، أن تدخر من قوت شهرها ثمناً لكتاب قيم تقرأه الأسرة، ثم يُهدى لمن ينتفع به، ومبلغاً لمسلم محتاج، وشريطاً نافعاً بالدعوة بالقول والعمل؛ لأننا نفترض بالأُسر أنها صلُحت ونريدها الآن مصلحة بناءة.

نريد من طالب المدرسة أن يدخر من مصروفه، ويسهم به في الدعوة إلى الله، وأن يربى منذ صغره على العمل للإسلام.

نريد من الوجوه أن تتمعر لانتهاك حدود الله، يعقبه تغيير أو إنكار.

نريد من التاجر أن يدعو بماله، يقتطع مبلغاً شهرياً ولو بسيطاً يجعله في مصالح المسلمين، وأحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل لطبع كتاباً، أو بنظر معسراً، ينفس كرباً يقضي ديناً، يطرد جوعاً.

نريد من المدرسين والمدرسات أن يغرسوا الإيمان في قلوب أبناء الأمة، إنهم والله مسؤولون أمام الله عن أولاد المسلمين.

الأمة بحاجة إلى قلوب تعرف الخشوع، وعيوناً تعرف الدموع.

من ذا يعيرك عينه تبكي بها *** أرأيت عيناً للدموع تعار

نطالب المربين تربية، كتربية أبي بكر وعمر وصحبهم -رضي الله عنهم-، لا نريد فراخ الصقور أن تربى تربية الدجاج، فهذا جور، ولا الأُسْدُ أن تربى تربية الخراف.

إن الواقع الآن محتاج إلى كل جهد -أيها الأحبة- محتاج إلى كل جهد مهما ضئل حجمه، وصغرت مساحته، وقل عدده، فعند الله لا يضيع مثقال ذرة: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾[الزلزلة: 7].

الأمة بحاجة إلى مضاعفة الجهد، وتكثيف العطاء، وترجمة الكلام إلى عمل.

آفة الأمة، كثرة الشاكين المتوجعين، وقلة المداويين، كثرة من يسبون الظلام، وقلة من يوقدون ولو شمعة.

نعم -أيها المسلمون- لم يعد أحد هناك إلا ويشكو فمن المشكو منه إذن.

إن علينا أن ننتقل من دائرة الشكوى إلى دائرة العمل المتواصل الدؤوب.

لا ترضى -أخي المسلم- أن تكون من المتفرجين، تنتظر العمل من الآخرين، تنتظر حتى يأتي شخص من الخارج، فيصلح لك أوضاع بيتك، بل يعمل الجميع وكل على قدر جهده وطاقته.

من استطاع منكم أن يميط شوكة من طريق فليميطها، ومن استطاع منكم أن يبذر حبة فليبذرها، من كان عنده علم دعا به، ومن كان عنده مال دعا به فالمسئولية على الجميع، كل بحسبه، والأمة كلها مسئولة عن فرائض الله وحدود الله وشرائع الله وتحكيم كتاب الله.

إن المستمع عليه من المسئولية كما على المتكلم مسئولية تحويل الكلام إلى عمل، والأفكار إلى وقائع، وإن اختلفت درجة المسؤولية المسلم مطالب بالعمل إلى آخر رمق، لو قامت الساعة وبيده فسيلة فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها.

فلينطلق كل فرد حسب طاقته *** يدعو إلى الله إخفاءً وإعلانا

ولنترك اللوم لا نجعله عدتنا *** ولنجعل الفعل بعد اليوم نيرانا

والله لا عمل أنفع للمسلم من عمل يقضيه في الدعوة إلى الله، بياناً باللسان، وجهاداً باليد، ونفقة من العلم، والمال والوقت فكل مسلم على ثغر من ثغور الإسلام، أياً كان تخصصه ومستواه، فالله الله أن يأتي الإسلام من قبله، إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة، همه أداء الواجب والمشاركة حسب طاقته: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾[البقرة: 286].

وإياك ثم إياك أن ترضى بحياة الذل والمسكنة والعبودية لغير الله، فإن المسلم ينبغي له أن يأبى ذلك.

لعمري لئن لم يدرك الأمر أهله *** شباب بسيف العصر دوماً مدججٌ

وشيب بمحراب الرسول قلوبهم *** وألبابهم في موكب العلم هودج

فإن الرحى لن يخطئ الحبّ طحنها *** ولله ناموس من العدل أبلج

اللهم استعملنا في طاعتك ولا تستعملنا في …


تم تحميل المحتوى من موقع