سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- (68) غزوة خيبر -2

إبراهيم الدويش

عناصر الخطبة

  1. أهمية مدارسة السيرة النبوية
  2. أحداث فتح حصون خيبر
  3. سرعة امتثال الصحابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
  4. حقد اليهود على المسلمين
  5. الشاة المسمومة وكرم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن نهج نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد معاشر المؤمنين أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فالسعيد من راقب الله، وأحسن تعامله مع ربه، واتبع هدي نبيه -صلى الله عليه وسلم- ؛ المسلم العاقل يتحرى سلامة المنهج وسلامة المنهج باتباع هدي القرآن والسنة، وما أحوجنا في واقعنا لتتبع سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، والوقوف على دروسها وعبرها.

وهذه الخطبة الثامنة والستون من سلسلة خطب السيرة النبوية وواقعنا المعاصر وكان حديثنا عن غزوة خيبر الفاصلة بين الحق والباطل والتي أظهر الله فيها نبيه -صلى الله عليه وسلم- على اليهود والمنافقين رغم قلة العتاد والمقاتلين والتي كانت في صَفر سنة سبع، وخيبر مدينة كبيرة ذات حصون متعددة ومزارع بينها وبين المدينة ثلاثة أيام، ولقد تحدثنا في خطبتنا الماضية عن الدوافع والأسباب التي دفعت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- للتوجه نحو خيبر، كما ذكرنا ما كان من المناوشات الهجومية الأولى، ثم فتح حصن ناعم الحصن الأول.

واليوم -بمشيئة الله تعالى- نتابع أحداث فتح حصون خيبر. فإنه لما تحرك المسلمون نحو الحصن الثاني وهو الذي يسمى حصن الصَّعب نفذ ما معهم من الطعام، فأُصيبوا بالجوع الشديد، وما وجدوا شيئًا يأكلوه غير لحوم الحُمُر، يقول أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ -أحد المعاصرين لتلك الأحداث-: “أَصابَنَا جوعٌ شديدٌ، ونزَلنَا خَيبرَ زمانَ الْبَلَحِ، وهي أرضٌ وَخِيمَةٌ، حارّةٌ شديدٌ حرّهَا، فبينَا نحنُ مُحاصِرونَ حِصنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فخَرَجَ عِشْرُونَ حِمَارًا مِنهُ أوْ ثلَاثُونَ، فلمْ يَقدِرْ اليهودُ على إدخالِهَا، وكانَ حصْنُهُمْ له منعة، فأخذها المسلمون فانتحروها، وأَوْقَدُوا النّيرانَ وطبَخُوا لحُومهَا فِي القدُورِ والْمسلمُونَ جِيَاعٌ، ومَرّ بِهِمْ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُمْ على تلكَ الحَالِ، فسَأَلَ، فأُخْبِرَ، فأَمَرَ منَادِيًا: إنّ رسُول الله يَنْهَاكُمْ عنْ الْحمُرِ الإِنْسِيّة -قَالَ: فكَفَوْا الْقُدُورَ” (مغازي الواقدي 2/660، 661) والقصة أصلها في البخاري (ح:3155)، ومسلم (ح:1937).

وفي تلك المواقف تظهر حقيقة الامتثال، فالصحابة -رضي الله عنهم- على ما هم فيه من شدة، ومع حاجتهم الشديدة للطعام، استجابوا للأمر النبوي دون تردد. ثم توجّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لربه يدعو لهم فقال: “اللَّهمّ إنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ، وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا (دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه”)، فَغَدَا النَّاسُ، فَفَتَحَ اللَّهُ عز وجل حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا بِخَيْبَرِ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ” (سيرة ابن هشام 2/332).

ثم تابع المسلمون جهادهم، فانطلقوا إلى قلعة الزبير من حصون النطاة بعدما فرَّ مقاتلة اليهود إليه، يقول الواقدي: “فَزَحَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إلَيْهِمْ، وَالْمُسْلِمُونَ، فَحَاصَرَهُمْ، وَغَلّقُوا عَلَيْهِمْ حِصْنَهُمْ وَهُوَ حَصِينٌ مَنِيعٌ، يقع فِي رَأْسِ قَلْعَةٍ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ الْخَيْلُ وَلَا الرّجَالُ؛ لِصُعُوبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ” (مغازي الواقدي 2/666).

حاصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام، ثم جاءه رجل يهودي يُقَالُ لَهُ غَزَالٌ، يقدم النصح والإرشاد مقابل الأمان، فقال للرسول -صلى الله عليه وسلم-: “تُؤَمِّنُنِي عَلَى أَنْ أَدُلَّكَ عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ أَهْلِ النَّطَاةِ، وَتَخْرُجُ إِلَى أَهْلِ الشِّقِّ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّقِّ قَدْ هَلَكُوا رُعْبًا مِنْكَ؟ فَأَمَّنَهُ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ. فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ لَوْ أَقَمْتَ شَهْرًا تُحَاصِرُهُمْ مَا بَالَوْا بِكَ، إِنَّ لَهُمْ تَحْتَ الْأَرْضِ دُبُولًا (الجداول) يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ فيشربون مِنْهَا ثمَّ يرجعُونَ إِلَى قلعتهم.

فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- صدقه، أَمَرَ بِقَطْعِ دُبُولِهِمْ، فَخَرَجُوا، فَقَاتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ نَفَرٌ، وَأُصِيبَ مِنَ الْيَهُودِ عَشَرَةٌ، وَافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ النَّطَاةِ” (السيرة النبوية لابن كثير 3/376).

ثم انطلق المسلمون نحو الحصون الأخرى، وأمام كل حصن يقع عددٌ من المبارزات والمناوشات، وتراشق بالسهام والنبال، ففي حصن أُبَي خرج منه رجل يهودي يريد المبارزة والنزال، فخرج له أبو دجانة البطل المغوار “وقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ فَوْقَ الْمِغْفَرِ، يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، فَبَدَرَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ذَفَّفَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ وَدِرْعَهُ وَسَيْفَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاكَ، وَأَحْجَمُوا عَنِ الْبِرَازِ، فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ يَقْدُمُهُمْ أَبُو دُجَانَةَ” (دلائل النبوة للبيهقي 4/225).

فلقد عُرف -رضي الله عنه- ببسالته في القتال، وشجاعته في النزال، فمن كأبي دجانة اليوم يذود عن الدين، ويحمي الحمى، ويصون الأعراض؟! يقول زيد بن أسلم -رضي الله عنه-: “دُخِلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيْضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلَ. فَقِيْلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنِ اثْنَتَيْنِ: كُنْتُ لاَ أَتَكَلَّمُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْنِي، وَالأُخْرَى: فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِيْنَ سَلِيْمًا” (سير أعلام النبلاء 1/243).

أيها المؤمنون الكرام: لقد توالت فتوح المسلمين للحصون حصنًا بعد حصن، كلما فتحوا حصنًا فرَّ اليهود إلى الحصن الذي يليه؛ حتى انتهوا إلى حصن أبي الحقيق “فتحصنوا أشد التحصن، وجاءهم كل فَلٍّ (هارب) كان قد انهزم من النّطَاةِ وَالشّقّ (مناطق الحصون)، فتحصنوا معهم في الْقَمُوص وهو في الكتيبة، وكان حصنًا منيعًا، وفي الْوَطِيحَ وَسُلَالِم، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم مغلِّقين عليهم، حتى همَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينصب المنجنيق عليهم لما رأى من تغليقهم، وأنه لا يبرز منهم بارز، فلما أيقنوا بالهلكة، وقد حصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة عشر يومًا سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلح” (مغازي الواقدي 2/670).

فهم أجبن من أن يحاربوا المسلمين حربًا مباشرة، وصدق الله إذ يقول: ﴿لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾[الحشر: 14]، فهم قوم يحبون الحياة، ويستبسلون في التمسك بزخارفها، قال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾[البقرة: 96]، وفي شأنهم أنشد حسان بن ثابت يقول:

بِئْسَمَا قَاتَلَتْ خَيَابِرُ عَمَّا *** جَمَعُوا مِنْ مَزَارِعَ وَنَخِيلِ

كَرِهُوا الْمَوْتَ فَاسْتُبِيحَ حِمَاهُمْ *** وَأَقَرُّوا فِعْلَ اللَّئِيمِ الذَّلِيلِ

أَمِنْ الْمَوْتِ يهربون فإنّ *** الْمَوْت مَوْتَ الْهُزَالِ غَيْرُ جَمِيلِ

(سيرة ابن هشام 2/347).

ولما هدأت الأوضاع، واستتب الأمر لرسول -صلى الله عليه وسلم-، أقبل اليهود عليه يطلبون الصلح، وهو القادر على إبادتهم عن بكرة أبيهم؛ لكنه -صلى الله عليه وسلم- قَبِل التصالح معهم؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾[الأنفال: 61]، فصالحهم -صلى الله عليه وسلم- على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين ما كان لهم من مال أو أرض، وعلى الصفراء والبيضاء ﴿الذهب والفضة﴾ وَالْكُرَاعِ (اسم يجمع الخيل) وَالْحَلْقَةِ (الدروع)؛ إلَّا ثوبًا على ظهر إنسان. (انظر: مغازي الواقدي 2/671).

هذا ما ذكره الواقدي في مغازيه؛ ولكن جاء التصريح في رواية أبي داود أنه -صلى الله عليه وسلم- سمح لليهود عند جلائهم عن خيبر أن يأخذوا من الأموال ما حملت ركابهم. (أبو داود ح: 3006، وحسن إسناده الألباني).

ولأنه -صلى الله عليه وسلم- يدرك طبيعتهم وما تنطوي عليه نفوسهم من الحقد والكراهية حذَّرهم من مغبَّة الغدر والخيانة وعواقبهما الوخيمة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمّةُ اللهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمْتُمُونِي شَيْئًا“، فكان الصلح عَلَى ذَلِكَ” (انظر: مغازي الواقدي 2/671).

