عناصر الخطبة
الحمد لله واسع الفضل والجود والكرم والإحسان، البر الرحيم، اللطيف الغفور المنان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة:274]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أكرم الناس محتداً، وأرفعهم قدراً، وأنداهم يداً، وأوسعهم براً، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه الذين يعدون ما أنفقوه خيراً وأبقى مما ادخروه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الأخوة المؤمنون: لقد جاءت نصوص القرآن والسنة آمرة بالإنفاق في سبيل الله، سبيله الخاصة والعامة آمرة بذلك مرغبة فيه. مبينة آثار الإنفاق والتصدق ابتغاء وجه الله بما يدعو النفوس الخيرة ذات الإيمان القوي بوعد الله والتصديق الجازم بجزائه تتسارع إلى ذلك وتتسابق وتتنافس فيه تأولاً لقول الله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148]
يقول الله سبحانه وتعالى الذي بيده الخفض والرفع والإعطاء والمن: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة:245] ويقول: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:272].
ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" متفق عليه.
ويقول: "ما نقص مال من صدقة" الحديث. رواه مسلم. ويقول: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً" متفق عليه. ويقول: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوَّه حتى تكون مثل الجبل" متفق عليه. ويقول: "أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعدها إلا أدخله الله الجنة" رواه البخاري.
فاتقوا الله -أيها المؤمنون- ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)﴾ [آل عمران:133-134]
اتقوا الله -يا أهل الأموال-، بالمسارعة والمسابقة بالإنفاق ابتغاء وجه الله قبل أن تزول عنكم الأموال وتزولوا أنتم عنها فإنما هي عوان وأمانات عندكم استودعتم إياها واستخلفتم فيها ابتلاء وامتحاناً لينظر كيف تعملون.
وما المال والأهلـون إلا ودائع *** ولا بد يوماً أن ترد الودائع وما المرء إلا كالشهاب وضوؤه *** يحول رماداً بعد إذْ هو ساطع
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد:7].
ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟" قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه قال: "فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر" رواه البخاري.
ويقول: "يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطي فاقتنى، ما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس" رواه مسلم.
وليعلم -أيها الأخوة- وليُتذكَّر أنه كلما اشتدت الحال للصدقة أو تعلقت بما ينفق حاجة المتصدق أكثر من غيره فأثر الإنفاق أن أجره يعظم وجزاءه يضاعف، قال سبحانه: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ(16)﴾ [البلد:11-16]
وقال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر:9]، وسئل -صلى الله عليه وسلم- أي الصدقة أفضل قال: "جهد المقل، وابدأ بمن تعول" رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه.
وروي البخاري ومسلم –رحمهما الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجراً، قال: "أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان"، ويعلم أيضاً ويتذكر أن الصدقة كلما كانت سراً كانت أكثر وأعظم أجراً ما لم تدع مصلحة لإعلانها كقصد الاقتداء به فيها إذا كان محل قدوة.
يقول عليه الصلاة والسلام: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -منها- رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، ويقول جل ثناؤه: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة:271]
وسبحانك اللهم وبحمدك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.