عناصر الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرَاد ما العالَمُ فاعِلوهُ، وَلَوْ عَصَمَهُم لمَاَ خالَفوهُ، وَلَوْ شاءَ أنْ يُطِيعُوهُ جَمِيعًا لأَطاعُوهُ.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، نبي شرح الله له صدره، ورفع الله له ذكره، ووضع الله عن وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، صلى الله وملائكة والصالحون من خلقه عليه، كما وحد الله، وعرًّف به، ودعا إليه، اللهم وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، وخشيته تبارك وتعالى في الغيب والشهادة، قال ربنا -جل ذكره-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 1].
ثم اعلموا -عباد الله-: إن ربنا -تبارك وتعالى- أخبر عن خليله إبراهيم عند مجادلته لأبيه؛ كما أخبر جل ذكره في سورة مريم من قول ابراهيم لأبيه: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً﴾ [مريم: 47]، قال أهل العلم: الحفي، معناه: البر وشدة الإلطاف.
والمعنى أن إبراهيم -عليه السلام- في مقام عظيم من لطف الله -جل وعلا- به، ولا أحد يشك في مقام خليل الله إبراهيم -عليه السلام- عند ربه، قال ربنا -جل وعلا-: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل: 120].
لكن الأمة متفقة على أن مقام رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عند ربه أعلى، فهو عليه الصلاة والسلام في أعلى مقامات الإلطاف من ربه -جل وعلا-.
ولطف الله -جل وعلا- بنبينا -صلى الله عليه وسلم- لطف ظاهر، يدل عليه القرآن، تدل عليه السنة، يدركه كل من تأمل أيامه وحياته، وغدوه ورواحه صلوات الله وسلامه عليه، إذ أخذ الله -جل وعلا- الميثاق على النبيين من قبل أن يبعثه، ثم اختصه الله -جل وعلا- بأن المساجد أحب البقاع إلى الله، والثلاث ذو الفضل منها: المسجد الحرام، اختار الله بلدته مولدًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمسجد النبوي، اختار الله -جل وعلا- بلدته ليموت، ويقبر فيها -صلوات الله وسلامه عليه-، والمسجد الأقصى اختاره الله -جل وعلا- لئن يتقدم بالنبيين، فيكون هو السيد والإمام -عليه أفضل الصلاة والسلام-.
ومن لطف الله -جل وعلا- بنبيه وإكرامه له: أن اختار له أمثل رعيل، وأكمل جيل: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 62].
ومن لطف الله -جل وعلا- بنبيه: أن اختار الله له أزواجه أمهات المؤمنين، المبراءات الطاهرات -رضوان الله عليهن أجمعين- بلا استثناء.
وقد كان سلف الأمة في القرن الأول المفضل، وما زال عليه عمل المسلمين إلى يومنا هذا الترضي عن أولئك الأصحاب، وذكر مناقبهم، وستر ما قد حصل ما بين بعضهم، وإجلال أمهات المؤمنين؛ لأن ربنا -جل وعلا-، وهو أحكم الحاكمين، قضى بأنهن أمهات لنا، قال الله -جل وعلا-: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6] إلا إنه ظهرت في الأمة نابتة سوء، فسدت عقيدتهم، وخبثت طويتهم، فتجرأوا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخصوا كثيرًا منهم بأعظم الذنب، وأقبح السباب، وما زال الأمر يكبر يومًا بعد يوم، يسقى بماء الحقد، وتلقحه رياح الضغينة، حتى ظهر في زماننا هذا، في عصرنا هذا من يقول الأقاويل التي لا يمكن أن يتجرأ عليها عاقل في أم المؤمنين المبرأة الطاهرة عائشة بنت الصديق -رضي الله عنها وعن أبويها- حتى جعل بعضهم -عياذًا بالله- أن اليوم الذي ماتت فيه ينبغي أن يكون يوم فرح، ويوم عيد، بل قال بعضهم: إن الصلاة في يوم وفاتها فرحًا بوفاتها، مضنة إجابة دعاء، ولا ريب -عياذًا بالله- أن هذا من الضلال المبين بمكان، والمقام اليوم ليس مقام بيان فضل عائشة -رضي الله عنها-؛ لأن العرب تقول، ونعم ما قالت:
وَلَيسَ يَصِحّ في الأفهامِ شيءٌ *** إذا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ
وتقول:
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ *** إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
ففضل عائشة -رضي الله عنها- بين ظاهر، وحسب المؤمن: أن يعلم أن الصديقة مريم بنت عمران رميت في عرضها، فبرأها الله -جل وعلا- على لسان نبيه: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً(30)﴾ [مريم: 29 – 30].
