السبيل الوحيد لتحقيق السعادة .. خطبة عيد الفطر لعام 1432هـ

حسين بن عبدالعزيز آل

عناصر الخطبة

  1. العيد مناسبة لتجديد النشاط في العبادة
  2. من مقاصد الشعائر تحقيق الإخلاص والتوحيد
  3. العلاج الناجع لواقع المسلمين المرير
  4. واقع المسلمين الأليم
  5. البعد عن التحاكم للشرع سبب البلاء
  6. عاقبة الظلم وخيمة
  7. الحيافظة على الجماعة من أعظم أصول الدين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أمة الإسلام: هنيئًا لكم على إتمام الصيام وإكمال القيام، وهنَّأكم الله بهذا العيد العظيم، دامَت عليكم الفرحةُ والسرور، والبهجةُ والحُبور.

إخوة الإسلام: العيدُ في الإسلام واحةٌ فيحاء، تفرحُ فيها النفوسُ المؤمنةُ بما أنعم الله بها عليها من التوفيق إلى الطاعات، والمُسارعة إلى الخيرات: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

فاتخِذوه -أيها المسلمون- مناسبةً لتجديد النشاط في العبادة، واجعلوه فرصةً للتسامُح والصَّفح والتراحُم والعطف، تبادَلوا فيه أطيبَ التهاني وأجمل الأماني بنفسٍ راضيةٍ مُنطلِقة، وبوجهٍ مُبتسمٍ ضَحوك، فنبيُّكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقَ أخاكَ بوجهٍ طلق". رواه مسلم.

إن العيدَ ينبغي أن يُصيِّرنا شُموسًا مُشِعَّةً بالحب والخير، وأقمارًا تُضيءُ بالعطف والبرِّ والإحسانِ والوَصل، وينبغي أن يجعلنا العيدُ مُتمتِّعين بأريحيَّةِ الخُلُق، ولُطف الروح، ولِين الجانب، حتى نكون على هذه الحال في أزماننا كلها.

فحبيبُنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة". رواه البخاري في الأدب المفرد، وغيرُه.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

إخوة الإسلام: إن أعظم مقاصد الشعائر -ومنها الصوم-: تحقيقُ الغاية من خلق الخلق، وهي إخلاصُ الدين لله وحده والتوحيد الخالص له -عزَّ شأنُه-، فأولُ واجبٍ يُطالِعُكم في المُصحف: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: 21]، وأولُ نهيٍ تجِدونه: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

معاشر المسلمين: إن العلاج الناجعَ لواقع المسلمين المرير هو: التمسُّك بالإسلام الصافي الذي تعلَّمه الصحابةُ -رضي الله عنه- من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطبَّقوه في شؤون حياتهم كلها، نظامَ حياةٍ مُتكامل ودستور إصلاحٍ شامل، فأضاءَت به مشارقُ الأرض ومغارِبُها، وعاشَت الأمةُ قويةً مُهابة تُشِعُّ للعالَم كلِّه سلامًا وإحسانًا، ورحمةً وعدلاً، وحضارةً ورخاءً.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

إخوة الإيمان: إن الضمان الأوحد لدرء أسباب الهلاك والدمار ودفع عوامل الشر والأخطار هو الحفاظُ الكاملُ على طاعة الله -جل وعلا- وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، مع البُعد عن الفواحِش والمُوبِقات والجرائم والمُنكرات؛ ففي الوصية الجامعة: "فاحفَظ اللهَ يحفَظك"، فما حُفِظَت نعمةٌ بشيءٍ قطُّ إلا بطاعة الله -جل وعلا-، ولا حصَلت بها الزيادةُ بمثل شُكره -عزَّ شأنُه-، وما زالَت من العبد نعمةٌ إلا بسبب ذنوبه ومعاصيه؛ فهي النارُ المُحرِقةُ للنعَم، والجالِبَةُ للنِّقَم: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنفال: 53].

ولهذا فما وقع للمسلمين الشقاءُ والبأسُ والضرَّاءُ إلا بسبب البُعد عن المنهج القرآني والهدي النبوي، أولم يقل ربُّنا -جل وعلا-: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 124].

