عناصر الخطبة
الحمد لله الذي رفع السماوات بغير عماد, ووضع الأرض وهيأها للعباد, وجعلها مقرهم أحياء وأمواتا, فمنها خلقهم وفيها يعيدهم ومنها يخرجهم تارة أخرى يوم الحشر والتناد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العزة والقوة والاقتدار, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار, وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وصدّقوا بما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب واعتقدوه، وارفضوا ما خالف الكتاب والسنة من أقوال الناس واطرحوه، فإن كل ما خالفهما فهو باطل كذب ليس له حقيقة، وكل ما وافق الكتاب والسنة فهو حق، ومن أمور الغيب التي جاء بها كتاب ربنا -سبحانه- وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم: الإخبار عن يوم القيامة وأحداثه من البعث والحشر، والصراط وغير ذلك من مواقف الآخرة. أسأل الله أن يُحسِن قدومنا عليه ووقوفنا بين يديه.
عباد الله: إن الله -جلت قدرته وتعالت أسماؤه- بحكمة بالغة وقدرة باهرة أوجدنا في هذه الدنيا من عدم, أوجدنا فيها لا للدوام والبقاء؛ ولكن للموت والفناء، قال -سبحانه-: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 27]، ولذلك -أيها الإخوة- فإنه جدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده أن لا يكون له فكر إلا في الموت، وما بعده من الموت من البعث الحشر والحساب، فيستعد لذلك بصالح الأعمال وترك المحرمات.
أيها الإخوة: من الأهوال العظيمة التي تنتظر الناس جميعاً: أهوال يوم الحشر، حيث يُحشر الناس على قدر أعمالهم -في أرض غير هذه الأرض- فمنهم من يحشر راكباً، ومنهم من يحشر ماشياً، ومنهم من يمشي على وجهه, ومن هذه الأهوال دنو الشمس من رءوس الخلائق؛ إلا أن من رحمة الله أن جعل في ظل عرشه أصنافاً من الناس؛ لما عملوه في هذه الدنيا من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وجميع الخلائق تحشر إلى ربها يوم القيامة كما قال -سبحانه-: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا(95)﴾ [مريم: 93-95]. ويحشر الناس يوم القيامة على أرض بارزة بيضاء، ليس فيها عَلَم لأحد كما قال -سبحانه-: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)﴾ [الكهف: 47 – 49]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أرْضٍ بَيْضَاءَ، عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأحَدٍ” [أخرجه البخاري 6521، ومسلم 2790].
ويحشر الناس جميعاً يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، ولا يشغلهم أي أمر عن هول ما يرون يوم الحشر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا” قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “يَا عَائِشَةُ: الأمْرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ” [أخرجه البخاري 6527، ومسلم 2859].
أيها المسلمون: تتفاوت أحوال الناس في أرض المحشر حسب أعمالهم؛ فيحشر المتقون إلى الرحمن وفوداً وجماعات على نجائب من نور، يعلوهم الفرح والسرور، ويساق المجرمون إلى النار سوقاً وبعد طول القيام في أرض المحشر، ومقاساة الشدة والعذاب يأذن الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى، ثم تشفع الملائكة، ثم يشفع الأنبياء والمؤمنون والصديقون والشهداء من هذه الأمة.
عباد الله: الجزاء من جنس العمل، وكما اختلفت أعمال الناس في الدنيا، تختلف طريقة حشرهم وقدومهم على ربهم، ففي صورة بديعة جميلة وصف ربنا -تبارك وتعالى- كيف يُحشر المؤمنون إلى ربهم وإلى الجنة في صورة وفد مكرمين في موكب كريم، فقال تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: 85]، وقال الله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: 73].
وفي مقابل هذه الصورة المشرقة توجد صورة قاتمة كئيبة لحشر الظالمين، فيحشر الكفار والمشركون على وجوههم عمياً وبكماً وصماً إلى النار، قال الله تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا(98)﴾ [الإسراء: 97-98]. وعن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يَا رَسُولَ الله! كَيْفَ يُّحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فقَالَ: “ألَيْسَ الَّذِي أمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟” قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا. [صحيح البخاري 4760 ومسلم 2806].
أما عن حال المجرمين يوم الحشر، فإنهم يساقون إلى جهنم عطاشاً زرقا، قال الله تعالى: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: 85- 86]، وقال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه: 102].
عباد الله: ولا تظنن أن الحشر مقتصر على الجن والإنس، بل يحشر الله -سبحانه- يوم القيامة الدواب والبهائم والوحوش والطيور، ثم يحصل القصاص بين الدواب، فيقتص للشاة الجماء من القرناء نَطَحَتْها، فإذا اقتص لبعضها من بعض قيل لها كوني تراباً. قال الله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: 38].
ويجمع الله الخلائق بعد بعثهم في ساحة واحدة في عرصات القيامة، وذلك لفصل القضاء، حفاة عراة غرلاً، فتدنو الشمس في ذلك اليوم، ويعرق الناس على قدر أعمالهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “تُدْنَى الشَّمْسُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ“، قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: فَوَالله! مَا أدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أمَسَافَةَ الأرْضِ، أمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ. قَالَ: “فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا“، قَالَ وَأشَارَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. [أخرجه مسلم 2864].
