عناصر الخطبة
أما بعد:
فإن الله خلق الخلق من ذكر وأنثى، وسخر بعضهم لبعض، وجعل بعضهم قائداً وسيداً وولياً على بعض، فبذلك استقامت شؤونهم، واستمرت حياتهم، قال تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32].
ولما كانت حياة الناس لا تستمر إلا بتسخير بعضهم لبعض، جاء في الشريعة التأكيد على مراعاة جانب الولاية والسيادة.
ومن أنواع الولاية التي أولتها الشريعة بالاهتمام: ولاية الرجل على المرأة، وقوامته عليها.
وهي من فطرة الله للخلق أن جعل الرجل راعياً للمرأة، قائماً على شؤونها، ولذا ركب الله في الرجل من خصائص القوامة والولاية، ما لا يوجد عند المرأة.
قال الله -تعالى-: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34].
عباد الله: إن قوامة الرجل على المرأة شرع الله الذي لا محيد عنه، ولا خيار لنا في العدول عنه؛ فمن أراد الفلاح والسعادة في الدارين، فعليه بالتمسك به، فما من شيء شرعه الله إلا وفيه الصلاح والفلاح، حيث إنه الخالق -سبحانه-، وهو أعلم بما يصلح عباده.
ولقد تأثر فئام من الناس بما يبثه الغرب الكافر من أفكار عفنة حول قوامة الرجل على المرأة ظاهرها الدفاع عن حقوق المرأة المضيعة، والعدل والرحمة، وباطنها دفع الناس إلى حرية فاجرة حائرة ضاعت بسببها مجتمعاتهم، وتخلخلت بها أسرهم، وأنتجت لهم هذه الحرية المزعومة مجتمعاً هوايته الإجرام، وتسليته الزنا، وتفثات غضبه القتل.
مجتمع المواليد غير الشرعيين فيه يقارب، أو يزيد أحياناً على مواليد النكاح الصحيح، كما أثبتته إحصائياتهم.
مجتمع تخالل فيه المرأة من تشاء، وإن كانت متزوجة، وتدخل إلى بيتها من تشاء، بل إلى قعر دارها من تشاء.
مجتمع صغيرات السن فيه يعرفن ويعملن مثل أو أكثر مما تعرفه وتعمله المتزوجات؛ تقول إحدى إحصائيات واحدة من أكبر الدول الأوربية إن 9 آلاف فتاة صغيرة لم يتجاوزن سن 16 سنة حملن سفاحاً في عام 96 فقط، ويولد في هذه الدولة أيضاً نحو 43 ألف طفل من سفاح، لأمهات غير متزوجات تتراوح أعمارهن بين 15 – 19 سنة، إذا فما حال من هن فوق هذا السن؟.
وأما حال العلاقات الزوجية، فحدث ولا حرج عن عدد حالات الطلاق ونسبتها الكبيرة، إضافة إلى حالات الاعتداء من الطرفين بالجرح والضرب والقتل.
وإنك لتعجب مع هذا كله ممن هم من أبناء المسلمين، أو من المحسوبين على الإسلام من قد تأثر بأفكار أولئك، فحذا حذوهم، فلا حسن إلا ما رأوه حسناً، ولا قبيح إلا ما رأوه قبيحاً.
فأجلب هؤلاء بخيلهم ورجلهم يشوهون ويسخرون من قوامة الرجل الشرعية، فيتهمونها بالتخلف والتسلط. وينفثون في المسلمين ما تلقوه عن أسيادهم من الكفرة والملاحدة.
ولقد تولى نشر أفكارهم العفنة التي هي زبالة أفكار الغرب تلك المجلات العاهرة، والقنوات الفضائية التي امتلأت بكل شيء إلا من الدين والأدب والفضيلة والفائدة.
فأخذت تطنطن بكل ما تزعمه من حقوق للمرأة مضيعة، ضيعتها قوامة الرجل الشرقي، أي المسلم، فحملوا الراية لمحاربة الفضيلة، وشعاراتهم التي يهتفون بها: اعتقوا المرأة، دعوها تنطلق، دعوها تعيش كما تشاء، تلبس ما تشاء، تعمل ما تشاء، تجالس من تشاء، تخالط من تشاء.