أيها الفُضلاء: إن إخوة لنا في الإسلام يُعانون في مواضع شتَّى من الظلم والاضطهاد والبطش والاستبداد والقتل والتشريد والإبعاد، فمسؤوليةُ الدول والمُجتمعات والأفراد مسؤوليةٌ عظيمةٌ أمام الله -جل وعلا-، ثم أمام الضمير البشري بمُناصرتهم والدعاء لهم ومدّ يد العون لهم والتخفيف من مُعاناتهم والوقوف معهم معنويًّا وماديًّا وسياسيًّا.

أمة الإسلام: إن بعض بُلدان المسلمين -كالصومال- تُعاني من مجاعاتٍ مُهلِكةٍ ومسغبَةٍ بالغة، فمُدُّوا لهم يدَ العون بكل وسيلةٍ مُمكنةٍ: ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [التغابن: 17]، وشكرَ الله لخادم الحرمين الشريفين وقفتَه المعهودة لقضايا المسلمين خاصةً فيما وقع لإخواننا في الصومال.

معاشر الأحباب: إن تداعيات الأحداث التي مرَّت ولا زالت تمرُّ بها بعضُ بُلدان المسلمين، وما وقع لها من تغيُّراتٍ كُبرى لتُذكِّرُنا أن هذه الدنيا فانية، وأن الآخرة هي الباقية، وأن المُلكَ الحقيقي إنما هو لله وحده يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: 26].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

إخوة الدين: لنتذكَّر إزاءَ ما وقعَ من أحوالٍ يشيبُ لها الولدان أن الإعراضَ عن تحكيم كتاب الله -جل وعلا-، وأن البُعد عن التحاكُم إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما سبَّبَ إلا البلاءَ العريض والشرَّ المُستطير، أولَم يقل لنا ربُّنا -جل وعلا-: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: 85].

ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- وقدوتُنا يقول: "وما لم تحكُم أئمتُهم بكتاب الله إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم".

فالواجبُ على الحُكَّام والمحكومين الخضوعُ لله -عزَّ شأنه-، والتذلُّلُ له سبحانه، والوقفُ عند شرعه ودينه، فذلكم صمَّام الأمان والسببُ الأوحَد للتمكين والعِزَّة والأمن والأمان: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

إنما شهِدناه من أحداث يُصوِّرُ لنا ما قرَّرتْه النصوصُ الشرعيةُ أن الظلمَ عاقبتُه وخيمة وآثاره مُدمِّرة، فعلى المسلمين جميعًا التعاوُن في كل بلدٍ على إحقاق الحق، وإنصاف المظلوم، وإرساء مبادئ الرحمة والعدل والإحسان، والحرصُ على إصلاحٍ شاملٍ لجميع شؤون الحياة يضمنُ الحقوقَ والواجبات وفقَ شرع الله -جل وعلا-.

إخوة الإسلام: إن من الخِزي والعار أمام الله -جل وعلا- ثم أمام خلقه أجمعين: ما تشهَدُه المواقع من بُلدان المسلمين من إراقة الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء، فذلكم في شرع الله وفي الشرائع كلها جُرمٌ عظيمٌ وذنبٌ جسيم، ألم يقُل لنا ربُّنا -جل وعلا-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].

معاشر المسلمين: إن المسلمين متى تمسَّكوا بدينهم، وحقَّقوا طاعةَ ربهم فليعلَموا أن ما يُصيبُهم من مصائب ومِحَن وظلمٍ واضطهاد فهو مما يُكفِّر الله به السيئات ويُعظِمُ به الحسنات، رسولُنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما يُصيبُ المؤمنَ من همٍّ ولا حَزَنٍ ولا وصَبٍ ولا نصَبٍ ولا مرضٍ، حتى الشوكةَ يُشاكُها إلا كفَّر الله به من خطاياه". متفق عليه.

فاصبِروا -أيها المسلمون- واحتسِبوا، وأنيبوا إلى ربكم، وتضرَّعوا إليه -عزَّ شأنُه-، والتجِئوا إليه: ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾ [الأنعام: 64].

