عناصر الخطبة
الحمد لله بارئ البريات وعالم الخفيات، المطلع على الضمائر والنيات، أحمده -سبحانه- وأشكره وسع كل شيء رحمةً وعلماً، وقهر كل مخلوق عزةً وحُكماً: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ [طه:110].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً خالصة مخلَصة، أرجو بها الفوز بالجنات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله المؤيد بالمعجزات والبراهين الواضحات، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله السادات، وأصحابه ذوي الفضل والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات، وسلم كثير التسليمات.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: فاتقوا الله -رحمكم الله-، وتوبوا إلى ربكم واستغفروه؛ فالاستغفار ملجأ التوابين ومفزع الخطائين: ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: 22] ألا ﴿تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل: 46].
احذروا الذنوب، واحذروا مع الذنوب إصرار، كما تحذرون معها الاستصغار، واحذروا المجاهرة، فويل لمن يرتبط بارتكاب الذنب، ثم ويلٌ لمن يجد الحلاوة بالظفر به، وويل ثم ويل لمن ينفق المال في تحصيله، ونعوذ بالله من الخذلان، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ(183)﴾ [القلم:44- 45].
أيها المسلمون: من أبصر عيوب نفسه؛ سلم من تتبع مساوئ الناس، ومن ظن بمسلم فتنة فهو المفتون، وإذا كان العلم خير ميراث، فإن حسن الخلق خير قرين، وحسن الخلق لا يتم إحكامه إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة.
معاشر الإخوة: والحديث عن حسن الخلق حديث واسع وموطئ أنيس، ومن العسير الإحاطة به في كلمة أو حصره في مقام، غير أن ثمة صفة عظيمة جامعة لمكارم الأخلاق، ضابطة لحسن السلوك، حاكمة للتصرفات، صفة طالما تحدث الناس عنها، واستحسنتها نفوسهم، وامتدحها منتدياتهم، ولكنها السلوك الغائب والخلق المفقود لدى كثير من الناس غير قليل، بل إنها غائبة عند بعض الناس حتى في أنفسهم، ناهيكم بمن حولهم من الأهل والأقربين.
صفة كريمة وخلق جميل، فيه سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب المحامد، خلق من أشهر ثمار حسن الخلق وأشهاها، ومن أظهر مظاهر جميل التعاملات وأبهاها، خلق يقول فيه نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَا كَانَ في شيءٍ إلا زَانَه، وَمَا نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلا شَانَه" رواه مسلم. إنه الرفق -رحمكم الله-.
فالرفق تحكُّمٌ في هوى النفس ورغباتها، وحملٌ لها على الصبر والتحمل والتجمل، وكفٌّ لها عن العنف والتعجل، وكظمٌ عظيم لما قد يلقاه من تطاول في قول أو فعل أو تعامل.
الرفق -حفظكم الله- أخذٌ للأمور بأحسن وجوهها وأيسر مسالكها، وهو رأس الحكمة ودليل كمال العقل وقوة الشخصية، والقدرة القادرة على ضبط التصرفات والإرادات واعتدال النظر، ومظهرٌ عجيبٌ من مظاهر الرشد، بل هو ثمرة كبرى من ثمار التدين الصحيح.
الرفق: لين الجانب ولطافة الفعل، والأخذ بالأيسر والأسهل، فيه سلامة العرض وصفاء الصدر، وراحة البدن واستجلاب الفوائد وجميل العوائد، ووسيلة التواصل والتواد وبلوغ المراد.
الرفق يلين سَورَة عناد المعاندين، ويقهر عريكة ذوي الطغيان، وفي حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- لَيعطِي على الرِّفقِ ما لا يعطي على الْخَرَق -أي الْحُمقِ-، وإذا أحبَّ الله عبدًا أعطاه الرفق، وما كانَ أهلُ بيتٍ يُحرَمونَ الرفق إلا حُرِمُوا الخيرَ كلَّه".
وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن الله رفيقٌ يحبُّ الرفق، ويعطِي على الرفقِ ما لا يُعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه"، وعنها -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ياعائشة ارفقِي؛ فإن الله إذا أرادَ بأهلِ بيتٍ خيراً دَلَّهُم على باب الرِّفق".
معاشر الإخوة: الرفق هو منهج نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، منحه ذلك ربه وامتن به عليه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 215]
فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المثل الأعلى والأسوة الأولى في أفعاله وأقواله ومعاملاته، رقة وحباً، وعطفاً ورفقاً، يقول أنس -رضي الله عنه-: "خدمتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين والله ما قال لي أُفٍ قط، ولا قالَ لشيءٍ لِمَ فعلتَ كَذَا وهلا فعلت كذا" متفق عليه.
