عناصر الخطبة
قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا(31)﴾ [النور: 30، 31].
هذا أمر من الله لعباده المؤمنين والمؤمنات ليغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم؛ وما ذلك إلا لخطورة هذه المعصية، وهي نظر الرجال إلى النساء ونظر النساء إلى الرجال، فمن أطلق بصره فيما حرم الله أورد نفسه المهلكات. قال ابن القيم: "والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل المحرم ولا بد ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده".
أخي المسلم: إنك يوم تعصي الله بنظرك إلى المحرم فإنما تعصيه بجارحة من الجوارح التي أنعم الله بها عليك، والتي تستوجب منك الشكر بالقول والعمل، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]. فإذا قابلت هذه النعمة بالعصيان والكفر والجحود فهي أولى بالنقصان والزوال. تخيل لو كنت أعمى فهل ستعصي الله بهذه النعمة؟! طبعًا لن تقدر على عصيانه.
واعلم -هداني الله وإياك- أنك مسؤول عن نظرك يوم القيامة، قال سبحانه: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36]. فهل أعددت للسؤال جوابًا؟!
والنظر إلى ما حرمه الله يعتبر زنا، ففي الصحيحين من حديث أَبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ".
جماعة المسلمين: لقد استهان كثير من المسلمين رجالاً ونساءً بالنظر المحرم، فانتشرت المعاكسات بين الرجال والنساء دون حياء أو أدب، والله قد حذر الرجال من فتنة النساء، في صحيح البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاء"، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ".
ثم حذر الله النساء من التبرج وإظهار الزينة، فقال سبحانه: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب: 33]، بل التبرج وإظهار الزينة أمام الناس في الأسواق وفي العمل سبب لدخول النار، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا".
فالمرأة تلبس ثيابًا ولكنها في الحقيقة هي عارية؛ لأنها تبين شيئًا من جسدها وشعرها وساقيها، فهذا الصنف من النساء مع كونها لابسة للثياب إلا أنها عارية ملعونة لعنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وطردها من رحمة الله، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المتبرجات: "وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم".
وإذا خرجت المرأة متعطرة من بيتها فإثمها كإثم الزانية سواء بسواء، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن امرأة مرت به تعصف ريحها، فقال: يا أمة الجبار: المسجد تريدين؟! قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟! قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فلا يقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل".
فاتقوا الله -يا معاشر الرجال- في أنفسكم، وغضوا أبصاركم عن النظر إلى ما حرم الله، ففي ذلك السلامة لكم في الدنيا والآخرة، فكما أنكم لا ترضون أن ينظر أحد إلى نسائكم فلا ترضوه لنساء العالمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وعليكم -يا معاشر الشباب والشابات- بالزواج؛ ففيه الحل الأمثل لمشاكل المراهقين والشهوات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء".
ثم اتقوا الله في نسائكم وبناتكم وأخواتكم، فلا تسمحوا لهن بالتبرج وإظهار الزينة، فهن مسؤولية في أعناقكم يوم القيامة، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:6].
جماعة المسلمين: إن للنظر المحرم آفات وأخطارًا على المسلم في دينه ودنياه، فمن ذلك أنه يورث حسرة في القلب؛ لأن العبد يرى ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه، ومن ثم يورثه ذلك انشغالاً في القلب لا يكاد ينفك عنه، ووسوسة شيطانية تدعوه إلى مداومة النظر، النظرة بعد الأخرى حتى ينسى ذكر الله والصلاة والعبادة، كما أن في النظر إلى ما حرم الله دعوة إلى الزنا والتفكير فيه، والله قد أمر بغض البصر ابتداءً ثم بحفظ الفرج ثانيًا، فقال سبحانه: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾؛ وذلك لأن النظر إلى النساء العاريات والرجال العراة سبيل إلى الزنا.
وغض البصر طريق للجنة، فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم".
جماعة المسلمين: لقد استهان كثير من المسلمين في وقتنا الحاضر بالنظر إلى ما حرمه الله، وذلك بسبب ما تعرضه القنوات الفضائية من مسلسلات وأفلام ودعايات، وما ينشر من صحف ومجلات استخدموا فيها المرأة سلعة لجذب الأنظار، وما ذلك بخافٍ عليكم.
فاعلموا -رحمكم الله- أن نظر الرجل للمرأة أو المرأة للرجل في التلفاز في مسلسل أو فلم أو مسرحية معروضة حكمه واحد وهو التحريم، فلا يجوز لك أن تنظر إلى المذيعة ولا إلى الممثلة، ولا يجوز للمرأة أن تنظر للمذيع أو الممثل.
والعجب كل العجب أن يسمح الرجل الشهم ذو الغيرة لزوجته بمتابعة صور الرجال في الصحف والمجلات أو عبر القنوات الفضائية، وربما خرج الرجل عاريًا إلا مما يستر عورته المغلظة، ثم لا تثور له غيرة، بل ربما شاركها في النظر! أو كيف تسمح المرأة لزوجها أن يتأمل صور النساء في المجلات أو عبر القنوات الفضائية وقد خرجن عاريات إلا مما يستر بعض أجسادهن، وبالتالي يعقد مقارنة بين زوجته والنساء المتجملات العاريات، ربما أدت إلى زهده في زوجته وربما طلاقها؟! ولذلك حرم العلماء اقتناء هذه الصحون الفضائية؛ بسبب الشر الذي تنقله للمسلمين، وما فيها من خير فهو قليل جدًّا مقارنة بما يعرض من فتن وفساد وضياع للصلاة والصيام واكتساب للآثام.
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية: "فقد شاع في هذه الأيام بين الناس ما يسمى بالدش أو بأسماء أخرى، وأنه ينقل جميع ما يبث في العالم من أنواع الفتن والفساد والعقائد الباطلة والدعوة إلى الكفر والإلحاد، مع ما يبثه من الصور النسائية ومجالس الخمر والفساد وسائر أنواع الشر الموجود في الخارج بواسطة التلفاز. وثبت لديّ أنه قد استعمله الكثير من الناس، فلهذا وجب التنبيه على خطورته ووجوب محاربته والحذر منه وتحريم استعماله في البيوت وغيرها، وتحريم بيعه وشرائه وصناعته أيضًا؛ لما في ذلك من الضرر العظيم والفساد الكبير والتعاون على الإثم والعدوان ونشر الكفر والفساد بين المسلمين والدعوة إلى ذلك بالقول والعمل".