وأن الصديق يوسف قبلها: أتهم في عرضه، فبرأه الله على لسان صبي.
واتهمت أم المؤمنين؛ حياة رسولنا الله -صلى الله عليه وسلم- في عرضها، بصَفْوَان بن الْمُعَطِّلِ، فبرأها الله -جل وعلا- بكتاب منزل من السماء، تحفظ آياته في الصدور، وتتلى في المحاريب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: ﴿أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور: 26]، هذا قول أحكم الحاكمين -جل جلاله-، فالمقام إذًا ليس مقام عاطفة وبكاء، وإظهار فضل عائشة، وهي من سيدات النساء، لكن المقام ينطبق عليه قول الله -جل وعلا-: ﴿وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55] ليزداد الذين آمنوا ايماناً، ويزداد الذين في قلوبهم مرضًا مرضاً، فيكونون أكثر ما يكونون بعدًا عن الله، وأقرب ما يكونون إلى عذابه -نعوذ بالله من فجأة نقمته، وزوال نعتمه-؛ إنه يقال لمثل هؤلاء الأباعد: أأنتم أعلم أم التابعون من هذه الأمة؟ وقد كان الشعبي يروي -رحمه الله- عن مسروق: أنه كان إذا حدث عن عائشة كان يقول: حدثتني الصادقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقال لهؤلاء الأباعد: أأنتم أعلم أم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهم الذين زكاهم الله في القرآن؟ كانوا يتحرون بهداياهم يوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند عائشة، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقال لهم: أأنتم أعلم أم أمين الوحي جبريل -عليه السلام-؟ وقد كان يقرئ عائشة السلام، يبعث سلامه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان رسول الله، فكان صلوات الله وسلامه عليه يقول لعائشة: هذا جبريل يقرئك السلام، فتقول رضوان الله عليها وعن أبويها: "عليك وعلى جبريل السلام".
يقال لهؤلاء الأباعد: أأنتم أعلم أم الله؟! الله -جل وعلا- قضت سنته، مضت حكمته، جلت قدرته، قضى احتفاؤه بأنبيائه وإكرامه جل وعلا لرسله، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كما حررنا آنفا في المقام العظيم من الإجلال والإكرام من ربه -جل وعلا-، والصالحون منذ آدم إلى أن تقوم الساعة، يسألون الله حسن الخاتمة، يسألونه حسن الوفادة عليه، وقد اختار الله -جل علا- أن يموت رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، وتقبض روحه، وهو قد أسند رأسه وظهره الشريف الطاهر، إلى صدر أم المؤمنين عائشة -رضوان الله عليه-، أسند رأسه إلى سحرها ونحرها، وامتزج ريقه بريقها، في أخريات ساعات حياته صلوات الله وسلامه عليه، فهل يعقل أن يختار الله -جل وعلا- لنبيه وهو نبيه الأكرم أن يموت على صدر امرأة يقال عنها ما تقولون -عاملكم الله بما تستحقون-.
إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- في المقام الأسنى عند ربه، فلما مرض مرض وفاته، كان يسأل والحمى تغلبه: أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟" ففقه نساؤه أنه يريد بيت عائشة، فتنازلن طلبًا لمرضاته عن لياليهن، فأخذ صلى الله عليه وسلم يمرض مرض الوفاة في حجرة عائشة -رضوان الله عليها-، ويأبى الله إلا أن يكرمها، فيموت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجرتها، بل ويموت في اليوم الذي هو أصلًا فيه عند عائشة، ويموت وصدره مسند إلى سحرها ونحرها -رضوان الله -جل وعلا- عليها-، ثم يدفن صلوات الله وسلامه عليه في الموضع الذي كان ينام فيه، في حجرة عائشة -رضوان الله تعالى عليها-، هذه عائشة، وهذا ما اختاره الله لنبيه معها.
ويقال لهؤلاء الأباعد: أأنتم أعلم أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وقد كان يقول: "وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"؛ بيانًا لفضلها ومقامها، ويسأل: من أحب الناس إليك؟ فيخبر أنها عائشة، ولم يتزوج بكرًا قبلها ولا بعدها -رضوان الله -تعالى- عليها-، وجاءه الوحي وهو على فراشها، كل هذا بعض مناقبها.
والمقصود من هذا المقام كله إثبات المحجة، وإقامة الحجة، ليقال بعد ذلك: إن من رضي عليها وتولاها، وصدق براءة الله -جل وعلا- لها، وحسبها له: أم، وقبل بذلك فهو من المؤمنين حقًا، ومن لم يتولها، ولم يرضاها أمًا، فهو في ضلال مبين، ومن لم يتولها ولم يرضها أمًا، وقال في عرضها ما يقول، فعليه لعائن الله متتابعة تترى إلى يوم الحسرة، وأسأل الله بعز جلاله أن لا يرحم في تلك الإجساد ولا مغرز إبرة، قال الله -جل وعلا-: ﴿وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ الأنعام: 55].
وينبغي أن يعلم: أن الله -جل وعلا- جعل أهل الإيمان ثلاثة لا رابع لهم، بين ذلك في سورة التوبة، وبينه جل وعلا في سورة الحشر، قال الله -جل وعلا- في سورة التوبة: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ﴾ هذا القسم الأول، ثم قال ربنا: ﴿وَالأَنصَارِ﴾ وهذا القسم الثاني، وقال ربنا: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: 100] وهذا القسم الثالث.
ثم بين جل وعلا من هم الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ، بينه جل وعلا في سورة الحشر، قال: ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ﴾ [الحشر: 8] هذا القسم الأول، ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ﴾ يعني الأنصار، هذا القسم الثاني، وقال في القسم الثالث -جل ذكره-: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] أي يترضون عمن سبق له الإيمان ممن قبلهم، وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أول من يدخل في هؤلاء السابقين، فإذا ترضى الإنسان عليهم، وقال كما علمه ربه: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ اندرج برحمة الله في القسم الثالث، وإن لم يترض عليهم، ولم يعرف فضلهم، بل أضله الشيطان، فقال فيهم ما قال، فقد شابه أن يخلع ربقة الإسلام من عنقه -نعوذ بالله من الحور بعد الكور، ومن الضلالة بعد الهدى-.
إنه لا سبيل لعز الدارين، إلا بالاقتداء بأصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم-، الذين كانوا على هدي قويم، وصراط مستقيم، على هدي محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-.
فازوا من الدنيا بمجد خالد *** ولهم خلود الفوز يوم الموعد
يا قلب حسبك لن تلم بطيفهم *** إلا على مصباح وجه محمد
-صلوات الله وسلامه عليه-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى.
أما بعد:
عباد الله: فلئن كانت أمنا أم المؤمنين عائشة -رضوان الله تعالى عليها- عنوانًا للطهر، وقدوة للعفيفات، مبرأة من فوق سبع سموات، فإن لفظة: الطهر، لفظة عزيزة منيعة في الاسلام، قال الله -جل وعلا- عن كتابه العظيم: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(79)﴾ [الواقعة: 75 – 79] والآية في سياق الخبر، لا في سياق الإنشاء، وهذا مدح للملائكة؛ لأنهم في مقام عظيم من الطهر.
وقال الله -جل وعلا- لنبيه: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4] وأجمل ما قيل في تفسير الآية: أنه يراد بالتطهير هنا نقاء السريرة، بأن يكون القلب كله لله، ونقاء الظاهر والباطن، وطهارة الثياب، وطهارة البدن، وطيب المطعم والمكسب، كل ذلك يدخل في قول الله -جل وعلا- ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4]؛ لأن العرب في فصيح كلامها تعبر بالثياب عن حالات المرء كلها، قال قائلهم:
مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضةٌ *** غداةَ ثوى إلا اشتهتْ أنها قبرُ
وأثنى الله -جل وعلا- على أهل قُباء في الصدر الأول؛ بأنهم كانوا يتوخون ويتحرون الطهارة، قال الله -جل وعلا-: ﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: 108] فرحم الله عبدًا وأمة طهرت قلوبهم، وصفت سريرتهم، وأخلصوا نواياهم لله، وطهرت قلوبهم من الغل والحقد والحسد، طاب مطعمهم ومكسبهم، طهرت أثوابهم وأبدانهم، وعرفوا كيف يقفون بين يدين ربهم -جل وعلا-.
ألا وصلوا وسلموا على إمام النبيين، وقدوة الطاهرين، ذي الوجه الأنور، والجبين الأزهر، الشافع المشفع في عرصات يوم المحشر: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صلت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين أجمعين، وارض اللهم عن أصحاب نبيك أجمعين، وخص اللهم منهم الأربعة الراشدين، وارحمنا اللهم معهم بمنك وكرمك وغفرانك، يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك ربنا من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم إنا نسألك الإيمان والعفو عما مضى وسلف، وكان من الذنوب والآثام والعصيان.
اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأيدك، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك.
اللهم إنا نسألك البر والتقوى، والعفو والعافية في الدنيا والأخرى.
اللهم أصلح أحوال أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل مكان.
اللهم من عادى أصحاب نبيك -صلى الله عليه وسلم- فعاده، وصب اللهم عليه غضبك ورجزك إله الحق.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
عباد الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].