أيها المسلمون: لقد جرَّبَ المسلمون في بُلدان شتَّى -مع الأسف- مناهجَ مختلفة، وأحزابًا متنوعة، نابذين حكمَ الله -جل وعلا- عن الحكم والتحاكُم، ولقد أثبتَ الواقعُ -وهو أكبرُ برهانٍ- أن هذه المناهجَ البشريةَ ما جرَّت إلا شقاءً وذُلاًّ للحاكم والمحكوم، وما ولَّدَت إلا مصائب شتى للأفراد والمجتمعات؛ بل وللأمة كلها.

وتالله؛ فإن هذه الأحزاب والمشارِب هي التي دخلت على المسلمين بعد الغزو الاستعماري الحاقِد ما أصلَحت دنيا، ولا جرَّت رخاءً واستقرارًا، ولا أقامَت دينًا وشرعًا: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].

ولكن على المسلمين أن يستبشِروا بمُستقبَلٍ وضَّاء لحياة الأمة مهما تعدَّدت المصائب وتكاثَرَت المِحَن، ففي مبادئ هذا الدين: الأمرُ بالتفاؤل بالخير والظنُّ العظيم بالله -جل وعلا-، وحُسن التوكُّل عليه، فلا بد لليل أن ينجلِي، ولا بُدَّ للقيد أن ينكسِر، يقول -صلى الله عليه وسلم- للصحابة في حادثةٍ ما: "أبشِروا وأمِّلوا".

فيا أمة محمد في كل مكان: من منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نُناديكم مُخلِصين ناصحين: أسِّسوا حياتَكم على المنهج الكامل الذي جاء به القرآن وأوضحَه سيدُ الثقَلَيْن محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام-؛ ففيهما من مبادئ الإصلاح وقواعد الخير ما يجعلُ المسلمين في حياة عِزَّةٍ وكرامة وعيشةٍ طيبةٍ راقيةٍ مُزدهِرة، وكفى بهذه البلاد شاهدًا وبُرهانًا.

أقولُ هذا القول، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله قائدُ الغُرِّ المُحجَّلين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، فبها يجعلُ الله لنا من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همّ فرَجًا، ويرزُقنا من حيث لا نحتسِب.

إخوة الإسلام: إن بلاد الحرمين منذ قامَت على يد الإمام محمد بن سعودٍ والإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله، وجزاهما الله عن المسلمين خيرًا-، وهي مؤسسةٌ على القرآن والسنةٍ منهجًا وحُكمًا وتحاكُمًا، ثم جاء الملكُ عبدُ العزيز -رحمه الله- مُؤصِّلاً هذه الدولة على ذلكم المنهج الراشد، فسعدت -بحمد الله- بالأمن الوافر، والأمان الظاهر، والرخاء الباهر، وإن أعظم واجبٍ أمام هذه النعَم -يا شباب هذه البلاد- هو شُكرُ الله -جل وعلا-.

يا مجتمع بلاد الحرمين: اشكُروا اللهَ على هذه النعمة العظيمة، والزَموا طاعتَه سبحانه، وتمسَّكوا بشريعته، والتفُّوا حول حُكَّامكم وعلمائكم، وحافِظوا على المسؤولية الجماعية في حفظ الأمن والاستقرار، فرسولُنا -صلى الله عليه وسلم- يصِفُ حالَ المؤمنين بقوله: "مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثَلِ الجسد الواحد؛ إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى".

فالمُحافظةُ على الجماعة من أعظم أصول الدين وقواعد الوحيَيْن: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، والسمعُ والطاعةُ لوليِّ الأمر أصلٌ من أصول مذهبِ أهل السنة والجماعة.

فاستمسِكوا بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "أُوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ". رواه البخاري.

ثم إن الله -جل وعلا- أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا هو: الصلاةُ والسلام على نبينا وسيدنا محمد، اللهم صلِّ على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقُرَّة عيوننا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم نفِّس كُرباتهم، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم اكشِف غُمَّتَهم، اللهم اجعل عاقبةَ ما حصلَ لهم عاقبةً حميدةً خيِّرةً إصلاحية يا ذا الجلال والإكرام.  


تم تحميل المحتوى من موقع