عناصر الخطبة
الحمد لله رب العالمين، إليه المنتهى..أضحك وأبكى، وأمات وأحيى، وخلق الذكر والأنثى، وعليه النشأة الأخرى، لا إله إلا هو خالقنا ورازقنا وهادينا..
الحمد لله؛ خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، لا إله إلا هو ربنا ومعبودنا.. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى..له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، الكمال المطلق ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه؛ شرع لنا عيدنا، واختار لنا ديننا، وعلمنا مناسكنا، ورزقنا أضاحينا، فهي منه وإليه، نذبحها على اسمه، ونبرهن بها على توحيده، ونظهر شعيرته، ونعلن ذكره وشكره..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ دعاه باني البيت، والمؤذن في الناس بالحج يسأله القبول ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)﴾ [البقرة:127-128]. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان دعوة أبيه إبراهيم حين دعا فقال ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [البقرة:129] فبعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل؛ ليطهر البيت الحرام من رجس الأوثان؛ وليعيد الناس إلى الحنيفية السمحة ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [البقرة:135] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ حملوا دين الله تعالى إلينا، فمن طعن فيهم شكك في ديننا.. لا يحبهم إلا مؤمن ولا يشنؤهم إلا منافق، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى، وكبروه إذ هداكم، واشكروه على ما أعطاكم ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة:198]. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما أهل الحجيج بأنساكهم، الله أكبر عدد ما رفعوا بالتلبية أصواتهم، الله أكبر عدد ما صعد لله تعالى من دعواتهم، الله أكبر عدد ما رموا من جمارهم، الله أكبر عدد ما أراقوا من دماء هداياهم، الله أكبر ولله الحمد.. وقف إخوانكم الحجاج بالأمس في عرفات، ورأيتم جموعهم وهم يعجون لله تعالى بالدعاء، فما أعظمه من جمع! وما أشد أسره للقلوب! كم سالت من مدامع لرؤيتهم.. تغبطهم على مكانهم، وتسأل الله تعالى القبول لهم.. الله أكبر ولله الحمد؛ هداهم لتعظيم الشعائر، ويسر لهم الوصول إلى المشاعر، وعلمهم الأحكام والمناسك.. والآن نجتمع لأداء هذه الشعيرة العظيمة وهم يَزِّفون إلى الجمرات ملبين، فإذا بلغوها رموها مكبرين، ثم حلقوا رؤوسهم، وذبحوا قرابينهم، وحلوا من إحرامهم، وأكملوا أركان حجهم بطوافهم وسعيِّهم ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ﴾ [الحج:29] فالله أكبر ولله الحمد؛ جمع قلوبهم على ذكره وشكره وعبادته..
ولئن فاتنا يا عباد الله شرف ما هم فيه فقد شرع الله تعالى لنا صيام الأمس، وجعله كفارة لسنتين، وشرع لنا تكبيره في هذه الأيام في كل وقت وأدبار الصلوات إلى آخر يوم من أيام العيد وهو يوم الثالث عشر، وشرع لنا هذه الصلاة العظيمة في هذا اليوم المبارك، وشرع لنا عقبها التقرب إليه سبحانه بالضحايا ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر:2] وعن الْبَرَاءِ رضي الله عنه قال: «خَطَبَنَا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْرِ فقال: إِنَّ أَوَّلَ ما نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هذا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذلك فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا…» متفق عليه.
فضحوا تقبل الله تعالى منا ومنكم ومن المسلمين، وكلوا منها وأهدوا وتصدقوا، وعظموا الله تعالى في أعيادكم؛ فإنها من شعائر ربكم ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ﴾ [الحج:32] فالله أكبر على ما هدانا إليه من الشعائر، وله الحمد على ما وفقنا له من تعظيم المناسك..
واختاروا –عباد الله- من ضحاياكم أطيبها وأسمنها، لما روى أبو أُمَامَةَ بن سَهْل رضي الله عنهٍ قالكنا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ وكان المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ) رواه البخاري، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن اختيار السمينة الطيبة من تعظيم شعائر الله تعالى الدال على التقوى. واجتنبوا ما بها عيب من الأضاحي؛ فإن الواحد منا يستحي أن يقدمها لضيفه فكيف يجترئ على ذبحها قربانا لربه عز وجل، واشكروا الله الذي هداكم وعافاكم وأعطاكم، وسلوه القبول لأعمالكم، والغفران لذنوبكم، وحافظوا على صلواتكم، وأدوا زكاة أموالكم، وبروا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وعظموا الله تعالى في عيدكم، وأكثروا من ذكره وتكبيره، واجتنبوا المنكرات؛ فإن أيام العيد أيام شكر وذكر وتمتع بالطيبات فلا تجعلوها أيام لهو منكر وعصيان، وقد روى عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَهُنَّ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ”رواه أحمد.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها الناس: نور الله تعالى وهداه في شرائعه ودينه الذي ارتضاه، فبعث به رسله، وأنزل به كتبه، وألزم به عباده، فلا يهتدي به وينشرح صدره له إلا من وفقه الله تعالى لاتباعه، وأعانه على التمسك به ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء:174] ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(16)﴾ [المائدة:15-16].
هذه النعمة الربانية العظيمة، والنور المبين الذي أنزله على عباده لا يهتدي به إلا من وفقه الله تعالى له، وأراد نجاته به ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشُّورى:52] فتلين قلوبهم بآياته، وتنشرح صدورهم لأحكامه، وتدمع أعينهم من مواعظه، فترجو وعده وتخاف وعيده، بخلاف من ضاقت صدورهم به، وصُمَّت آذانهم عن سماعه والتأثر به، وعميت أبصارهم عن النظر في آياته، وأُغلقت قلوبهم عن معرفته وتدبره ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام:125] ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الزُّمر:22]..
فلا يستوي من استضاء بنور الله تعالى فاتبعه مع من أعرض عنه ورفضه ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام:122] ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ(20)﴾ [فاطر:19-20].
لقد حُرم هذا النور المبين أقوام من البشر ضلوا عنه جهلا –وهم الأكثر- ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء:24] أو عنادا واستكبارا ﴿بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء:42].
وفئة المستكبرين هي الفئة التي تحارب النور وتريد إطفاءه، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة للحيلولة بينه وبين الناس، وتصدهم عنه؛ تكبرا عليه، واستغناء بالباطل عنه.. والاستكبار عن قبول نور الحق وقع من طائفة الكافرين وفيهم قول الله تعالى ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل:22] ووقع من طائفة المنافقين وفيهم قوله تعالى ﴿لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [المنافقون:5].
وليتهم حين استكبروا عن الحق تركوا الناس وما يدينون، ولكنهم وقفوا للرسل وأتباعهم بالمرصاد، يكذبونهم، ويشككون فيما جاءوا به، ويصرفون الناس عنهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء:167] والطائفة التي تكفر بالله تعالى وتصد الناس عن سبيله أكبر جرما، وأعظم كفرا، وأشد عذابا يوم القيامة ممن كفر ولم يصد الناس عن دين الله تعالى ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [النحل:88].
ولهم في إطفاء نور الله تعالى، والصد عن دينه حيل شيطانية، ومكر كبير، وكيد عظيم، يظنون أنهم بمكرهم يزيلون دين الله تعالى من الأرض، ويحرفون جميع الناس عن الحق ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الرعد:33] لقد كان من عظيم مكرهم ما ذكر الله تعالى بقوله ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ﴾ [إبراهيم:46] وبقوله سبحانه ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [نوح:22] ومن نظر إلى واقع الصادين عن دين الله تعالى من الكفار والمنافقين وجد أنهم لم يعدوا قول الله تعالى فيهم ولا وصفه سبحانه لهم، وأنهم يمكرون الليل والنهار لإطفاء نور الله تعالى، وصد الناس عنه..
