عناصر الخطبة
الحمد لله؛ الحمد لله الذي جعل الحياة دار الفناء، والآخرة دار البقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى أفضل من زهد في الدنيا واستعد للآخرة.
أما بعد: فاتقوا المولى تفوزوا بالأخرى والأولى.
عباد الله: تذكروا أن بقاؤكم يسير، وأن العمر قصير، تذكروا أنه لا بُد من الفناء مهما طال العمر والهناء، قال ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: “ما أصبح أحدٌ إلا وهو ضيفٌ، وماله عاريةٌ، فالضيف مرتحلٌ والعارية مردودة، وما المال والأهلون إلا وديعةٌ ولا بُد يومًا أن تُرد الودائع“.
فالموفَّق من استعد لما أمامه، وعمَّر قبره قبل أن يسكنه، فالدنيا دحض مزلة، ودار المزلة عمرانها إلى الخراب صائر، وعامرها إلى القبور زائر.
قال يحيى بن معاذ: “العقلاء ثلاثة: من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يدخله، وأرضى خالقه قبل أن يلقاه“.
ألا إنّما الدنيا كجيفة ِ مَيْتةٍ *** وطُلاَّبها مثل الكلابِ الهوامِس
وأعظمهمْ ذمًّا لها وأشدُّهم *** بها شعفًا قومٌ طوال القلانِس
فانظروا -عباد الله- إلى الدنيا بعينٍ فانية، وإلى الآخرة بعينٍ باقية، وتزودوا من الدنيا كزاد راكب، فإنكم في دارٍ لا تدوم، ودارٌ لا تصفو لشارب، ولا تبقى لصاحب، ولا تستقر لطالب، الدنيا مثلها كمثل الحية لينٌ مسُّها قاتلٌ سُمها.
أيها الناس: اعملوا على مهل وكونوا من الله على وجل، ولا تغتروا بالأمل ونسيان الأجل، الدنيا دار نفاذٍ لا دار إخلاد، ودار عبورٍ لا دار حبور، ودار فناءٍ لا دار بقاء، ودار انصرامٍ لا دار دوام، دارٌ جديدها يبلى ومُلكها يفنى، دارٌ عزيزها يذل وكثيرها يقل، دارٌ ودها يموت وخيرها يفوت، فاستيقظوا رحمكم الله من غفلتكم، وانتبهوا من رقدتكم قبل أن يُقال: فلانٌ مريضٌ أو مدنفٌ ثقيلٌ فهل من دواءٍ وسبيل؟
تَجَرَّدْ مِن الدُّنْيَا فَإِنَّكَ إِنَّمَا *** خَرَجْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنْتَ مُجَرَّدً
أين أرباب الدنيا؟ أين الملوك والتُّجار؟ أين البدو والحُضار تركوا الأهلين والعيان، والأولاد والأموال ﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُور﴾ [لقمان:33].
نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ *** جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا
أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى *** كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَا وَلا بَقوا
الدنيا متاع، والعاقل من اتخذها زاداً وارتفاعاً.
عباد الله: انتبهوا وتفكروا وتيقظوا واعتبروا أين الذين جمعوا الأموال ولم يُغنهم ما جمعوا، أما كلهم في القبور قد جُمِعوا؟ أين الذين قطَّعوا أيد أيامهم في الشهوات واللذات وما شبِعوا؟ أين الذين غرتهم الحياة الدنيا؟ خُذِلوا والله بالشهوات والمعاصي وخُدِعوا، فبادروا أوقاتكم واستعدوا لِما أمامكم، واعلموا أن قبوركم هي صندوق أعمالكم.
يَا مَنْ بِدُنْيَاهُ اشْتَغَلْ *** وَغَرَّهُ طُولُ الأَمَلْ
لموت يأتي بغتةً *** والقبر صندوق العمل
استعدوا لِما أمامكم وتزودوا من أعمالكم إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها.
