عناصر الخطبة
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن من قواعد هذا الدين وأصوله التي بني عليها: الدعوة إلى الله، والنصيحة للمسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله -جل وعلا-: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾[آل عمران: 104].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".
أيها المسلم: إن الدعوة إلى الله مهمة شريفة، ولداعي إلى الله فضل عظيم، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا".
ويقول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: "فَوَ اللَّهِ لأَنْ يُهْدَى الله بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
أيها المسلم: والدعوة إلى الله لا بد لها من آداب شرعية، فمن تأمل كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يرى أن هناك آداباً للدعوة، لا بد أن يتحلى بها الداعية، ويأخذ بها، لتكون سببا في نجاح دعوته، وقبول الناس لها، فمن تلكم الآداب:
أولاً وقبل كل شيء: أن يكون الداعية إلى الله، مخلصا لله في دعوته، يريد بدعوته وجه الله، والدار الآخرة، فإن الإخلاص سبب لقبول الأعمال، فمن عمل صالحا لغير وجه الله، فإن عمله عليه مردود، ولا ينفعه ذلك العمل، ولا يفيده.
فلا بد من نية صادقة: أن يقصد بدعوته هداية الخلق، إصلاح الخلق، وتقويم أخطائهم، وتوجيهم إلى الطريق المستقيم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾[يوسف: 108].
ولا بد للداعية إلى الله: أن يكون متسلحاً بالعلم، فإن من دعا على جهل، كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فلا بد له من علم بالواجبات والمحرمات، والحلال والحرام، لا سيما في مجال دعوته، والعلم بأحكام الدعوة والمدعوين، فيكون على بصيرة من أمره.
ومن الآداب التي يتحلى بها الداعية: أن يبدأ في دعوته بالأصل العظيم، والمهمة الكبرى: الدعوة إلى توحيد الله، وإفراده بالعبادة، فإن هذا الأصل العظيم الذي لأجله خلق الله الخليقة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 56].
وأنبياء الله ورسوله ابتدءوا دعوتهم إلى توحيد الله، وإخلاص الدين له، والتحذير من الشرك وذرائعه ووسائله، يقول الله -جل وعلا-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل: 36].
ويقول جل وعلا مبينا دعوة الرسل، وأساس دعوتهم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء: 25].
وأخبر عن دعوة أنبيائه؛ من نوح إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-، كل رسول يبدأ دعوة قومه بدعوتهم إلى توحيد الله، وتحذيرهم من الشرك به، قال الله عن نوح -عليه السلام-: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[الأعراف: 59].
وقال عن هود -عليه السلام-: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف: 65].
وقال عن صالح -عليه السلام-: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف: 73].
وقال عن شعيب: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف: 85].
وقال عن إبراهيم -عليه السلام- أنه: ﴿قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾[العنكبوت: 16].
هكذا دعوة الرسل، يبدءون بالتوحيد قبل كل شيء، ويكون التوحيد في أصل دعوتهم يحافظون على تأسيسه وتأصيله؛ لأن بتأسيس هذا التوحيد في القلب، يمكن النظر في كل الأعمال، وإذا كان هذا الأصل مفقوداً، فكل الأعمال لا خير فيها: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾[الزمر: 65].
فيا دعاة الإسلام: اجعلوا التوحيد مبدأ دعوتكم، أصلوا هذا الأصل وقرروه في نفوس العباد، دعوة إلى توحيد الله، وإخلاص الدين له، وإفراده بجميع أنواع العبادة، وأن لا يعبد إلا الله وحده، على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومن آداب الدعوة: أن يكون الداعية ذا علم بحال المدعوين، فيخاطب كلاً بالأسلوب المناسب له، فشرائح المجتمع مختلفة، ما بين متعلم وعالم وعامي، فيخاطب كلاً بما يناسب وضعه، وبما يليق بمقامه، قال الله -جل وعلا-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[إبراهيم: 4].
فلا بد للداعية أن يختار الأسلوب المناسب لكل فئة من فئات المجتمع، ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وجه معاذا إلى اليمن، قال له: "إِنَّكَ تَأْتِى قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ".
قالوا العلماء: ليستعد للمناظرة والمجادلة؛ لأن مجادلة صاحب العلم، ليس كمجادلة الجاهل، وقليل المعرفة.
ومن آداب الدعوة إلى الله: البداءة بالأولويات والمهمات، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ: "إنك تأتي قوما أهل كتاب، فليكن أول ما تدعهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم".
فدل على الأولويات: أن يبدأ بالتوحيد، ثم الصلاة والزكاة، والصوم والحج، وهكذا واجبات الإسلام، يبدأ بالأهم فالأهم، وبالكبير قبل الصغير؛ لأن تأصيل هذا من أسباب نجاح الدعوة.
ومن آداب الدعوة: استعمال كل وسيلة يمكن من خلالها أن يوصل دعوته، ويبلغ الكثير من الناس.
ومن ذلكم: وسائل الإعلام: المقروءة والمسموعة والمرئية.
ومن ذلكم: التقنيات الحديثة بجميع وسائلها، والتواصل الاجتماعي، وغير ذلك.