عباد الله: وإذا حُشر الناس إلى ربهم يوم القيامة، وبلغ العناء منهم مبلغاً عظيماً لشدة الهول، وعظمة الكرب، وصعوبة الموقف، رغبوا إلى ربهم في أن يحكم بينهم، فإذا طال موقفهم، وعظم كربهم، ذهبوا إلى الأنبياء ليشفعوا لهم عند ربهم ليفصل بينهم، ثم يجيء الله جل جلاله لفصل القضاء بين عباده كما قال سبحانه: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23)﴾ [الفجر: 21-23].
والله -سبحانه- يعيد جسد الإنسان بعينه الذي أطاع وعصى، فينعمه ويعذبه بحسب عمله، كما ينعم الروح التي آمنت بعينها، ويعذب التي كفرت بعينها، وهو -سبحانه- العليم بما تنقصه الأرض من لحوم البشر وعظامهم وأشعارهم، والقادر على جمعها وتحصيلها بعد تفرقها، قال الله: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ [ق: 4] ثم بعثها يوم القيامة، بل مع كل نَفَس سائق يسوقها إلى المحشر، وشهيد يشهد عليها بما عملت كما قال -سبحانه-: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ﴾ [ق: 20].
نعوذ بالله من سوء المنقلب، ونسأله أن يجعل أسعد أيامنا يوم نلقاه، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا -عباد الله- من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، واعلموا أنكم يوم الحشر مجموعون، وبين يدي الله -عز وجل- موقوفون وعن كل كبيرة وصغيرة مسؤولون.
أيّها المسلم: إنَّ من عدلِ الله -جلّ وعلا- عدمَ التسوية بين من أطاعَه وبين من عَصاه وخالفَ أمرَه، فمن كمالِ عدلِه أنّه فرَّق بين من أطاعه وبين من عَصاه، وأنكَر على الذين سوَّوا بين المجرِم الضّال وبين المؤمن التقيِّ، يقول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية:21]، فمن اعتقد أنهم سيكونون سواء فقد أخطأ، فالطيبون قد ملئوا الدنيا صلاحاً، والخبيثون قد ملئوا الدنيا فساداً، ثم يموت كلا الفريقين وتكون آخرتهم سواء، لا. فما دام أنهم اختلفوا في الحياة في السلوك، فإنهم يختلفون في النتيجة في الآخرة في الجزاء، ولا يظلم ربك أحدًا.
عباد الله: ويختلف الناس يوم الحشر، فمنهم من يبعث والنور يشرق من وجهه، ومن بين يديه، وعن يمينه، كما وصفهم الله ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التحريم:8]، ومنهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يوقد مرة ويطفأ مرة، ومنهم من تحيط الظلمة به من كل ناحية، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم يوم القيامة من أهل الأنوار.
ومنهم من يبعث وهو ينطلق في أرض المحشر قائلاً: لبيك اللهم لبيك، من هذا؟! إنه الذي مات بلباس الإحرام في حج أو عمرة، ومنهم من يبعث وينبعث منه الدم: اللون لون الدم، والريح ريح المسك، من هذا؟! إنه الشهيد في سبيل الله -جل وعلا-، ومنهم من يبعث ولسانه مدلىً على صدره! منظر بشع! من هذا؟! هذا الذي أكل لحوم الناس في الدنيا بالغيبة، ومنهم من يبعث وأظفاره من نحاس يمزق بها لحم وجهه! ويقطع بها لحم صدره، من هذا؟! هذا هو الذي آذى الناس في الدنيا.
ومنهم من يبعث وقد انتفخت بطنه لا يقوى على القيام في أرض المحشر! بل تراه يتخبط كالذي يتخبطه الشيطان من المس، من هذا؟! إنه آكل الربا، وهذا رجل ينطلق من قبره إلى أرض المحشر عرياناً ومن حوله مجموعة من الأطفال الصغار يجرونه جراً، ويدفعونه دفعاً للوقف بين يدي الله -سبحانه-، من هذا، ومن هؤلاء؟! هؤلاء هم اليتامى وهذا آكل أموال اليتامى ظلماً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:10]، ومنهم من يبعث وكأس الخمر في يده وهو أنتن من كل جيفة! ومنهم من يبعث وهو يحمل على كتفه ما سرقه في هذه الحياة الدنيا! قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران:161].
إنها مشاهد تخلع القلوب -يا عباد الله- فلقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه: أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه. فمن مات ساجداً بعث يوم القيامة ساجداً، ومن مات موحداً بعث يوم القيامة موحداً، ومن مات على معصية بعث يوم القيامة على نفس المعصية. اللهم استرنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين.
فيا حسرة على العباد كم ضيعوا من الأوقات في غير طاعة الله!! ويا خيبة الكفار في ذلك اليوم العصيب، إن القضية التي يجب على الإنسان أن يعيشها صباح مساء، وأن يتأملها وأن يعلمها علم اليقين، أنه إلى الله راحل، وموقوف للحساب، ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ(8)﴾ [التكاثر:1-8].
فاللهم هوّن علينا السؤال يوم العرض الأكبر، ويسر علينا الوقوف يوم الحشر، وتولنا فيمن توليت.
اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.