عناصر الخطبة
الحَمْدُ للهِ…
أمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُم -أيَّهَا الناسُ- بِتَقوَى اللهِ في السِّرّ والعَلَانِيَةِ، والغَيبِ والشَّهَادَةِ، فَتَقْوَى اللهِ وَصِيَّتُهُ للأَولِينَ والآخِرِينَ منْ خَلقِه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ﴾ [النساء: 131].
إخوةَ الإِيمَانِ: مِنْ حِكمَةِ اللهِ -تَعَالَى-: أَنْ فَاوَتَ بَينَ عِبَادِهِ في أقْدَرِاهِم وَأَرزَاقِهِم، وفضَّلَ بعضَهم عَلى بَعضٍ فِي مَعَايِشِهِم، وسَخَّرَ بعضَهم لِبَعضٍ، فَكَان فيهِم الغَنيُّ والفَقِيرُ، والسَّيِّدُ والخَادِمُ، والآمِرُ والمَأْمُورُ، وَهوَ رحيمٌ بعِبَادِه، يَعلَمُ مَا يُصْلِحُهُم، وَمَا يَصْلُحُ لَهم: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32].
وَنِعَمُ اللهِ -تعالى- عَلَينَا فِي هَذِهِ البِلَادِ كَثِيرٌة، لَم نَبْلُغْ شُكْرَهَا، وَلَم نَقْدُرهَا قَدْرَهَا، وِمِن هَذِه النَّعَمِ أَنْ جَعَلَنَا مَخْدُومِينَ غَيرَ خَادِمِينَ، يَرْحَلُ إِلَينَا النَّاُس مِنَ البُلدَانِ الفَقِيرَةِ، رِجَالًا وَنِسَاءً، تَارِكِينَ وَرَاءَهُم الأَهْلَ وَالوَلَدَ، وَمُتَجَرِّعِينَ غُصَصَ مُفَارَقَةِ الأَوطَانِ، لَيَعْمَلُوا تَحتَ أَيْدِينَا فِي البُيُوتِ أَو فِي غَيرِهَا.
وَهَذَا أَمْرٌ جَدِيرٌ بِأَنْ نَقِفَ عِنْدَهُ، وَنُلمِحَ إِلَى آثَارِهِ، وَنَتَحَدَّثَ عَن آدَابِهِ، فَقَد عَمَّ وَانْتَشَر، حَتَّى غَدَا استِقْدَامُهُم أَمْرًا لِا فِكَاكَ عَنْهُ عِندَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.
وَهوَ وإِنْ كَانَ فِيهِ الإِعَانَةُ وَالتَّيْسِيرُ عَلَى أَهْلِ الحَوَائِجِ، وَالتَّخْفِيفُ عَلَى أَصْحَابِ الضَّرُورَاتِ، إِلَّا أَنَّهُ يَنبَغِي أَنْ تُقَدَّرَ الضَّرُورَةُ بِقَدْرِهَا، وَأَنْ تُرَاعَى فِيهِ الضَّوَابِطُ الشَّرعِيَّةُ بِأَسْرِهَا.
وَالمـؤسِفُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ بَلَغَ حَدَّ التَّرَفِ وَالسَّرَفِ عِندَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، غَيرَ مُلتَفِتِينَ إِلَى الآثَارِ السّلْبِيَّةِ الكَثِيرَةِ لِذَلِك، وَالمصَائِبِ المورِدَةِ لِلمَهَالِك، مِن فَسَادِ الدِّينِ والأَخْلَاقِ، وَانْتِشَارِ السِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ، وإِعْجَامِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَتَكْسِيرِهَا، وَضَعْفِ التَّرْبِيَةِ فِي البُيُوتِ، وَانْتِشَارِ الكَسَلِ بينَ الأَبْنَاءِ والبَنَاتِ، والاتّكَالِيةِ الـمُفرِطَةِ عَلَى الخَدَمِ والسَّائِقِينَ، وإِلْفِ كَثيرٍ مِنَ الـمُنكَرَاتِ، كَالخَلْوةِ والاخْتِلاطِ، وَغَيرِهَا مِمَّا يُكَدِّرُ النَّفْسَ وَيُغِمُّ الفُؤَادَ.
والأَسَى أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ فِي مُجتَمِعٍ عَرَبِيٍّ أَصِيلٍ مُحَافِظٍ عَلَى شَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-.
أَمَا وَقَدْ صَارَتْ بَلِيَّةً ظَاهِرَةً فِي المجتَمَعِ، فدُونَكُم -يَاعِبَادَ اللهِ- بعضَ الآدابِ الشَّرعِيَّةِ التِي يَنْبَغِي مُرَاعَاتُها مَعَ الخَدَمِ وَالعُمَّالِ، التِي تُخَفِّفُ -بإذن الله- مِنْ مَفَاسِدِ اسْتِقْدَامِهِم، وَتُقَلِّلُ مِنْ شَرِّ أَشْرَارِهِم.
أَمَّا الأَدَبُ الأَوَّلُ فَقَبْلَ الِاسْتِقْدَامِ: يَنْبَغِي لِمَن احْتَاجَ إِلَى خَادِمَةٍ أَوْ سَائِقٍ أَوْ غَيرِهِم مِن العُمَّالِ: أَنْ يَحْرِصَ عَلَى المـُسْلِم القَوِيِّ الأَمِينِ، فَخْيرُ الأُجَرَاءِ القَويُّ الأَمِينُ؛ كَمَا جَاءَ فِي كتابِ اللهِ فِي قِصَّةِ مُوسَى -عَلَيهِ السلامُ- فِي قِصَّتِهِ مَعَ ابنتي صَاحِبِ مَديَن: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26].
وَاسْتِقْدَامُ المسْلِمِينَ فِيهِ إِحْسَانٌ لَهُم، وَمَعُونَةٌ لَهُم عَلَى التَكَسُّبِ، وَبَذْلُ الأُجْرَةِ لَهُم أَوْلَى مِنْ غَيرِهِم، وَأَمَّا اسْتِقْدَامُ الكُفَّارِ للعَمَلِ فِي بِلَادِ الإِسْلَامِ فَلَا يَنْبَغِي إِلَّا لِضَرُورَةٍ أو حَاجَةٍ لَا يَجِدُ لَهَا مُسْلِمًا أَوْ مُسْلِمَةً، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ [البقرة: 221].
الأَدَبُ الثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ أَنْ هَؤلَاءِ الخُدّامَ أُجَرَاءُ عِنْدَهُ عَلَى أَعْمَالٍ مَخصُوصَةٍ بِعَقدٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٍ، فَلَيْسُوا أَرِقَّاءَ يَسْتَعْمِلُهُم كَيفَ يَشَاءُ، وَيُكَلِّفُهُم مَا يَشَاءُ، بَلْ وَاجِبٌ عَلَيْهِم أَنْ يَعْمَلُوا مَا اسْتُؤْجِرُوا لِأَجْلِهِ، وَوَاجِبٌ عَلَى مَنِ اسْتَأْجَرَهُم أَنْ يَلْتَزِمَ لَهْم بِذَلِك وَلَا يُكَلِّفَهُم مَا زَادَ عَلَيهِ إِلَّا بِرِضَاهُم.
الأَدَبُ الثَّالِثُ: أَنْ يُوفِيَ الخَادِمَ وَالعَامِلَ أَجْرَهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَلَا يُؤَخِّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ، وَلَا يَحْرِمَهُ مِنْهُ أو مِنْ بَعْضِهِ، رَوَى ابْنُ مَاجَة بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رضي الله عنه-مَا- قَالَ: قَالَ رُسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ" وفِي رِوَايَةٍ: "حَقَّهُ" بَدَلَ "أَجْرَهُ".
وَالأَمْرُ بِإِعْطَائِهِ قَبْلَ جَفَافِ عَرَقِهِ هُوَ كِنَايَةٌ عَن وُجُوبِ المـُبَادَرَةِ عَقِبَ فَرَاغِ العَمَلِ إِذَا طَلَبَ -وَإِنْ لمْ يَعْرَقْ أَوْ عَرِقَ وَجَفَّ-، وَالمرَادُ مِنْهُ المـبَالَغَةُ فِي إِسْرَاعِ الإِعْطَاءِ وَتَرْكِ الإِمْطَالِ فِي الإِيْفَاءِ.
وَفِي بَخْسِهِم حُقُوقَهُم وَتَأْخِيرِ رَوَاتِبِهِم مَعَ حَاجَتِهِمْ وَحَاجَةِ أَهْلِهِم إِلَيْهَا= وَعِيدٌ عَظِيمٌ مِنَ اللهِ -تَعَالَى-؛ كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ" [رواه البخاري].
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الحَارِثِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" [رواه مسلم].
الأَدَبُ الرَّابِعُ: إِحْسَانُ مُعَامَلَتِهِم، وَالرِّفْقُ بِهِم، وَالتَّأَنِّي فِي لَومِهِم، وَالتَّغَافُلُ عَنْ زَلَّاتِهِم، فَلِذَلِكَ – لمنْ جَرَّبَ- آثَارٌ مَحْمُودَةٌ، وَحَسَنَاتٌ مَعْدُودَةٌ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ" [أخرجه مسلم].
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي فَسَمِعْتُ صَوْتًا: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اللَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ" فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ -تَعَالَى-, قَالَ: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ" [رواه مسلم].
وَلْيَكُنِ اسْتِشْعَارُكَ نِعْمَةَ اللهِ -تَعَالَى- بِتَسْخِيرِهِم لَكَ دَافِعًا لِلتَغَافُلِ عَنْهُم، وَمُسَامَحَتِهِم، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ، وَكَرَمِ السَّجِيَّةِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ .. كَمْ أَعْفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَصَمَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُم قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ.. كَمْ أَعْفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَقَالَ: "كُلَّ يَومٍ سَبْعِينَ مَرَّةً".
كَمَا أَنَّ الخَدَمَ كَغَيرِهِم لَا يَجُوزُ السُّخْرِيَةُ بِهِم، أَوْ غِيبَتُهُم، وَفِعْلُ ذَلِكَ عَلَامَةٌ عَلَى دَنَاءَةِ النَّفْسِ وَرَدَاءَةِ الطَّبْعِ.
الأَدَبُ الخَامِسُ: مُرَاعَاةُ أَحْوَالِهُم البَشَرِيَّةِ مِنَ النَّومِ وَالطَّعَامِ وَالأَمْرَاضِ العَارِضَةِ، فمِنَ النَّاسِ مَن يَسْتَعْمِلُ خَدَمَه كَأنَّهُم آلَاتٍ جَامِدَةً، لَا رُوحَ لَها وَلَا مَشَاعِرَ، فَيَشُقُّ عَلَيهِم وَيُحمِّلُهُم فَوقَ طَاقَتِهِم، عن أبي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّه تحْتَ أيْدِيكُمْ. فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مما يأكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِما يَلْبَسُ. ولا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فإنْ تكلَّفوهُمْ فأعِينُوهُمْ" [متفق عليه].
الأَدَبُ السَادِسُ: شُكْرُهُم إِذَا أَحْسَنُوا، وَتَشْجِيعُهُم إِذَا اجْتَهَدُوا، وَلَو بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، إِرْضَاءً لِرَبِّ النَّاسِ الذِي سَخَّرَهُم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ" [رواه الإمام أحمد وأبو داود].
وَمِثْلُ ذَلِكَ مُشَارَكَتُهُم فِي أَفْرَاحِهِم وَأَحْزَانِهِم، فَإِنَّ الإِنْسَانَ يُحِبُّ مَنْ يُشَاركُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَو مُمَّا يُعَمِّقُ الأُخُوَّةَ الإِيمَانِيَّةَ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" [متفق عليه].
الأَدَبُ السَّابِعُ: تَعْلِيْمُهُم مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ، وَالآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالأَخْلَاقِ النَّبِيلَةِ، وَإِرْشَادُهُم إِلَى العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ، وَتَبْصِيرُهُم بَخَطَرِ الشِّرْكِ وَوَسَائِلِهِ، وَالكَبَائِرِ وَأَنْوَاعِهَا، بِالحِكْمَةِ وَاللُّطْفِ وَالموْعِظَةِ الحَسَنَةِ.. فَإِنَّ أَكْثَرَهُم يَأْتِي وَهوَ جَاهِلٌ ضَعِيفٌ، وَرُبَّما جَاءَ مِنْ بَلَدِهِ بِكَثِيرٍ مِنَ المـُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.
ومِنَ التَّقْصِيرِ البَيِّنِ، وَالأَثَرَةِ المقِيتَةِ، أَنْ يَفِدَ إِلَيكَ هَؤُلَاءِ الخَدَمُ والعُمَّالُ، وَرُبَّمَا مَكَثُوا عِندَكَ السَّنَوَاتِ، ثُم لَا يَرْجِعُونَ مِنْكَ بِنَصِيحَةٍ وَاحِدَةٍ فِي دِيْنِهِم، وَلَا دَعْوَةٍ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَلَا تَصْحِيحٍ لِعِبَادَاتِهِم أَوْ أَخْلَاقِهِم.
بَلْ رُبَّمَا اسْتَقْدَمَ بَعضُ النَّاسِ لِلعَمَلِ كَافِرًا أَوْ كَافِرَةً، وَلَم يُكَلِّفْ نَفْسَهُ بِدَعْوَتِهِ إِلَى الإِسْلَامِ وَلَا مَرَّةً وَاحِدَة! فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ الجُوابِ إِذَا سَأَلَنَا اللهُ عَنْهُم، وَعَن تَقْصِيرِنَا فِي دَعْوَتِهِم مَعَ يُسْرِهَا عَلَيْنَا وَهُم بَينَ أَيْدِينَا!
أَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا يَرْضَى بِهِ عَنَا، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا مَا يُسْخِطُهُ عَلَيْنَا، وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْنَا تِجَاهَ إِخْوَانِنَا مِنَ الأَدَبِ وَالمـُعَامَلَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ…
الحَمْدُ للهِ…
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- أَيُّهَا المؤْمِنُونَ، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهِ، وامْتَثِلُوا أَمْرَهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: 196].
عِبَادَ اللهِ: مِمَّا يَنْبَغِي لِمَن اسْتَقْدَمَ عُمَّالًا أَوْ خَدَمًا أَنْ يَكُونَ قُدْوَةً صَالِحَةً لَهُم، فَلَا يَأْمُرُهُم بِخَيرٍ إِلَا وَيُبَادِرُ إِلَيْهِ قَبْلَهُم، وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْ شَرٍّ إِلَا وَيَسْبِقُهُم إِلَى اجْتِنَابِهِ.
وَعَلَيهِ أَنْ يَحْمِلَهُم عَلَى الأَوَامِرِ الشَّرعِيَّةِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَيُعَوِّدَهُم عَلَيهَا، وَيَصْبِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعَوِّدَ الخَادِمَاتِ عَلَى الحِجَابِ وَالسِّتْرِ، والبُعْدِ عَن الرِّجَالِ، كَمَا أَنَّ عَلَيهِ أَنْ يَكُفَّهُم وَيَكُفَّهُنَّ عَنِ الحَرَامِ وَأَسْبَابِهِ، وَلَا يَتَهَاونَ فِي ذَلِكَ .
وَمِمَّا يُلَاحَظُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ: التَّسَاهلُ فِي الخِلْوَةِ بِالخَادِمَاتِ، أَوْ تركِهِنَّ فِي البُيوُتِ مَعَ الأَولَادِ الذُّكُورِ، وَالِاخْتِلَاطِ بِهِنَّ، وَالنَّظَرِ إِلَيهِنَّ مُتَكَشِّفَاتٍ حَاسِرَاتِ الرُّؤُوسِ وَالأَيْدِي، وَكَأَنَّهُنَّ مِنَ المـَحَارِم!
وَمِثْلُ ذَلِكُم: التَّسَاهلُ فِي إِخْرَاجِهِنَّ القَمَائِمَ وَأَكْيَاسِ النِّفَايَاتِ إِلَى الشَّارِعِ، وَإِرْسَالِهِنَّ إِلَى الأَسْوَاقِ مُنْفَرِدَاتٍ، وَحَدِيثِهِنَّ مَعَ السَّائِقِينَ، وَغَيرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ المفَاسِدِ والمصَائِبِ.
فَأَينَ الرِّعَايَةُ وَالمـُرَاقَبَةُ؟! وَأَينَ الرِّجَالُ عَنِ اسْتِشْعَارِ المـَسْؤُولِيَّةِ؟! وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا".
نَسأَلُ اللهَ -تَعَالَى- العَفْوَ وَالعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالى.
ألا وصلوا وسلموا…