فيا ليت كتابنا، ويا ليت المغردين: يجعلوا تغريداتهم في الدعوة إلى الله، وكلمة حق يقولونها، والباطل يحذرون منه.
يا ليت يشغلون مواقعهم بالدعوة إلى الخير؛ لأن هذه المواقع تبلغ الآفاق، ويسمعها الملايين من البشر.
فلو كان الدعاة في تغريداتهم يوجهونها للدعوة إلى الله، إلى دينه، وإلى توحيده، والتحذير من الشرك وذرائعه، والتحذير من منكرات الأخلاق والأعمال، لكان أولى من قيل وقال، وكلام فارغ، لا حقيقة له، ولا منفعة فيه.
فيا دعاة الإسلام: استغلوا هذه الوسائل بما فيه خير لكم في دينكم ودنياكم، استغلوها بالدعوة إلى الله، وإرشاد عباد الله، وتحذيرهم من مخالفة شرع الله، فذلك الخير والهدى.
ومن آداب الدعوة: أن يكون الداعية إلى الله لديه حكمة وموعظة حسنة، بأن يدعو إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله، موعظة حسنة، يرغب ويرهب، ويذكر الوعيد، ويحذر من معاصي الله، ويرغب في طاعة الله، ويجتنب العنف والشدة، والغلظة والعجلة، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما وضع الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ".
ومحمد -صلى الله عليه وسلم- سيد الأولين والآخرين، للدعاة فيه، أسوة حسنة في صبره، وخطابه للناس، ورفقه بالجاهل، وتعليمه إياه.
ومن آداب الدعوة: أن لا تحتقر مدعواً إلى الله، وأن لا تظهر تغلبك عليه، وعلوك عليه، لا بد أن تظهر له أنك أخ له، تحب الخير له، وتكره الشر له، وتنصحه لله، وتنقذه من عذاب الله، ليشم منك الرحمة والمودة، والقصد الحسن، حتى يطمئن إلى دعوتك، ويعلم أن قصدك الخير والإحسان.
ومن آداب الدعوة إلى الله: أن يكون الداعية متحليا بالصبر والأناة، فإن الداعية إلى الله لا بد أن يواجه أقولاً سيئة، وأفعالاً سيئة، فيقوم نفسه على الصبر والتحمل في ذات الله: (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[العنكبوت:1-3].
فلا بد من صبر واحتساب وتحمل، قال الله -جل وعلا-: ﴿وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾[العصر:1-3].
تواصوا بالعلم والعمل، تواصوا بالدعوة إلى الله، تواصوا بالصبر على ذلك.
منهج الأنبياء والمرسلين؛ مواجهة الشدائد والكربات؛ بالصبر والتحمل، قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)[الأحقاف: 35].
وقال: ﴿وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[هود: 120].
فاصبر -أيها الداعية إلى الله- على ما يصيبك، واعلم أن هذا طريق خير وعزة، لكن لا بد فيه من صبر وتحمل.
ومن آداب الدعوة: أن لا يمل الداعية إلى الله، ولا يسأم، ولا يستعجل؛ بل هو في طريق خير، وعمل صالح، فلا يمل في دعوته، ولا يضجر، فالأنبياء -عليهم السلام- قاموا بالدعوة إلى الله، وصبروا وصابروا، ومنهم من لقي الله، ولم يتبعه أحد من قومه، هذا نوح -عليه السلام- يقول الله عنه: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾[العنكبوت: 14].
ومع هذا يقول الله: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾[هود: 40].
ويقول عن نوح -عليه السلام-: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً﴾[نوح: 5].
ويقول: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً(9)﴾[نوح: 8-9].
فدعاهم إلى الله ليلا ونهارا، سرا وجهرا: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾[العنكبوت: 14].
فما استجاب له إلا القليل.
فيا أيها الداعية إلى الله: لا تستعجل ولا تمل، اصبر، واثبت على الحق، واستعن بالله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾[لقمان: 17].
ومن آداب الدعوة: أن يكون الداعية إلى الله ذا خلق كريم، وسيرة حسنة، وعمل صالح، يعمل قبل أن يدعو، وأقواله وأعماله متطابقة، لا يدعو الناس إلى شيء ويخالفه، قال جل وعلا: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾[البقرة: 44].
وقال: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾[الصف: 3].
فيا أيها الدعاة إلى الله: كونوا أسبق الناس عملا بما تدعوهم إليه، وبعدا عما تحذروهم منه، فإنكم إذا كنتم كذلك؛ قبل الناس منكم، ولكم في نبي الله شعيب، حيث يقول لقومه: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾[هود: 88].
هذه هي آداب شرعية، ينبغي للدعاة إلى الله أن يتحلوا بها، ويتخلقوا بها.
أسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.
عباد الله: إذ علمنا أن الدعوة إلى الله سبب لإصلاح الخلق، وجمع كلمتهم، وتوحيد صفهم.