فلما أعياهم مخاطبة الرجل وإغراؤه بترك قوامته، والتخلي عنها، وجهوا خطابهم إلى المرأة الضعيفة، فأغروها ببعض الشعارات البراقة المخادعة، حيث أظهروا لها المرأة المطيعة لزوجها الحافظة لحقوقه، القارة في بيته، بصورة المرأة المتخلفة الجاهلة، ضيقة الأفق، بخلاف ما عليه المرأة المتحضرة زعموا، حيث جعلوا تفلتها عن قوامته، وخروجها عن طاعته، إثباتاً لذاتها وحريتها، وانعتاقاً من رق القرون المتخلفة.
﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30].
عباد الله: الناس في القوامة على المرأة طرفان ووسط.
– طرف ضيع القوامة ولم يرع الأمانة فألهته دنياه عن أن ينظر في حال بيته، ومن تحت يده من النساء.
فالمرأة عنده تخرج متى تشاء، إلى أي مكان تشاء، من غير إذنه، تلبس ما تشاء، بل وصل الأمر في بعض البيوت إلى أن الزوجة هي التي تأمر وتنهى، وتطاع فلا تعصى.
ولا عجباً أن النساء ترجلت، ولكن تأنيث الرجال عجيب، ترى بعض الأزواج لا يشارك الرجال إلا في صورته الظاهرة، بينما المرأة تدبر أمر بيتها، وتتحكم في مصير أولادها، دون رجوع إلى رأي الزوج، بل ولا حتى مشاورته، أو إشعاره بما عزمت عليه من الرأي والتدبير.
وما يلاحظ في المجتمع من منكرات في صفوف النساء ممثل السرف والبذخ في حفلات الزواج، وما يلبس في هذه الحفلات من ألبسة تخل بالدين والأدب، وكذا ما يحدث في الأسواق من تبرج وسفور، وكشف للوجه، أو بعضه، كالعينين، وغيرها.
هذه المنكرات إنما منشؤها وأحد، أسبابها التراخي في القوامة الشرعية التي وكلها الله إلى الرجل.
والطرف الآخر: طرف استبدل القوامة الشرعية بقوامة بهيمية لا تمت إلى الإسلام بصلة، فالمرأة عنده بلا حقوق مرعية، مسلوبة الرأي، والقدرة على المشاركة الزوجية.
تواجه الضرب والشتم واللعن لأسباب واهية، ولئن قيل له: اتق الله تلا عليك قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾[النساء: 34].
وهناك قسم آخر: هم أهل القوامة الشرعية التي أمر الله بها وشرعها في كتابه وعمل بها نبيه، واقتدى به أصحابه من بعده.
وهذه القوامة هي التي يراعي فيها الزوج حق المرأة الشرعي في نفسها، ومالها ورأيها.
مع الإمساك بزمام الأمور، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتربية الحسنة لها، والمعاشرة بالتي هي أحسن.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
بارك الله لي ولكم…
أما بعد:
أيها المؤمنون: إن القوامة التي جعلها الله بيد الرجل يجب أن يعمل بها وفق ما شرع الله، وليست كما يظن بعض الناس أنها سلطة مطلقة، لا يسأل فيها عما يفعل.
فالقوامة مبناها على العدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، وهي كذلك ليست مقتصرة على الزوجة، بل على كل من هم تحت يدك من أهل بيتك من النساء والصبيان.
وليحذر من ضيعها قول النبي المتفق على صحته: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
وليحذر من استعملها في غير محلها قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه"[أخرجه مسلم].
وكذلك قوله: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"[أخرجه مسلم].
عباد الله: إن شأن المسؤولية عظيم، فكل منا مسؤول عما ولاه الله -تعالى- من الذرية كما قال: "الرجل راع في بيت أهله ومسؤول عن رعيته" ومتى ما ضيع الرجل مسؤوليته، أو وكلها إلى من ليس بأهل لها، فقد عرض نفسه للإثم والعصيان، وكيف لا يكون ذلك وفيه ضياع لمصالح كثيرة وإحلال لمفاسد كثيرة.
فعليك أيها الرجل أن تتقي الله في نفسك، وما تحملته ذمتك من الأمانة، فإن ضيعت نفسك عن ذلك، أو عن بعض ذلك فادع الله -تعالى- بطلب العون والتوفيق، واستشر أهل الرأي والحزم، فلعل الله أن يعلم ما في قلبك من حب لإصلاح أهل بيتك والإحسان إليهم، فيجعل لك من أمرك يسراً ومخرجاً.
ثم صلوا وسلموا -عباد الله- على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].