عناصر الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب: 70- 71].
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
الحمد لله الذي خلق فسوى، وأسعد وأشقى، وحلَّل وحرَّم، وقدر فهدى، وقضى فأمضى، فلا ناقض لما حكم وأبرم، ووهب فأغنى، وأعطى فأقنى، وأتحف وأكرم، ومنّ وتطوّل، وتفضّل وأنعم، سبحانه!.
إن الله -عز وجل- جعل الأممَ تعيش بنظام معين، تحت ظلِّ قائد أو أمير، أو سلطان أو إمام، أو خليفة أو مَلِك أو رئيس، ليرجعوا إليه في تدبير أمور دنياهم، والحفاظ على أمور دينهم، ليعمَّ الأمنُ، ويسودَ السلام، وينتشرَ العدل، ويتوفرَ الرخاء، يقول الماوردي -رحمه الله تعالى-: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا" [الأحكام السلطانية، للماوردي، ص(5)].
لذا؛ تطلَّع الناس إلى ولاة يلون أمورهم، وقادةٍ يقودونهم، وأئمةٍ يقتدون بهم، فشاء اللهُ -عزَّ وجلَّ- أن يكون العددُ "اثنا عشر"؛ له في القرآن والسنة موقع، فعند الكلام عن شهور السنة بيَّن الله -سبحانه- عددها، فقال: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36].
وأبناء يعقوب -عليه السلام- كانوا اثني عشر، وكذلك عددُ قبائلهم وأسباطهم، ففُجِّرت العيون في التيه على عددهم، قال سبحانه: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [الأعراف: 160].
ومن هؤلاء القبائل بعث الله -سبحانه- النقباءَ الاثني عشر، قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 12].
ونحن المسلمين نجلُّ ونحترم ونقدر من آمن بموسى -عليه السلام- واتبعه، فلا نطعن في أبناء يعقوب عليه السلام، ولا النقباء الاثني عشر، فهل اليهود يؤمنون بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويحترمون ويقدرون أتباعه ومن آمن به؟! بل أكثرهم عصا موسى -عليه السلام-، وقتلوا أنبياءهم!.
لكنَّ اليهودَ -الآن ومنذ زمن- ينتظرون أميرَ السلام، وهو في الحقيقة المسيحُ الدجال، الذي ينصر اليهود، ويقيمُ لهم دولتَهم التي لا تعرف الحرام، وتتنكَّرُ للحقوق، ولا تفَكِّرُ إلا في أمنها وسلامها وسلامتها، وعلى العالم الخراب.
أما النصارى ومن يزعم أنه من أتباع كلمةِ الله عيسى -عليه السلام-؛ فهم يعتقدون في اثني عشر، هم الحواريون، أنصارُ عيسى -عليه السلام-.
ونحن المسلمون نحب هؤلاء الحواريين ونؤمن بهم ونجلهم، ولا نطعن في أحد منهم.
لكن النصارى ينتظرون الربَّ المخلِّص؛ يسوع عيسى المسيح -عليه السلام-.
وفي الحقيقة هم يشتركون مع اليهود في انتظار المسيح الدجال؛ أميرِ السلام عند اليهود.
والمسلمون يؤمنون بمن يقودهم إلى الخير، ويحذرهم من الشر، وإيمانهم هذا نابع عن عقيدة ودين، ولكن منهم من اتبع الهوى في ذلك، كالشيعة الروافض، ومنهم من اتبع الوحي، كأهل السنة أتباع الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-.
فالشيعة اختاروا اثني عشر إماما، هذه هي أسماؤهم وألقابهم وكناهم، وسنة ميلاد كل إمام ووفاتُه، وذلك من كتاب [أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية، عرض ونقد]:
1- الإمام الأول: علي بن أبي طالب، أبو الحسن، المرتضى ولِد 23 قبل الهجرة، وتوفي 40 بعد الهجرة.
2- الإمام الثاني: الحسن بن علي، أبو محمد، الزكي (2-50) هـ.
3- الإمام الثالث: الحسين بن علي، أبو عبد الله، الشهيد (3-61) هـ.
4- الإمام الرابع: علي بن الحسين، أبو محمد، زين العابدين (38-95) هـ.
5- الإمام الخامس: محمد بن علي، أبو جعفر، الباقر (57-114) هـ.
6- الإمام السادس: جعفر بن محمد، أبو عبد الله، الصادق (83-148) هـ.
7- الإمام السابع: موسى بن جعفر، أبو إبراهيم، الكاظم (128-183) هـ.
8- الإمام الثامن: علي بن موسى، أبو الحسن، الرضا (148-203) هـ.
9- الإمام التاسع: محمد بن علي، أبو جعفر، الجواد (195-220) هـ.
10- الإمام العاشر: علي بن محمد، أبو الحسن، الهادي (212-254) هـ.
11- الإمام الحادي عشر: الحسن بن علي، أبو محمد، العسكري (232-260) هـ.
12- الإمام الثاني عشر: محمد بن الحسن، أبو القاسم، المهدي، يزعمون أنه ولد سنة (255 أو 256) ه، ويقولون بحياته إلى اليوم [انظر عن الاثنى عشر: الكليني/ أصول الكافي: 1/452 وما بعدها، المفيد/ الإرشاد، الطبري/ أعلام الورى، الأربلي/ كشف الغمة. وانظر: الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 90/91، الشهرستاني/ الملل والنحل: 1/169، ابن خلدون/ لباب المحصل: ص128، وغيرها].
عباد الله: هؤلاء الأئمة الذين تعتقد الشيعة عصمتهم وإمامتهم، قال الذهبي في [سير أعلام النبلاء، انظر: (13/ 120-122)] عن آخرهم "محمد بن الحسن أبو القاسم المهدي": "خاتمةُ الاثني عشر سيًّدا، الذين تدَّعي الإمامية عصمتهم -ولا عصمة إلا لنبي-، ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنه الخلف الحجَّة، وأنه صاحب الزمان، وأنه صاحب السرداب بسامراءء، وأنه حيٌّ لا يموت، حتى يخرج، فيملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت ظلما وجورا.
فوددنا ذلك -والله- وما زال الكلام للذهبي- وهم في انتظاره من أربع مئة وسبعين سنة- أقول: والآن صار له في السرداب أكثر من ألف ومائتي عام، قال الذهبي: -ومن أحالك على غائب لم ينصفْك، فكيف بمن أحال على مستحيل؟! والإنصاف عزيز -فنعوذ بالله من الجهل والهوى-.
1- فمولانا الإمام علي: من الخلفاء الراشدين، المشهود لهم بالجنة -رضي الله عنه- نحبُّه أشدَّ الحبِّ، ولا ندَّعي عصمته، ولا عصمة أبي بكر الصديق.
2، 3- وابناه الحسن والحسين: فسبطا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيدا شباب أهل الجنة، لو استُخلِفا لكانا أهلاً لذلك.
4- وزينُ العابدين: كبير القدر، من سادة العلماء العاملين، يصلح للإمامة -أي الخلافة ولم يكن خليفة- وله نظراء، وغيرُه أكثرُ فتوىً منه، وأكثرُ رواية.
5- وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر: سيدٌ، إمامٌ، فقيه، يصلح للخلافة -وليس بخليفة-.
6- وكذا ولده جعفر الصادق: كبيرُ الشأن، من أئمة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور -ولكنه لم يتولَّ أمرا من أمور الخلافة-.
7- وكان ولده موسى -الكاظم-: كبير القدر، جيد العلم، أولى بالخلافة من هارون، وله نظراء في الشرف والفضل -ولم يكن أميرا ولا خليفة-.
8- وابنه عليُّ بن موسى الرضا: كبير الشأن، له علم وبيان، ووقع في النفوس، صيَّره المأمون وليَّ عهده لجلالته، فتوفي سنة ثلاث ومائتين -ولم تتيسر له الخلافة-.
9- وابنه محمد الجواد: من سادة قومه، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه -ولا شأن له بالإمارة-.
10- وكذلك ولده الملقب بالهادي: شريف جليل -لم يكن أميرا يوما من الأيام-.
11- وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري -رحمهم الله تعالى-.
12- فأما محمد بن الحسن هذا: فنقل أبو محمد بن حزم: أن الحسن مات عن غير عقب، قال: وثبت جمهور الرافضة على أن للحسن ابنًا أخفاه …
وممن قال: إن الحسن العسكري لم يعقب: محمد بن جرير الطبري، ويحيى بن صاعد، وناهيك بهما معرفة وثقة" أ. ه [سير أعلام النبلاء].
قال الشيخ عثمان الخميس: "وهؤلاء يمكن أن نقسمهم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: الصحابة منهم، وهم:
1- عليٌّ.
2- والحسنُ.
3- والحسين.
القسم الثاني: وهم علماء أتقياء من جملة علماء أهل السنة والجماعة، وهم ستة:
1- علي بن الحسين.
2- محمد الباقر.
3- جعفر الصادق.
4- موسى الكاظم.
5- علي الرضا.
6- محمد الجواد.
القسم الثالث: من جملة المسلمين لم يُعرف له كبير علم، ولا طُعن في دينهم فهم مستورون، ويكفيهم فخراً نسبهم إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهما اثنان:
1- علي الهادي.
2- الحسن العسكري.
وأنهما ممن يحق لهما أن يأتيا عند قبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وأن يقولا: السلام عليك يا أبت.
القسم الرابع: معدوم، لم يخلق: وهو واحد، وهو المنتظر، محمد بن الحسن".
فها أنتم ترون أنّ الشيعة لم تكتمل عندهم الأئمة، وباقي عندهم محمد بن الحسن المهدي، فهو عندهم حيٌّ حتى الآن، بعد اختفائه بسرداب في سامراءء، وكان له من العمر خمس سنين، وسيخرج في آخر الزمان، فهم ينتظرون هذا الوهم، فيعيشون على ذاك الخيال.
إن الشيعة يعترفون بتقصيرهم في نصرة أبي عبد الله الحسين بن علي -رضي الله عنهما-، فلقد كانوا سببا في استدراجه من الحجاز إلى العراق، ثم تخلَّوا عنه بعد أن وعدوه بالمناصرة، فأسلموه للقتلة، ولم يدافعوا عنه. لذا هم يندبون ويلطمون، ويقيمون المآتم في عاشوراء من كل سنة، أسفا وندما على تقصيرهم في المناصرة والتأييد، فواأسفاه!.
ونرجع إلى الرقم "اثني عشر" حيث نجد أن رجالا من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- بهذا العدد اختارهم الله -تعالى-؛ لأن يكونوا نقباء الأنصار، قال ابن حجر: "كان النقباءُ اثني عشر رجلا، وهم:
1- أسعد بن زرارة.
2- وعبد الله بن رواحة.
3- وسعد بن الربيع.
4- ورافع بن مالك.
5- والبراء بن معرور.
6- وسعد بن عبادة.
7- وعبد الله بن عمرو، والد جابر.
8- والمنذر بن عمرو.
9- وعبادة بن الصامت.
هؤلاء من الخزرج.
ومن الأوس:
10- أسيد بن حضير.
11- وسعد بن خيثمة.
12- ورفاعة بن عبد المنذر عبدة هو بن سليمان" [فتح الباري بشرح صحيح البخاري (1/ 249)].
وكذلك حواريو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثنا عشر، في صحيح مسلم من حديث أبي رافع، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه ويستنون بسنته، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويعملون ما ينكرون".
قال ابن عساكر بسنده عن: "… محمد بن عيسى الطباع؛ سمَّاهم كلَّهم لي سفيان بن عيينة عن معمر قال: "النقباء كلهم من الأنصار" قال: "تسمية النقباء وهم اثنا عشر رجلا كلُّهم من الأنصار، والحواريُّون كلُّهم من قريش:
1- أبو بكر.
2- وعمر.
3- وعثمان.
4- وعلي.
5- وطلحة.
6- والزبير.
7- وسعد بن أبي وقاص.
8- وعبد الرحمن بن عوف.
9- وحمزة بن عبد المطلب.
10- وجعفر بن أبي طالب.
11- وأبو عبيدة بن الجراح.
12- وعثمان بن مظعون.
فهؤلاء اثنا عشر" [تاريخ دمشق (25/ 475)].
إن أهل السنة والجماعة، يؤمنون بما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الخلفاء الاثني عشر، الذين يكون في عهدهم عزٌّ للإسلام والمسلمين، فقد ورد في الحديث الصحيح المتفق على صحته، حديثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا" فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ" [أخرجه البخاري في: 93 كتاب الأحكام، 51 باب الاستخلاف].
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة، كُلّهمْ مِنْ قُرَيْش".
وَفِي رِوَايَة: "لا يَزَال أَمْر النَّاس مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمْ اِثْنَا عَشَرَ رَجُلا، كُلّهمْ مِنْ قُرَيْش".
وَفِي رِوَايَة: "لا يَزَال الإِسْلام عَزِيزًا إِلَى اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَة، كُلّهمْ مِنْ قُرَيْش".
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد مُسْتَحِقّ الْخِلَافَة الْعَادِلِينَ، وَقَدْ مَضَى مِنْهُمْ مَنْ عُلِمَ، وَلا بُدَّ مِنْ تَمَام هَذَا الْعَدَد قَبْل قِيَام السَّاعَة".
وقال ابن كثير: "في الصحيحين من حديث جابر بن سَمُرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا".
ثم تكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلمة خفيت عَلَيّ، فسألت أبي: ماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "كلهم من قريش".
وهذا لفظ مسلم، ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحًا، يقيم الحق ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابعِ أيامهم، بل قد وجد منهم أربعة على نَسَق، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي -رضي الله عنهم-، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة، وبعض بني العباس. ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة" [تفسير ابن كثير (6 / 229)].
قال العصامي: "وقيل: اثنا عشر خليفة في مدة الإسلام إلى القيامة، يعملون بالحق وإن لم يتوالوا، ويؤيده قول أبي الجلد: كلهم يعمل بالهدي ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم، فعليه المراد بالهرج الفتن الكبار كالدجال وما بعده.
وقيل: المراد ب "الاثني عشر": الخلفاء الأربعة، والحسن ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز في الأمويين.
قيل: ويحتمل أن يضم إليهم المهتدي العباسي؛ لأنه في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين، والظاهر العباسي أيضاً لما أوتيه في العدل، ويبقى الاثنان المنتظران، أحدهما: المهدي من آل بيت محمد.
قلت -العصامي-: لعل هذا القول الثاني أقرب إلى المراد من كلام سيد العباد" [سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، لعبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي الشافعي، المتوفى سنة (1111) إحدى عشرة ومائة وألف].
و "في رواية: "لا يزال هذا الأمر قائما".
وفي رواية: "عزيزا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش".
فهؤلاء منهم الأئمة الأربع: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.
ومنهم عمر بن عبد العزيز أيضا.
ومنهم بعض بني العباس، وليس المراد أنهم يكونون اثني عشر نسقا؛ بل لا بد من وجودهم، وليس المراد الأئمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الرافضة، الذين أوَّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم المنتظر بسرداب سامراءء، وهو: محمد بن الحسن العسكري، فيما يزعمون، فإن أولئك لم يكن فيهم أنفعُ من عليٍّ وابنِه الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنهما- حين ترك القتال، وسلم الأمر لمعاوية، -رضي الله تعالى عنه- وأخمد نار الفتنة، وسكَّن رحى الحروب بين المسلمين، والباقون -من الأئمة الاثني عشر- من جملة الرعايا، لم يكن لهم حكم على الأمة في أمر من الأمور.
وأما ما يعتقدونه بسرداب سامراء؛ فذاك هَوَسٌ في الرؤوس، وهذيان في النفوس، لا حقيقة له، ولا عين ولا أثر" [البداية والنهاية (1 / 177)].
عباد الله: نذكر بصيام يوم عاشوراء، وهو يوم الخميس القادم: "جاء في صحيح البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ, فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ" فَصَامَهُ, وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" [رواه البخاري (2004) ومسلم (1130)].
وحين نكرّ البصر إلى أصله عند اليهود نجد أنه العاشر أيضا، لكن لا من المحرم، بل من شهورهم العبرية، وهو شهر "تشرى".
فيه قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- قال ابن ناصر الدين الدمشقي: "وقد تغالا الرافضة قبحهم الله في حزنهم لهذه المصيبة، واتخذوا يوم عاشوراء مأتماً لمقتل الحسين -رضي الله تعالى عنه-، فيقيمون في مثل هذا اليوم العزاء، ويطيلون النوح والبكاء، ويظهرون الحزن والكآبة، ويفعلون فعل غير أهل الإصابة، ويتعدون إلى سبِّ بعض الصحابة، وهذا عمل القوم الضلاّل، المستوجبين من الله الخزي والنكال، ولو كان ذلك جائزاً بين المسلمين؛ لكان أحقَّ بالمأتم اليوم الذي قبض فيه محمد سيد المرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم-" [اللفظ المكرم بفضل عاشوراء المحرم. الذي في إيضاح المكنون: "اللفظ المحرم في فضل عاشور المحرم" لابن ناصر الدين محمد بن أبي بكر عبد الله بن محمد الحافظ شمس الدين القيس الشافعي، الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي، ولد سنة 777، وتوفي سنة 842 اثنتين وأربعين وثمانمائة].
فيوم عاشوراء يوم عظيم، يوم عبادة لا يوم أحزان وأتراح، ولا يوم سرور وأفراح، يوم تعرفه الجاهلية ويعرفه اليهود، فقد ورد عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ, فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ, فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ, وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ, فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ, وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ" [رواه البخاري (2001) ومسلم (1125)].
وعَنْ أَبِى مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ -أي اليهود- يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا, وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَصُومُوهُ أَنْتُمْ" [رواه البخاري (2005) ومسلم (1131)].
-وصيامه ليس بفريضة بل هوسنة مستحبة- عَنْ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ خَطِيبًا بِالْمَدِينَةِ -يَعْنِي فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا- خَطَبَهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ: "هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ, وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ, وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ" [رواه البخاري (2003) ومسلم (1129) مستمدة من كتاب "يوم عاشوراء مسائل وأحكام" لمحمد أمجد بن عبد الرزاق البيات في المسألة الثالثة].
والسلف من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- وغيرِهم يصومونه ويصومون صبيانهم وصغارهم، عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ بن عفراء قالت: أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: "من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه".
فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار منهم -إن شاء الله-، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن -أي الصوف- فإذابكى أحدهم على الطعام؛ أعطيناه إياها، حتى يكونَ عند الإفطار" [أخرجه البخاري (1859) ومسلم (1136)].
واحذروا -عباد الله- خرافاتٍ وبدعًا في عاشوراء:
1- تخصيص الاكتحال في هذا اليوم, والحديث في ذلك لا يصح.
2- تخصيص الاختضاب والاغتسال في ذلك اليوم.
3- التوسعة فيه على العيال، بل التوسعة مشروعة في جميع أيام السنة.
4- اتخاذه مأتماً كفعل الرافضة الجهال، قال الحافظ ابن رجب: "وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- فيه: فهو من عمل من ضَلَّ سعيُه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما؛ فكيف بمن دونهم؟!" [لطائف المعارف، ص74].
واعلموا -عبادَ الله- أنه ثبت في صحيح مسلم قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ -إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى- صُمْنَا الْيَوْم التَّاسِع"، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَام الْمُقْبِل حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.