وفي زمننا: أنكر الملاحدة منهم وجود الله تعالى، وتمندلوا به عز وجل، وجعلوه سبحانه موضوع سخريتهم واستهزائهم، وشككوا في البعث والنشور، وسخروا بالمؤمنين به في روايات ملئوها بالجنس والعهر والإلحاد والزندقة.. وسوقوا لها ولكتبتها في الإعلام، ورفعوا قاماتهم المنحطة، وأثنوا على خبيث ما سطرت أيديهم القذرة؛ ليخرجوا بها جيلا متمردا على الله تعالى، هازئا به.. يعيش عيشة عبثية، ويموت على الإلحاد والزندقة..
لقد سخروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وطعنوا فيه، وشككوا في سنته، وقدموا عليها كتب فلاسفة الغرب وملاحدتهم.. وأزروا بصحبه الكرام رضي الله عنهم.. وحين طُعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، واتهمت الصديقة الطاهرة عائشة رضي الله عنها من قبل بعض الروافض هوّنوا من وقع ذلك، ولم تكتب صحفهم شيئا، وهي التي كانت ولا تزال تشنع على علماء أهل السنة وترميهم بالكذب والبهتان، وتصفتهم بأبشع الأوصاف..
لقد سخروا بكتاب الله تعالى، وقللوا من شأنه، وزعموا أن تحفيظه وتعليمه سبب تأخر المسلمين وتخلفهم، وهم يريدون اللحاق بالعالم الأول الذي لا إسلام فيه ولا قرآن ولا دين ولا أحكام سوى عبادة الهوى.. وبلغت الجرأة ببعضهم إلى حد محاربة القرآن وأهله علنا في الشهر الحرام والبلد الحرام بمنع حلقات تحفيظ القرآن وتشريد مدرسيها وطلابها بحجج أوهى من بيت العنكبوت..
إن مشكلة الصادين عن سبيل الله تعالى من الكفار والمنافقين، الماكرين بدينه، الكائدين لأوليائه، المتربصين بدعاته.. إن مشكلتهم ليست مع العلماء والدعاة.. ولا مع أهل التطرف والتشدد والإرهاب كما يرددون.. وإنما مشكلتهم مع الله تعالى، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع دينه..
إن مشكلتهم مع القرآن الكريم، ومع السنة المطهرة، ومع كل ما يمت للإسلام بصلة إذا كان يمنعهم من أهوائهم، ويحد من سعار شهواتهم.. وكل من تمسك بدين الله تعالى، ودعا إليه، ورد عنه عدوان العادين، فهو مرمى أقلامهم، ومقصد سهامهم، وموضع سخريتهم وبهتانهم وافترائهم، ولا بد من شن حملة صحفية نفاقية عليه لإسقاطه، وتخويف الناس منه.. ولم يسلم من ذلك لجان الإفتاء الرسمية، ولا هيئة كبار العلماء، ولم تجف بعد أحبار صحفهم من الطعن في اللجنة الدائمة للإفتاء على إثر فتواها بتحريم توظيف النساء محاسبات في الأسواق؛ لما يؤدي إليه من الفتنة والاختلاط والابتزاز.. فجن جنونهم على إثر صدور الفتوى، ونظمت كتائبهم النفاقية حملات صحفية شرسة متتابعة، تعترض على الفتوى، وتكذب على العلماء، وتفتي بإباحة ما حرم الله تعالى ضاربين بعرض الحائط قرار ولي أمر هذه البلاد بقصر الفتيا على العلماء الرسميين؛ لنعلم أنهم حينما طبلوا لهذا القرار من قبل إنما أرادوا به إخراس أهل الحق، وتكتيف المحتسبين؛ فكشف الله تعالى خبيئتهم، وهتك سترهم، وأظهر للعامة أمرهم؛ إذ كانوا أول ناقض ومعترض عليه ولتمت الوطنية التي يتشدقون بها، حين خالفوا ولي أمرهم، وقتلوا قراره في مهده.. وما أوقعهم في ذلك إلا فساد نفوسهم، ومرض قلوبهم بالهوى ﴿َمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [لقصص: 50].
إن الله تعالى بعلمه للغيب، وقدرته على الخلق، وحكمته البالغة، وإرادته الغالبة يرد على الصادين عن دين الله تعالى مكرهم، ويرجع عليهم كيدهم ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ(51)﴾ [النمل:51] ويكون ذلك بأسرع مما يظنون ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ [يونس:21] وما مكرهم في مكر من كانوا قبلهم..فأين هم؟! وأين مكرهم؟! ﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَللهِ المَكْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد:42] ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل:26]
والله لن يكون مكرهم إلا وبالا عليهم، والله تعالى موهن كيدهم، ومحبط سعيهم؛ لأنهم أولياء الشيطان، ويستمدون كيدهم منه ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء:76] ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ﴾ [الأنفال:18] ﴿وَمَا كَيْدُ الكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر:25] وقد كاد من كانوا قبلهم بالرسل وأتباعهم فعاد كيدهم عليهم وبالا وخسرانا في الدنيا والآخرة قال الله تعالى في كيد الكافرين للخليل عليه السلام ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ﴾ [الأنبياء:70] وفي آية أخرى ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ﴾ [الصَّفات:98]
وخاطب ربنا سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق:17].
فاستمسكوا عباد الله بدينكم، ولا يغرنكم خوار أهل الكفر والنفاق، وتقلبهم في البلاد.. إن هو إلا استدراج ومتاع قليل، والعاقبة للمتقين.. فصبرا على الحق صبرا.. وادرؤوا عن دين الله تعالى ما استطعتم بأقلامكم وأقوالكم وأفعالكم؛ فإن إنكار المنكر وفضح المنافقين والمفسدين من جهاد الكلمة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة:73]..
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيتها المرأة المسلمة: اتقي الله تعالى في نفسك، واتقيه في أمتك.. إن الأمة محتاجة إليك في تربية نشء صالح مؤمن بالله تعالى، متمسك بدينه، معتز بأمته..ولا سيما في زمن كثر فيه الصادون عن دين الله تعالى، المنتكسون على أعقابهم..
إن أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين حين يصيحون بحقوق المرأة فإنما يريدون استغلال ما يقع على المرأة من ظلم بعض أوليائها لها لينقلوها من ظلم إلى ظلم أكبر منه.. فعلى المرأة وهي تطالب بحقوقها أن لا تتجاوز شرع الله تعالى في ذلك؛ فإن الله تعالى قد وفى لها حقها، وألزم أولياءها بالقيام عليها..فلا تتمرد على ولايتهم لما يقع عليها من ظلمهم، بل تسعى في رفع الظلم عنها مع التزامها بولايتهم عليها..
إن الكفار والمنافقين يسعون إلى تجييش النساء، وملء قلوبهن ضغنا على أحكام الله تعالى، والثورة على دينه، ورفض شريعته، وإبدال مناهج الغربيين بها؛ لتسترجل المرأة وتعلن استقلالها عن الرجل، وتعيش معه في صراع دائم تكون هي وأولادها ضحيته الأولى، فنعوذ بالله تعالى من قلوب فتنت عن الحق، وتمردت على الله تعالى وعلى شريعته المحكمة.. فإياك إياك أن تخدعي بأقوالهم، ولا تغتري بكتاباتهم، وادرئي بقلمك ولسانك عن دينك وحجابك وعفافك عدوان المعتدين من الكفار والمنافقين، حفظك الله تعالى بحفظه، وأسبغ عليك ستره، وأعانك على أمر دينك ودنياك..
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: عظموا الله تعالى في عيدكم، وتقربوا إليه بأضاحيكم، وأدخلوا الفرح والسرور على ذويكم، وتمتعوا بما أحل الله تعالى لكم من الطيبات، وجانبوا طرق المحرمات ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]..
أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال..
وصلوا وسلموا على نبيكم…