من آداب الرحلات

عبد الله بن محمد الطيار

عناصر الخطبة

  1. الآداب الإسلامية القويمة ثمرة الإيمان الصادق
  2. أحوال الناس عند خروجهم إلى التنزّه والبَرّ
  3. من أحكام الرحلات
  4. من آداب الرحلات

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

أيها المؤمنون: الكون فيه آيات عظيمة تدل على عظمة الله وقدرته، وعظيم إبداعه وصنعه، قال -تعالى-: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:88]، وقال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) [آل عمران:190].

إن مما يزيد الإيمان، ويقوي الإسلام، ويربط الإنسان بالخالق لهذا الكون، كثرة التفكر والتدبر في مخلوقات الله، في السماء ونجومها، والأرض وجبالها، والليل وشدة سواده، والنهار وروعة صفائه.

كل ذلك يجدد الإيمان، ويقويه، ويدخل السرور على النفس، ويقوي الصلة بالخالق العظيم المدبر لهذا الكون.

عباد الله: وإن من خصائص هذا الدين وعظمته وشموله أنه جاء بآداب عظيمة وأخلاق فاضلة ينضبط بها المسلم في كل زمان ومكان، في بره وبحره وجوه وعلى سائر أحواله.

إن هذه الآداب هي ثمرة الإيمان الصادق، والإسلام الكامل، والاستقامة على دين الله؛ فالدين مبني على عقيدة صحيحة، وعبادة خالصة، وآداب سامية.

وفي هذه الأيام تكثر رحلات الناس إلى البرِّ والنزهة، وهم محتاجون لبيان بعض الأحكام والآداب، وقد كان نبيهم -صلى الله عليه وسلم- يخرج إلى السلاع، وهي مجاري الماء؛ ليرى عظمة الكون وقدرة الخالق، وليستجم ويروح عن نفسه.

عباد الله: والناس يتفاوتون في خروجهم إلى النزهة والبرِّ، فمنهم من يجعل مراقبة الله شغله الشاغل وهمه المستمر، وهؤلاء يحرصون على مرضاة الله؛ فيقيمون رحلتهم على أساس تقوى الله، وطلب مرضاته، فلا يغفلون عن الذكر والتفكر، ويحرصون على أداء العبادة على وجهها الصحيح.

ومن الناس من يكون همّه اللعب والعبث واللهو وتضييع الأوقات، وهؤلاء في غفلة، والوقت يمر عليهم وسيحاسبون عنه: بأي شيء قضوه؟ وكيف ضيعوه؟ كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه".

عباد الله: ومن آداب الرحلات وأحكامها: ذكر دعاء النزول في المنزل، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيء حتى يرتحل من مكانه".

ومنها الأذان في وقت الصلاة، وأداؤها جماعة، وعدم التساهل في ذلك، وإذا كانت المسافة مسافة قصر فلهم الجمع والقصر حتى ولو كانوا في خيمة، أو على شاطئ، ما داموا بعيدين عن المساجد، ومدة إقامتهم أربعة أيام فأقل.

وللمسلم المسافر أن يمسح على خفيه ثلاثة أيام بلياليها، ما دامت إقامته في سفره أربعة أيام فأقل.

ولا تلزم المسافر صلاة الجمعة، بل يصليها ظهرا قصرا، وله أن يجمع معها العصر؛ أما إذا صلاها جمعة مع خطيب فلا يجمع معها العصر، لعدم ثبوت ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من أصحابه.

ومن آداب الرحلات الحرص على أداء صلاة الفجر في وقتها ولو أدى ذلك إلى تناوبهم في الحراسة إلى صلاة الفجر؛ لئلا يفوت عليهم الوقت، وغالب أحوال من يخرجون إلى البر أنهم لا توقظهم إلا الشمس، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

ومنها الصلاة بالنعال، وهذه سنة ينبغي للمسلم أن يحييها، إذا كان في البر فيصلي بنعاله؛ لأنه لا يمكن ذلك داخل المساجد.

ومن الآداب عدم الإسراف في المطاعم والمشارب، والحرص على إعطاء ما يزيد منها للمحتاجين من الرعاة وأهل الحاجة.

ومن الآداب نظافة المكان والحرص عليه، فليس هو ملكًا للنازل فيه؛ بل هو مرفق عام لكل الناس، فليتعامل النازل فيه كما يتعامل إذا كان في بيته.

ومنها عدم أذية الناس برفع الأصوات وإزعاج الآخرين، وكذلك عدم استماع المحرمات واستعمالها كالغناء والتصوير وغيرها.

ومنها وجوب احتشام النساء وتسترهن إذا ذهبن يمشين حول المكان، فالله -جل وعلا- مطلع عليهن، والحكم لا يختلف عن البلد، بل في البرِّ يزداد الأمر أهمية؛ لخطورة الموقف وآثاره عليهن وعلى أهلهن.

ومنها عدم الإزعاج بأبواق السيارات والتفحيط والاطلاع على عورات الناس، فالله -جل وعلا- مطلع ورقيب.

ومنها عدم السهر الذي يؤدي إلى إزعاج الآخرين، ويتسبب أيضًا في عدم القيام لصلاة الفجر في وقتها، وصدق الله العظيم: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، وقال -تعالى-: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:162].

بارك الله لكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من العظات والذكر والحكيم.

أقول ما تسمعون، فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق الخلق ولم يتركهم هملا، بل أرسل لهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب؛ ليعبدوه حق عبادته.

وأشهد أن لا إله إلا الله المعبود وحده دون سواه، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله الذي حقق العبودية لربه في كل أحواله -صلى الله عليه وسلم-.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.

واعلموا أن من آداب الرحلات وأحكامها: عدم اللعب بالأشياء التي توقع الضرر ولها خطورة كبيرة، مثل العبث بالنار، والعبث بالسلاح، والعبث بالماء البارد كما يفعله بعض الشباب فيما بينهم.

وبعض الناس يخرج إلى البر أياماً ويهمل بيته وأولاده، وقد يحصل من المفاسد شيء كثير، وهذا تقصير في الواجبات الشرعية، فعلى الإنسان أن يراعي مثل هذا الأمر، ويرتب أمور بيته قبل خروجه للرحلة.

وبعض الناس يتساهل في الطهارة إذا أصابته جنابة، فيظن أنه يعدل إلى التيمم حتى مع توفر الماء، وتوفر وسائل التدفئة، وتوفر مكان الاغتسال، وهذا خطأ، فلا يجوز للمسلم أن يعدل إلى التيمم إلا إذا انعدم الماء، أو عجز عن استعماله؛ أما إذا كان بإمكانه استعمال الماء وتسخينه ووجد المكان الذي يغتسل فيه فهنا يجب عليه أن يغتسل بالماء.

وبعض الخارجين إلى البرِّ يتساهل في قتل الحشرات وبعض الزواحف، ويضعها أحيانا في النار، وهذا لا يجوز، بل إذا آذته يقتلها لكن دون وضعها في النار، فلا يعذب بالنار إلا الله جل وعلا.

ويجوز للمسلم أن يمسح على العصابة التي على رأسه إذا كانت مشدودة، وهكذا "القبع" الذي يشق نزعه فله أن يمسح عليه، ولا يلزمه أن يكشف رأسه؛ لأن طهارة المسح فيها تيسير، ولله الحمد والمنة.

إن بعض الأولاد من أبوين مفترقين بحيث يكون الأب طلق المرأة… قد يضيعون بين هذين الأبوين، فتجد الولد يقول لأمه: سأكون عند أبي، ويقول لأبيه: سأكون عند أمي، ويضيع الولد بينهما، ويخرج مع رفقة سيئة، ويترتب على ذلك مخاطر عظيمة.

والمسؤولية تقع على الأب بالدرجة الأولى، فهو مسئول أمام الله عن أولاده؛ لأن جانب الأم ضعيف، وقد لا تقدر على الأولاد، وهنا يسافر الولد مع غيره وأبواه لا يعلمان عنه، فاحرصوا أيها الآباء على أبنائكم وبناتكم، واجتهدوا؛ لعل الله أن يصلح لنا ولكم الذرية.

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.

اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا وأمننا بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا رب العالمين.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، اللهم أمده بعونك وتوفيقك، واجعل عمله في رضاك يا أكرم الأكرمين، اللهم أصلح له البطانة، واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد، وتنفع به العباد…

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع