عناصر الخطبة
الحمد لله الذي جعل في العمر بركة، فمَنَّ على من شاء وجعل أحواله بركة، وقليله في كثرة، وماله في وفرة.
وأشهد أن لا إله إلا الله؛ إذا بارك فليس لبركته منعة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بيّن أهمية البركة، وكانت حياته -مع قصر عمره- بركة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومَن حلّت عليهم البركة.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، فخير الوصايا، وأجلّ المزايا، وأعظم التحف والهدايا، تقوى رب البرايا.
فمَن تكن حُلَّةُ التقوى ملابسَه *** لم يخش في دهره يومًا من العطلِ
ولا يصد عن التقوى بصيرته *** لأنها للمعالي أوضح السبلِ
أيها المسلمون: موضوعٌ حسّاس، يتطلبه كل الأجناس، بل لو بيع بالأثمان والماس، لتكالبت عليه الملوك والأمراء وجميع الناس؛ ولكن رب الناس، الذي أنزل على رسوله: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس:1]، يهبه لمَن يشاء، ويعطيه مَن يشاء. لعلكم -أحبتي في الله- ترغبون في سماعه، وتشتاقون لطلعته! وعنوانه: إنه، بين قوسين: (البركة).
(البركة)، لفظة عذبة، وعبارة جذلة، عبارة في تحايانا ودعواتنا، وكلمةٌ تكرر في عباداتنا وصلواتنا، جمعت خير الدنيا والآخرة، وسعادة الحال والمآل.
إنها الدعاء بالبركة، يلقى المرء أخاه فيُحييه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولهذا؛ إذا سلمت أو سُلِّم عليك فأكمل السلام؛ لتنال الدعوة المباركة.
البركة ما حلّت في قليلٍ إلا كثّرته، ولا في ضعيفٍ إلا قوّته، ولا فقيرٍ إلا أغنته، ولا كثيرٍ إلا نفعته، ولا في مال إلا أثرته، ولا في وقت إلا وسعته؛ ثمراتها كثيرة، وفوائدها غزيرة.
البركة مطلب كل إنسان، ومرغب كل مسلم؛ فلعلكم ترغبون أن تعرفوا معنى البركة، ويُسر البركة، وأهمية البركة.
ففي هذه الخطبة، الحلقة الأولى: التذكرة في أهمية البركة، كما يتلوها أسباب البركة، وموانع البركة، ونماذج من البركة؛ في جُمع قادمة، وحلقاتٍ متتالية -بإذن الله-.
البركة -أيها الإخوة الأفاضل- تمَّ تعريفها، كما قال ابن القيم -رحمه الله-: البركة حقيقتها الثبوت واللزوم والاستقرار. وقال الراغب: البركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء، والبركة النماء والزيادة. وبهذا يتضح أن البركةَ ما جمعت شيئين: ثبوت الخير ودوامه، وكثرة الخير وزيادته؛ فيثبت بالبركة ويزداد.
و(التبريكُ) الدعاءُ بذلك، ويقال: باركه الله، وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له؛ وفي القرآن: ﴿أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [النمل:8]، ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأنبياء:81]، ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ [مريم:31].
وكتاب الله مبارك: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام:92]، وهو أحق أن يُسمى مباركًا من كل شيء؛ لكثرة خيره ومنافعه ووجوه البركة فيه.
وفي الحديث: "وبارك لي فيما أعطيت" رواه الترمذي وحسنه. وفي البخاري أن عبد الرحمن بن عوف قال لسعد بن الربيع: "بارك الله لك في أهلك ومالك".
و﴿المبارك﴾: الذي قد باركه الله، كما قال الله عن عيسى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ [مريم:31].
عباد الله: والرب -سبحانه- يُقال في حقه: تبارك، ولا يُقال: مبارك، ربنا تبارك سبحانه وتعالى في عظمته وكثرة خيره ودوامه لعباده، واجتماع صفات الكمال والجمال والجلال له -سبحانه-، ولهذا افتتح -سبحانه- تبارك، سورًا من آياته: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان:1].
ولا يُطلق على المخلوق تبارك، كما يقوله بعض الناس عد دخول منزله أو عرسه: تباركت علينا، أو تبارك المنزل، ونحو ذلك، بل يُقال: نزلت البركة، أو فيك بركة، أو بركاتكم، أو قدومكم فيه بركة.
إذا عرفنا البركة فلقائلٍ أن يقول: لماذا الحديث والحث على طلب البركة؟ فالجواب: البركة خيرها عظيم، وأثرها عميم، فالبركة إذا حلت في مالٍ أو ولدٍ أو زوجةٍ أو سكنٍ أو وقتٍ أو عمرٍ فلا تسأل عن نفعه وخيره وثمرته وفضله، فإذا حلت في شيء زادته وزانته، بل لا قيمة لكسبٍ ولا مالٍ ولا سكنٍ ولا ولدٍ ولا وقتٍ لا بركة فيه، أو مُحِقت بركته، بل هو شؤمٌ على صاحبه. البركة ليست العبرة بها بالكمية، وإنما العبرة بها بالكيفية، فكم مَن دخله قليل وولده قليل وعمره قليل وماله قليل، ولكنه في ذلك يملك الكثير والكثير!.
ولأهميتها؛ ندعو الله في صلواتنا: وبارك على محمد وعلى آل محمد. وندعو بها لأنفسنا في دعائنا: وبارك لنا فيما أعطيت. ونقولها لمتزوجينا: بارك الله لكما وبارك عليكما.
البركة هبةٌ من الله، وفضلٌ منه -سبحانه- تفوق الأسباب المادية، وتطغى على الأسباب الحسية، ولهذا يعطيها الله مَن يشاء بإحساسٍ أو بدون إحساس.
البركة امتنَّ الله بها على خلقه، لاسيما الأنبياء والرسل، قال -تعالى-: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود:48]، وقال -سبحانه-: ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود:73].
ولعِظم البركة وعوائدها المثمرة فهي دعوة الأنبياء، قال الله عن عيسى -عليه السلام-: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ [مريم:31]، وفي البخاري، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن إبراهيم -عليه السلام- عندما زار ابنه إسماعيل لم يجده، ووجد امرأته، فقال لها إبراهيم: "ما طعامكم؟ ما شرابكم؟"، قالت: "طعامنا اللحم، وشرابنا الماء"، فقال -عليه السلام-: "اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم". فقال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: "بركة بدعوة إبراهيم". وكذا النبي يدعو بها: "وبارك على محمد وعلى آل محمد"، وفي الحديث: "ويدعو لأصحابه بها"، فكان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا أخذه قال: "اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدّنا" رواه مسلم.
وخذوا نموذجين وقصتين عجيبتين بسبب دعوة سيد الثقلين لهذين الصحابيين:
الأول: عروة البارقي، روى البخاري عن عروة البارقي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه دينارًا يشتري له به شاةً، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينارٍ، وجاء بدينارٍ وشاةٍ، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه، وعند الترمذي قال له: "بارك الله لك في صفقة يمينك"، فكان يخرج بعد ذلك إلى كُناسة الكوفة فيربح الربح العظيم، وكان من أكثر أهل الكوفة مالًا.
والثاني: أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قالت أمي: يا رسول الله، أنسٌ خادمك، ادع الله له، قال: "اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته" رواه الشيخان. وفي مسلم قال: "فوالله إن مالي لكثير! وإني ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم". قال أبو العالية: "كان لأنس بستانٌ يحمل في السنة مرتين، وكان فيه ريحانٌ يجيء منه ريح المسك". وفي البخاري، قال أنس: "وحدثتني ابنتي أُمينة أنه دفن لصلبي ما قدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة"
والدعاء بالبركة دعوة الصالحين وسائر المسلمين، كما سبق في قول عبد الرحمن بن عوف: "بارك الله لك في أهلك ومالك"، لسعد بن الربيع، وللمتزوجين، والمتبايعين، وتحية المسلمين، فما أجملها من دعوة! وما أحسنها من كلمة يفرح بسماعها كل مسلم ومسلمة!.
ولا غنى للعبد عن بركة ربه طرفة عين، مهما بلغت منزلته، وكثر رصيده، وزادت عياله، ونما ماله، واتسعت أرزاقه؛ روى البخاري مرفوعًا: "بينما أيوب يغتسل عريانًا فخرّ عليه جرادٌ من ذهب، فجعل أيوب يحتسي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك! ولكن لا غنى بي عن بركتك".
البركة يحس بها الإنسان ويشعر بها، كما هو مُشاهدٌ في سالف الأزمان، فكم رأى الناس من بركة الله في الأوقات والأموال، والمساكن والأقوال والأعمال، والعلوم، والراحة النفسية والحياة الطيبة التي عاشها الآباء والأجداد إلى وقتٍ قريب، وزمانٍ ليس بالبعيد، فقد كان يكفيهم القليل، ورزق كل يومٍ بيومه، البيت الواحد الصغير ذو الأمتار القليلة يؤوي جمعًا من الأسرة، طعام الواحد يكفي الاثنين، تظللهم القناعة، ويعلوهم الرضا والسكينة، حياتهم سعادة، قلوبهم واسعة، دنياهم فسيحة، أذهانهم صافية، أوقاتهم طويلة؛ اجتماعٌ وألفة، محبةٌ ومودة، ترابطٌ ورحمة.
فما بال الناس اليوم؟! ضاقت أرزاقهم أو ضاقت أنفسهم؟ قصرت أوقاتهم أم قصرت أعمارهم وهممهم؟ أم قلت أموالهم؟ أم ماذا؟ السكن الواسع يضيق، والقلب في همٍ وضيق، والكثرة متعبة، والأموال عصيبة، والأوقات شحيحة، والذرية مزعجة، والنفوس كئيبة، والهمم متناثرة، والديون متتالية.
لقد فتح على الناس من أسباب الرخاء ما لم يُفتح على أحدٍ قبلهم، تفجرت كنوز الأرض، وتوافرت الأموال والتجارات والمخترعات والتواصلات، وتعددت طرق الكسب، واتسعت المساكن والطرقات، وظهرت المكتشفات والصناعات؛ فهل ازداد الناس إلا فقرًا؟ وهل كسبوا إلا شِقوة وقهرًا؟ وهل حصلوا إلا همًا وغمًا وقلقًا ودَينًا؟.
غلب على العالم الشكوى من الفقر والقلة وضيق العيش وشح الوقت، والخوف من المستقبل، مع توافر الأسباب والسعة والرخاء فيما لذ وطاب! فيا تُرى؛ أين الخلل؟ أم أين حصول العلل؟ أم أين التقصير في العمل؟ إنها -باختصار- محق البركة، أو قلتها، أو نقصها.
اللهم بارك لنا في أموالنا وأعمارنا وأوقاتنا وأزواجنا وذرياتنا، وفي حياتنا، وأينما كنا وحيث ما كنا.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله…
كثرة الشيء لا تدل على خيريته؛ بل الخير في الشيء المبارك وإن كان قليلًا، فالمبارك وإن كان قليلًا في نظر العين فإنه أفضل من الكثير في نظر العين إذا لم يكن مباركًا، وإن الكثير يُعجب، إلا أنهما لا يستويان! ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة:100].
وهذا من الحقائق العظيمة التي لا ينتفع بها إلا صاحب العلم النافع، واليقين الصادق؛ فإن البركة في الوقت كثرة الأعمال الصالحة فيه، وفي العلم العمل به وتعميم نفعه وتدريسه ونشره، وفي المال كفايته والقناعة به، وفي الصحة تمامها وسلامتها، وفي الأولاد صلاحهم وبرهم، وفي الزوجة صلاحها وحسن تبعلها لزوجها وتربيتها لأولادها وطيب عشرتها وحسن تدبيرها، وهكذا في سائر الأحوال.
فهذا الزبير بن العوام قد أوصى ولده أن يقضي عنه دينه الذي يبلغ ألفي ألف ألف ومائتي ألف، يعني مليونين ومائتي ألف، وقد قال لولده عبد الله: يا بني، إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه بمولاي، فوالله ما وقعت في كربة إلا قلت: "يا مولى الزبير، اقض عنه دينه". وكان لا يدع دينارًا ولا درهمًا إلا أرضين له.
دارت الأيام، وبارك الله في أرض الزبير وبيعت، فبلغت تركة الزبير خمسين ألف ألف ومائتي ألف، يعني خمسين مليونًا ومائتي ألف، وكان له أربع نسوة، فصار نصيب كل واحدةٍ منهنَّ ألف ألف ومائتي ألف، يعني مليونين ومائتي ألف.
هذه القصة رواها البخاري في صحيحه، وبوّب البخاري على هذه القصة: باب بركة الغازي في ماله حيًا أو ميتًا.
وفي صحيح مسلم ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- "عند نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان أنه تحصل البركة فيُقال للأرض: أنبتي ثمرتكِ وردي بركتكِ، فيومئذٍ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرِسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفِئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس".
قال ابن القيم -رحمه الله-: ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي اليوم، كما كانت البركة فيها أعظم، فقد روى الإمام أحمد -بإسناده- أنه وِجِد في خزائن بعض بني أمية صرةٌ فيها حنطةٌ أمثال نوى التمر مكتوبٌ عليها: "هذا كان ينبت أيام العدل"، فهذه القصة ذكرها في مسنده على آثار حديثٍ رواه.
وقال أبو داود السجستاني -رحمه الله-: "شبّرت قثاءً بمصر ثلاثة عشر شبرًا، ورأيت أترجة على بعيرٍ بقطعتين، قُطعت وصيرت على مثل عدلين". ذكره في سننه.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: فكل وقت عصيت الله فيه، أو مالٍ عُصيَّ الله به، أو جاهٍ أو علمٍ أو عملٍ عُصيَ الله به؛ فهو على صاحبه ليس له، فليس له من عمره وماله ووقته وجاهه وعلمه وعمله إلا ما أطاع الله به.
ولهذا؛ من الناس مَن يعيش في هذه الدار مائة سنة أو نحوها ويكون عمره لا يبلغ عشرين سنة أو نحوها، كما أن منهم مَن يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ويكون ماله في الحقيقة لا يبلغ ألف درهم أو نحوها! وهكذا الجاه والعلم.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن سره أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه". قال بعض أهل العلم: إن زيادة الأجل تكون بالبركة فيه، وتوفيق صاحبه بفعل الخير وبلوغ الأغراض؛ فينال في قصر العمر ما يناله غيره في طويله.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوةٌ، فمَن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومَن أخذه بإشراف نفسٍ لم يُبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع".
قال ابن حجر -رحمه الله-: "فيه ضربُ المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة؛ لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير".
فبيّن بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله، وضرب لهم المثل بما يعهدون، فالآكل إنما يأكل ليشبع، فإذا أكل ولم يشبع كان عناءً في حقه بغير فائدة، وكذلك المال؛ ليست الفائدة في عينه، وإنما لما يتحصل به من المنافع، فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم.
ويشهد لما قاله ابن حجر ما مر معنا في قصة أنس بن مالك لما دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته".
ومن نفيس الكلام وخاتمة وخلاصة المقام العبارة والقاعدة: "ليست البركة من الكثرة، ولكن الكثرة من البركة"، يؤيدهما في صحيح السُنة: "ليست السنة بألا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ثم لا يُبارك لكم فيه".
هذا وأسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه.
والله أعلم.