وعنه -رضي الله عنه- قال: "كنتُ أمشِي معَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وعليه بُرْدٌ غليظُ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبَهُ جذبةً شديدة حتى نظرتُ إلى صفحةِ عاتِقِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وقد أثَّرتْ بها حاشيةِ البردِ من شدة جذْبتِه، ثم قال: يامحمد مُرْ لي من مالِ اللهِ الذي عندَك؛ فالتفت رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وضحِكَ، وأمرَ له بعطاء" أخرجه البخاري.
أيها المسلمون: الرفق سلوك كريم في القول والعمل، وتوسط في المواقف واعتدال، وتوافق واختيار للأسهل والألطف، ليس للرفق حدود تضيقه ولا مجالات تحصره، بل هو مطلوب في كل الشئون والأحوال، وفي الحياة كلها، وفي شأن المسلم كله، يأتي في مقدمة ذلك المطلوبات الشرعية.
فربنا -عز شأنه- رفيق بخلقه، رؤوف بعباده كريم في عفوه، رفيق في أمره ونهيه، لا يأخذ عباده بالتكاليف الشاقة: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]، ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ [الطلاق: 7]، ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 18]، ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]
وتأتي الصلاة -وهي عمود الإسلام وأم التكاليف-، "خفف فيها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من أجل بكاء الصبي خشية أن تفتتن أمه". متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذَا صلَّى أحدُكُم للناسِ فلْيخفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ وذا الحاجة" رواه مسلم. وقال: "ليسَ من البرِّ الصيامُ في السفر، وفي عبادَاتِكُم كلِّها سدِّدُوا وقارِبُوا، وخذُوا من الأعمالِ ما تطِيقُون؛ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا".
ومن أعظم صور الرفق: الرفق بالأهل والأسرة من الآباء والأمهات، والأطفال والزوجات، يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه".
أيها الأبناء: ارفقوا بآبائكم وأمهاتكم، أحسنوا الصحبة ولينوا في المعاملة: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ [الإسراء: 24]
أيها الآباء أيها الأمهات: ارفقوا بأبنائكم وبناتكم؛ فربكم يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وإذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق.
ترفقوا بالخدم والعمال ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، وأحسنوا مخاطبتهم، وأعطوهم أجرهم طيبة بها نفوسكم في مواعيدها وإذا طلبوها، وأطعموهم مما تطعمون.
أيها المعلمون أيها الدعاة أيها المسئولون: ارفقوا وترفقوا؛ فالرفق والإحسان أسرع قبولاً وأسرع أثراً؛ فهذا هو المعلم الأول وسيد الدعاة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين بال الأعرابي في المسجد وتناوله الناس، فقال لهم الرسول الرفيق -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُزْرِمُوه دَعُوه، وأَهْرِيقُوا على بَولِه سَجْلا من ماء أو ذَنوبًا من ماء؛ فإنما بُعِثتم ميسِّرِين ولم تبعثوا مُعسِّرِين" أخرجه البخاري.
وعطس رجلٌ في الصلاة، فقال له الحكم بن معاوية السلمي: "رحمك الله، قال: فرَمَقَنِي القومُ بأبصارِهم، فقلت: واثكلَ أمِّياه ما شأنكم تنظرونَ إليَّ؟ فجعلُوا يضرِبُون بأيديهِم على أفخاذِهِم، فلمَّا رأيتُهُم يُصَمِّتونَنِي لكني سكت، فلما صلَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فَبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلِّمًا قبلَهُ ولا بعدَهُ أحْسن تعليمًا منه، فواللهِ ما كَهرَنِي ولا ضربني ولا شتمني قال: "إنَّ هذه الصلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ من كلامِ الناس إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآن" أخرجه مسلم.
وفي عموم الولايات والمسئوليات يقول عليه الصلاة والسلام: "اللهمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمرِ أمتي شيئا فَرَفَقَ بهم فارْفق به، ومَنْ وَلِيَ من أمرِ أمتي شيئًا فشقَّ عليهِم فاشقُقْ عليه" رواه مسلم.
يكون المسلم -عباد الله- على قدر عال من الأخلاق الحسنة، والتعامل الرفيق، والمسلك الراقي، حين يكون متسامحاً، وحين يتجنب المشاحة وغلظ المشاكسة، يمهل المعسر ويتجاوز عن المسيء "رحِمَ الله رجُلا سمحًا إذا باعَ وإذا اشترى وإذا قضَى وإذا اقْتضَى" رواه البخاري.
إن خياركم أحاسنكم أخلاقا، كيف وقد بلغ التوجيه إلى الرفق في ديننا حتى نال الحيوان الأعجم البهيم حظه من الرفق، ففي الحديث: "اتَّقوا الله في هذِه البهَائمِ الْمُعجَمة؛ فَارْكبوها صالحة وكلُوها صَالحة" رواه أبو داود.