الداعية إلى الله ناصحٌ موجه، ذو خير وصلاح، يريد للمجتمع الخير والصلاح والهدى، يريد إصلاح الأخطاء، وتقويم الاعوجاج، يريد الهداية للخلق، ولكن هناك منزلقات شديدة إذا وقع الداعية إلى الله في شيء منها، تحولت دعوته من أن تكون إصلاح إلى فساد، ومن اجتماع إلى تفرق، ومن تبديل الأهداف إلى مشاكل تخل بالدعوة، بل تخل بأمن المجتمع، من تلكم المزالق:
أن يكون يدعو الداعية إلى جماعة معينة، أو فئة معينة، يناضل لها، ويدعو إليها، ويوالي عليها، أحقاً هي أم باطل، مهمته هذا الحزب الذي ينتمي إليه، والجماعة التي ينتمي إليها، يدعو إليها، ويحبذ الدعوة إليها، ويوالي ويعادي لأجلها، غاظا نظره عن أخطائها ومساوئها، لا يبالي بشيء من ذلك، هو مقتنع بهذا الحزب والجماعة، فيدعو إلى هذه الجماعة، وإلى أهدافها، وإلى فلان وأهدافه وآرائه، إما شخص، أو جماعة، يدعو إليهم، ولغاية إعلاء كلمتهم ومقصدهم، غاظا نظره عن أخطائهم ومساوئهم.
ومن المزالق أيضا: أن تكون الدعوة على منهج يخالف الكتاب والسنة، وما عليه سلف هذه الأمة، فإن هذا ضار ومؤذ.
ومن المخالفات أيضا: أن تكون الدعوة لها جانبان: جانب ظاهري، وجانب سري خفي، لا يعلمه إلا أفراد الجماعة، والمنتسبون إليها.
ولا شك أن هذا خطأ عظيم، وإن تظاهروا بالدعوة إلى الحق والكتاب والسنة، لكن أمورهم السرية الخفية التي تخضع وترجع إلى مضلات مجهولة -الله أعلم بحالها- هذا أمر غير لائق، فنبينا -صلى الله عليه وسلم- كان واضح في دعوته، يعلم أعداءه حقيقة ما يدعو إليه، كما يعمل أتباعه، لهذا لما سأل هرقل أبا سفيان: ماذا يدعوكم محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: يقول لنا: "أعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، ودعوا ما كان أسلافكم، ويأمرنا بالصلاة، والصلة، والصدق، والعفاف".
هكذا دعوته صلى الله عليه وسلم، كانت واضحة لكل القبائل: "من يؤوني حتى أبلغ رسالة ربي، وله الجنة".
دعوة صريحة واضحة، ليس فيها بنود سرية، وأشياء سرية، وأشياء ظاهرة؛ بل هي علنية، واضحة لا شك فيها، ولا غبار عليها.
أما الدعوات المشبوهة، والدعوات المغلفة، فإنها تظهر لنا وجها، وتخفي عنا أوجه كثيرة، تظهر لنا اتباع الكتاب والسنة، وتخفي عنا ما كانوا يقصدونه ويهدفون من أمور خطيرة، ودعوات مشبوهة، وعلى غير منهج قويم.
ومن الأخطاء والمزالق: أن تكون الدعوة دعوة سياسية محضة، يريدون بدعوتهم سياسية خاصة، وهذه الأمور السياسية قد تكون خدمة لأعداء الإسلام قبل أن تكون للمسلمين، قد تكون خدمة لأعداء الإسلام، يعيش تحت مظلة أولئك وأفكار أولئك ووساوس أولئك.
فليحذر الدعاة من أن تسير دعوتهم، وتكون دعوة سياسية، بعيدا على الكتاب والسنة، فهذه الدعوات لا تؤثر خيرا، ولا تنفع الأمة، ولا تفيدها بشيء؛ بل تسعى في تفريق شملها، وتشتيت كلمتها، وتمزيق أمنها.
فليحذر المسلمون من هذه الأمور، ولتكن الدعوة دعوةً صريحة واضحة المنهج، واضحة المبادئ، لا كتمان فيها، ولا خفاء، ولا مقاصد سيئة، وإنما القصد والغاية: وجه الله: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف: 108].
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾[النحل: 125].
هذه الدعوات دعوة صادقة.
أما هذه الدعوات المشبوهة، والجماعات المشبوهة، التي تظهر للناس خلاف ما تبطن، وتخفي أمور خفية، لا تظهر؛ لأنها لو أظهرت جميع ما عندها ما قبله الناس، وما رضوا بها، لكنهم يغلفونها أحيانا بغلاف ديني، والله أعلم ما وراء ذلك.
فليحذر هؤلاء من النوايا السيئة، فإن الله: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾[غافر: 19].
نسأل الله الإخلاص في الأقوال والأعمال؛ إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله-: أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهدين؛ أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
اللَّهمَّ وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه.
اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وبارك له في عمره وعمله، وألبسه ثوب الصحة والسلامة والعافية، ووفق ولي عهده سلمان بن عبد العزيز، والنائب الثاني إلى الخير والتقوى؛ إنك على كل شيء قدير.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10].
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الأعراف: 23].
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[البقرة: 201].
عبادَ الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾[العنكبوت: 45].