إخواني: إن الغفلة عن الله مصيبةٌ عظيمة ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ [الحشر:19]؛ فمن غفل عن ذكر الله، وألهته الدنيا عن العمل للدار الآخرة أنساه العمل لمصالح نفسه، فلا يسعى لها بما فيه نفعها، ولا يأخذ في أسباب سعادتها وإصلاحها وما يُكملها، وينسى كذلك أمراض نفسه وقلبه وآلامه فلا يخطر بباله معالجتها، ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها التي تؤول إلى الهلاك والدمار، وهذا من أعظم العقوبات فأي عقوبةٍ أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها، ونسي مصالحها ودائها ودوائها، وأسباب سعادتها وفلاحها، وحياتها الأبدية في النعيم المقيم.
ومن تأمل هذا الموضع تبيَّن له أن كثيرًا من الخلق قد نسوا أنفسهم وضيعوها وأضاعوا حظها، وباعوها بثمن بخسٍ بيع المغبون ويظهر ذلك عند الموت، ويتجلى ذلك كله يوم التغابن يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، يوم ﴿لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام:158]، إنها لحسرة على كل ذي غفلة دونها كل حسرة، ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين﴾ [البقرة: 16]، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة
نتوب من الدنيا إذا مرضنا *** ونرجع للذنوب إذا برئنا
إِذا ما الضرُ مسَّكَ أنت باكٍ *** وأخبثُ ما تكون إِذا قويتَ
فكم من كربةٍ نجاك منها *** وكم كشَفَ البلاءَ إذا بُليتَ
وكم غطاك في ذنبٍ وعنه *** مدى الأيام جهرًا قد نُهيتَ
أما تخشى بأن تأتي المنايا *** وأنت على الخطايا قد دُهيتَ
وتنسى فضل ربٍّ جاد فضلًا *** عليك ولا ارعويت ولا خشيتَ
وكم عاهدت ثم نقضت عهدًا ***وأنت لكل معروفٍ نسيتَ
فدارك قبل نقلك من ديارك *** إلى قبرٍ تصير وقد نعيتَ
إخواني أين أحبابكم الذين سلفوا؟ أين أترابكم الذين رحلوا وانصرفوا؟ أين أصحاب الأموال وما خلَّفوا؟ ندموا والله على التفريط يا ليتهم عرفوا هول مقامٍ يشيب منه الوليد، ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد﴾ [ق:19].
فواعجبًا لك كلما *** دُعيت إلى الله توانيت
وكلما حركتك المواعظ *** إلى الخيرات أبيت
وعلى غيك وجهلك تماديت *** وكم حُذِّرت من المنون
فما التفت إلى قول *** الناصح وتركته وما باليت
يا من جسده حي، يا من جسده حي ولكن قلبه ميت ستُعاين عند قدوم هادم اللذات ما لا تشتهي وتُريد ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد﴾ [ق:19].
كم أزعج الموت نفوسًا من ديارها! وكم أتلف البلى من أجسامٍ منعمةٍ لم يُدارها! وكم أذلّ في التراب وجوهًا ناعمةً بعد رِفعتها واستقرارها!
انتبه يا أخي فالدنيا أضغاث أحلام، ودار فناءٍ ليست بدار مقام، ستعرف وتفهم نُصحي لك بعد أيام.
قُلْ لِلَّذِي أَلِفَ الذُّنُوبَ وأَجْرَمَا *** وَغَدَا عَلَى زَلاَّتِهِ مُتَنَدِّمَا
لا تَيْأَسَنْ واطلب كريمًا دائِمًا *** يُوْلِي الجَمِيْل تَفَضُلاً وتَكَرُّمًا
يا مَعْشَرَ العَاصِيْنَ جُوْدٌ وَاسِعٌ *** عِنْدَ الإِلَهِ لِمَنْ يَتُوبُ ويَنْدَمَا
يا أَيُّهَا العَبْدُ المُسِيْء إِلَى مَتَى *** تُفْني زَمَانَكَ في عَسَى ولَرُبَّمَا
بادِرْ إِلَى مَوْلاكَ يَا مَن عُمْرُهُ *** قَدْ ضَاعَ فِي عِصْيَانِهِ وتَصَرَّمَا
يَا رَبِّ بَصّرْنِي وزلْ عَنِّيْ العَمَا *** واسْأَلَهُ تَوْفِيْقًا وعَفْوًا ثُمَّ قُلْ
ثُمَّ الصلاة على النبي أَجَلُّ مَنْ *** قَدْ خُصَّ بالتَّقْرِيْبِ مِن ربِّ السَّمَا
وعَلَى صَحَابتِهِ الأفاضَلِ كُلِّهِم *** مَا سَبَّحَ الدَّاعِي الإِلَه وعَظَّمَا
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على توفيقه، والشكر له عن منِّه وفضله وإحسانه.
أما بعد.. أيها المسلم: اعلم إن حب الدنيا ندر من يسلم منه، وهو ينبعث من طول الأمل؛ لأن الإنسان يقول: الأيام بين يدي، وأفعل غدًا كذا، وبعد غدٍ سأفعل كذا، وأتمتع بالدنيا، والتوبة بابها مفتوح، وتتمادى به الأيام في جمع الأموال وبناء القصور، وتتشعب أماله إلى أن ينسى أن النفس الواحد يُبعده من الدنيا ويُدنيه من الآخرة.
وما نَفَسٌ إلاّ يُباعِدُ مولدًا *** ويُدني المنايا للنفوسِ فتقرُبُ
ومن العلاج النافع: أن يقول: الموت ليس بيدي، فكيف أعتمد على الحياة؟ فربنا قضى، والموت لا يتأخر، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون﴾ [الأعراف:34]، ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا﴾ [المنافقون:11].
ومن ذلك أن يقول: هبني جمعت الدنيا أليس عند الموت أترك ذلك، وأُسأل عنه، ويتمتع فيه غيري؟ فلِما لا أُفكِر في ذلك أجمع الدنيا لغيري وأبوء بحسابها وأضرارها؟ وأقول كما قال الشاعر:
كدودٌ القز ينسج دائمًا ***ويهلك غمًا وسط ما هو ناسجه
وذي حرص تراه يلم وَفرًا *** لوارثه ويدفعُ عن حِماهُ
ككلب الصيد يُمسك وهو طاوٍ *** فريسته ليأكلها سواهُ
ومن العلاج: أن يعلم أن من كانت دُنياه أكثر كانت حسراته أشد وخوفه أعظم بخلاف من كان أخف منه دنيا فأمره أسهل، فصاحب الألفين أشد حسابًا من صاحب الألف وهلم جر.
ومن العلاج: زيارة المقابر، والنظر في مصارع الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات، وسائر القرابات، والأقران والزملاء والأصدقاء.
يزور المستشفيات والمرضى، والسجون والمستوصفات؛ ليشكر الله على نِعمه العظيمة.
تزود من الدنيا فإنك راحل *** وبادر فإن الموت لا شك نازل
ويقول الآخر:
خَلَتْ دُورُهُمْ مِنْهُمْ وَأَقْوَتْ عِرَاصُهُمْ *** وَسَاقَتْهُمُ نَحْوَ المَنايَا المَقادِرُ
وَعَظَتْكَ أَجْدَاثٌ وَهُنَّ صُمُوتُ *** وَأَصْحَابُهَا تَحْتَ التُرَابِ خُفُوتُ
أيا جامع الدنيا ومهمل نفسه *** لمن تجمع الدنيا وأنت تموت
ومن العلاج: أن ينظر الإنسان إلى جسمه وانحلال قواه، واشتعال الشَّيب الذي هو بريد الموت، وضعف نظره وسمعه، وتقارب خُطاه، وسقوط أسنانه.
تساقط أسنانٌ ويضعف ناظرٌ *** وتقصر خطواتٌ ويثقل مسمعٌ
ومن العلاج: أن تقول: الرُّسل أعلم مني قنعوا بالقوت، ورضوا بالكفاف وما طلبوا الدنيا، فلماذا أنهمك فيها، وأحيق نفسي وأغفل عما قدامي من الأهوال والعظائم التي أنا مقبلٌ عليها في الآخرة؟
أين الملوك؟ أين الجبابرة؟ أين أعوانهم؟ انظري يا نفس، هل بقي منهم أحد؟ ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم:98].
ومن العلاج: أن تقول: نفرض أنكِ ملكت الدنيا بأسرها، وصفا لك عذبها ودلالها، وأدركت الأماني أليس أخر ذلك الموت، وعاقبته الفوت؟ فلماذا تُحرق نفسك في طلب ما هو عاريةٌ ووديعة، ولا تذهب إلا بالكفن فقط؟!
فقل للذي قد غره طول عمره ***وما قد حواه من زخارف تخدع
أفق وانظر الدنيا بعين بصيرةٍ *** تجد كل ما فيها ودائع ترجعُ
وما المال والأهلون إلا ودائعٌ *** ولا بُدّ يومًا أن تُرد الودائع
هون عليك فما الدنيا بدائمةٍ *** وإنما أنت مثل الناس مغرورٌ
ولو تصور أهل الدهر صورته *** لم يُمسِ منهم لبيبٌ وهو مسرورٌ
ويقول الآخر:
نَصِيبك مِمَّا تَجْمَع الدَّهْر كُلّه *** رِدَاءَانِ تُلْوَى فِيهِمَا وَحَنُوط
ثم اعلم أن في التسويف وتأخير الواجب آفات منها:
أولًا: أنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد، ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الحوادث برغم ما تقدم فيه الطب، وتوفر النِّعم، وتقدم العلم، ولكن لا يمنع ذلك الموت بسبب الحوادث، والأمراض المتنوعة التي لا تُحصى.
ثانيًا: إنك إن بقيت إلى الغد لا تأمن من المعوقات من مرضٍ طارئ أو شغلٍ عارض أو بلاءٍ نازل؛ فلهذا ينبغي للعاقل الحازم أن يُبادر إلى اغتنام الفرص، وفعل الخيرات، وأداء الواجبات، وكان العجز أن تؤخِّر وتؤجل حتى تفوتك الفرصة، وتشكو من الغصة، وقد قيل: ولا تؤخر إذا ما حاجةٌ عرضت، فهم يقولون: للتأخير آفات.
عليك بأمر اليوم لا تنتظر غدًا *** فمن لغدٍ من حادثٍ بكفيل
ولا أؤخر شغل اليوم عن كسلٍ إلى غدٍ *** إن يوم العاجزين غدُ
وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ؛ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ“.
وقال أحد العلماء لبعض الشباب: “اعمل قبل ألا تستطيع أن تعمل، فأنا أبغي أن أعمل اليوم فلا أستطيع“.
وكانت حفصة بنت سيرين تقول: “يا معشر الشباب اعملوا فإنما العمل في الشباب“.
ثالثًا: إن لكل يومٍ عمله، ولكل وقتٍ واجباته، فليس وقتٌ فارغٌ من العمل، ولما قيل لعمر بن عبد العزيز –رحمه الله- وقد بدا عليه الإرهاق والتعب من كثرة العمل: أخِّر هذا إلى الغد، فقال: “أعياني عمل يومٍ واحد، فكيف إذا اجتمع عليَّ عمل يومين؟!”
وقال آخر: حقوقٌ في الأوقات يُمكن قضاؤها، وحقوقٌ الأوقات لا يُمكن قضاؤها؛ إذ ما من وقتٍ إلا ولله عليك فيه حقٌّ جديد، وأمرٌ أكيد، فكيف تقضي حق غيره وأنت لم تقضِ حق الله؟!
رابعًا: تأخير الطَّاعات، والتسويف في فعل الخيرات يجعل النفس تعتاد تركها، والعادة إذا رسخت أصبحت طبيعةً يصعب قلعها؛ حتى إن الإنسان يقنع بوجوب المبادرة إلى الطاعات وعمل الصالحات، لكن لا تساعده الإرادة، بل يجد كسلًا وتثاقلًا عن العمل وإعراضًا عنه ومثل هذا يُوجد في التسويف في التوبة والمعاصي، فإن النفس إذا اعتادت ارتكاب المعاصي يعسر منعها منها، ففي كل يومٍ تزداد حبًّا لها، وتزداد ضخامة المعصية، ويكثر أثرها في القلب؛ حتى يعمه ظلامها، فلا ينفذ إليه الهدى.
وانظر إلى الغيبة، والكذب، والرياء ونحوها كيف يعجز المرء عن قهر نفسه عنها؟
وفي الحديث الذي رواه الترمذي “إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا نكتت فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ هو تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صقلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُون﴾ [المطفِّفين:14]”.
خل الذنوب صغيرها *** وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أر *** ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرةً *** إن الجبال من الحصى