والنار وسوء العاقبة لامرأة "حبست هرة حتى ماتت، لا هي أطعمتها، ولا هي سقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، وجنة عدن "لبغِيٍّ سقت كلباً كان يأكل الثرى من العطش".
والتحريش بين البهائم منهي عنه في ديننا، لأنه إيذاء وقسوة وعبث وعنف، بل حتى عند قتله أو ذبحه أنتم مأمورون بأن: "إذا قَتلتمْ فأحْسِنوا القِتلَة وإذا ذبحتمْ فأحسنُوا الذِّبحة، ولْيحدَّ أحدُكمْ شفْرتَه، ولْيرِحْ ذبيحتَه".
وبعد -عباد الله-: فما أحسن الإيمان يزينه العلم! وما أحسن العلم يزينه العمل! وما أحسن العمل يزينه الرفق!
وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم، ومن حَلُم ساد، ومن تفهم وتأنَّ ازداد، ومن زرع شجرة الرفق حصد ثمرة السلامة.
وفي الحديث: "ألا أخبركُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ على النارِ ومَنْ تحرمُ عليه النار؟ على كلِّ قريبٍ هيِّنٍ سَهْل" حديث حسن أخرجه الترمذي، وقال غريب.
والصبر -عباد الله- بالتصبر، والحلم بالتحلم، والعلم بالتعلم، والرفق بالترفق، وحسن الخلق كله بالتخلق، ومن يتوخى الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه.
وأول المودة: طلاقة الوجه، والثانية: الرفق والتودد، والثالثة: قضاء حوائج الناس، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ(201)﴾ [الأعراف: 199 – 201]
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله هادي من استهداه ومجيب من دعاه، أحمده -سبحانه- وأشكره على جزيل ما أفضل وكريم ما أعطاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا رب لنا سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه ومجتباه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ممن هاجر معه ونصره وآواه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثره واتبع هداه، وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً لا حد لمنتهاه.
أما بعد:
أيها المسلمون: الفظ الغليظ العنيف يشق على الناس صحبته، وتثقل على ذوي المروءات معاشرته، ينفر منه الآخرون ولو كثرت فضائله ورُجِيت فواضله، بل لعلهم لا يبالون ما يفوتهم من منافعه؛ ذلكم: أن "مَنْ حُرِم الرفق فَهُو المحرُوم" كما صح في الحديث.
ناهيكم بقاصر المعرفة ومحدود الإدراك الذي يظن الرفق ذلة، والرحمة ضعفاً، والأناة كسلاً، والمدارة نفاقاً، واللطف غفلة، بل ربما ظن الفظاظة رجولة وحزم، والتشدد تمسكاً والتزاماً، وهل هذا إلا الانقلاب في المفاهيم، وغلظ في الفهم، وغلط في الإدراك!
وقد قال أبو الدرداء -رضي الله عنه- وقد سمع من رجل كلاماً قاسياً: "ياهذا لا تغرقْ في سبِّنا، ودَعْ للصلح موضعا؛ فإنَّا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثرِ من أنْ نطيعَ الله فيه".
وشتم رجل الشعبي -رحمه الله- فقال الشعبي: "إنْ كنتُ كما قلت فغَفَرَ الله لي، وإِنْ لم أكنْ كما قلت فغفرَ الله لك".
نعم -حفظكم الله- الرفق يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ وكف الأذى، والأناة وعدم الطيش، كم فات من سبل النجاح والفلاح على أهل العنف والطيش والعجلة!
يقول عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: "إنَّ مِنْ أحبِّ الأعمالِ إلى الله: العفوَ عند المقدرة، وتسكينَ الغضبِ عند الحدَّةِ، والرفقَ بعبادِ الله، وما رفقَ عبدٌ بعبدٍ في الدنيا إلا رفقَ الله به يومَ القيامة".
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واعلموا أن الرفق لا يُنَافي إلا الحزم؛ فيكون المرء رفيقاً في أموره، متأنياً لا يُفَوِّت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت، والمحمود وسط بين العنف واللين، ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل؛ كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر، وشرف النفس أن تحمل المكاره كما تحمل المكارم، وفي الإعراض صون الأعراض، والكريم يلين إذا استُعطِف، واللئيم يقسو إذا أُلطِف.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله، فقال -عز شأنه- وهو الصادق في قيله قولاً كريماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56]
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك ياأكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.
اللهم آمنا في أوطاننا. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وأعْلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يارب العالمين، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يارب العالمين.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يُعزُّ فيه أهل الطاعة، ويُهدَى فيه أهل المعصية، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا وأمتنا وولاة أمورنا وعلماءنا واجتماع كلمتنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يارب العالمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين، اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين فإنهم لا يعجزونك، اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم وفقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة.
اللهم تقبل طاعاتنا ودعاءنا وصالح أعمالنا، وكفر عنا سيئاتنا وتب علينا، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.