وأكمل -صلى الله عليه وسلم- مصالحته معه، يقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه-: “أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيْبَرَ اليَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا” (البخاري ح: 2720).

وكان من جملة الأخبار المتعلقة بهذه الغزوة: سبيه -صلى الله عليه وسلم- لصفية بنت حيي بن أخطب إذ “كَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَاصْطَفَاها رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِنَفْسِهِ” (سيرة ابن هشام 2/331).

وبتصالحهم معه -صلى الله عليه وسلم- وزواجه من صفية بعد إسلامها، بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم صفحة جديدة؛ لكنهم لم يكونوا أهلًا لها، وصدق الله إذ يقول: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[المائدة: 64].

لقد كان من فسادهم وإفسادهم أن امرأة يُقال لها زينب بنت الحارث أهدت للنبي -صلى الله عليه وسلم- “شَاةً مَصْلِيَّةً (مشوية)، وَقَدْ سَأَلَتْ أَيَّ عُضْوٍ مِنْ الشَّاةِ أَحَبُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقِيلَ لَهَا: الذِّرَاعُ، فَأَكْثَرَتْ فِيهَا مِنْ السُّمِّ، ثُمَّ سَمَّتْ سَائِرَ الشَّاةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهَا” (سيرة ابن هشام 2/337، 338).

فلما قبلها منها، دعا أصحابه للأكل منها، فقال لهم: “اُدْنُوا فَتَعَشّوْا!” فَدَنَوَا فَمَدّوا أَيْدِيَهُمْ، وَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الذّرَاعَ، وَتَنَاوَلَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ عَظْمًا، وَأَنْهَشَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهَا نَهْشًا، وَانْتَهَشَ بِشْرٌ، فَلَمّا ازْدَرَدَ (التهمها) رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَكْلَتَهُ ازْدَرَدَ بِشْرٌ أيضا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “كُفّوا أَيْدِيَكُمْ؛ فَإِنّ هَذِهِ الذّرَاعَ تُخْبِرُنِي أَنّهَا مَسْمُومَةٌ“، فمات من وقته بشر بن البراء، وما منعه أن يلفظ ما أكله إلَّا تأدبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- “. (انظر: مغازي الواقدي 2/678).

أي أدب هذا؟! وأي خلق هذا؟! يتأدب مع القائد الأعظم والرسول الأكرم فلا يلفظ لقمته خشية أن يتأذى النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعله! كيف بنا نحن وفينا من يتجرأ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! كيف بنا وفينا من لا يحسن الأدب والكلام عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! ما أحوجنا إلى المزيد من التأدب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن نمتثل لأمره، وأن ننتهي عن نهيه، بأن نقتدي به في حياتنا وسلوكياتنا وأفعالنا، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾[الأحزاب: 21].

لقد سمَّت زينب بنت الحارث الذراع، فمات بشر؛ لكنه -صلى الله عليه وسلم- عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ودعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زينب،َ فَقَالَ: “سَمَمْت الذّرَاعَ؟” فَقَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَك؟ قَالَ: “الذّرَاعُ“. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: “وَمَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟” قَالَتْ: “قَتَلْت أَبِي وَعَمّي وَزَوْجِي، وَنِلْت مِنْ قَوْمِي مَا نِلْت، فَقُلْت: إنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَتُخْبِرُهُ الشّاةُ مَا صَنَعْت، وَإِنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ” (انظر: مغازي الواقدي 2/678)، “فخلى سبيلها، وعفا عنها” شرف المصطفى لأبي سعد النيسابوي 4/549).

وأتم الله النعمة على نبيه والمؤمنين بفتح خيبر، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)، قال ابن كثير: ﴿وأرضًا لم تطؤوها﴾ “قيل: خيبر”. (تفسير ابن كثير 6/399).

وما أن فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فتح خيبر؛ حتى قدم عليه مهاجرو الحبشة بعدما مكثوا فيها ما يقرب من عشر سنين آمنين، فلما رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فرح فرحًا عظيمًا، وسأل عن جعفر بن أبي طالب، فلما رآه “قَبَّلَه بَين عَيْنَيْهِ، وَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: “مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أُسَرُّ: بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ؟” (سيرة ابن هشام 2/359).

هكذا كان -صلى الله عليه وسلم- بخلقه هكذا كان مع أقاربه، هكذا كان يحرص ويهش ويبش ويفرح بابن عمه، هكذا فلتكن الصلة بالأرحام والأقارب، هكذا يعلمنا حبيبنا عليه الصلاة والسلام.

نسأل الله أن يجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم انصر الاسلام وأعز المسلمين، واقهر اليهود والمنافقين وأعداءك أعداء الدين، اللهم واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم ألف بين قلوبنا وقلوب ولاة أمرنا وعلمائنا ووحد صفنا وكلمتنا، اللهم وثبت أقدامنا وانصر جندنا ورجال أمننا، اللهم زدنا إيمانا وأمانا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع