فضل الدعوة إلى الله تعالى

محمد بن مبارك الشرافي

عناصر الخطبة

  1. أهمية الدعوة إلى الله تعالى
  2. المقصود بالدعوة إلى الله وأهدافها
  3. عظم مكانة الدعاة في الإسلام
  4. فضائل الدعوة إلى الله عز وجل
  5. كثرة مجالات الدعوة وسعتها
  6. الدعوة إلى الله مسؤولية من؟

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70- 71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- شَرَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَزِينَتُهَا بَيْنَ الْأُمَمِ, كَيْفَ لا وَقَدْ كَلَّفَهَا اللهُ -تَعَالَى- بِحَمْلِ الرِّسَالَةِ وَجَعْلِهَا خِيَاراً عُدُولاً وَأَوْكَلَ إِلَيْهَا خِلَافَةَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحَمْلَهَاَ رِسَالَتَهُ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143].

وَالْوَسَطُ: الْخِيَارُ الْعُدُولُ, وَقَالَ سُبْحَانَهُ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]؛ فَمَنِ اتَّصَفَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ دَخَلَ مَعَهُمْ فِي هَذَا الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالْمَدْحِ لَهُمْ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قال: “مَنْ سَرَّه أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْكَ الْأُمَّةِ فَلْيؤَدِّ شَرْط اللَّهِ فِيهَا” ا.هـ. يَعْنِى: فَمَعَ إِيمَانِهِ بِاللهِ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ هِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى دِينِهِ الذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَهُوَ الدِّينُ الذِي لا يَقْبَلُ اللهُ دِينَاً سِوَاهُ, قَالَ اللهُ -سُبْحَانَهُ-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ” (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ هِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى تَوْحِيدِهِ بِإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَإِثْبَاتِ مَا لَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ, وَالدَّعْوَةِ إِلَى نَبْذِ الشِّرْكِ بِهِ فِي رُبُوبِيِّتِهِ أَوْ أُلُوهِيِّتِهِ أَوْ أَسْمَائِهِ أَوْ صِفَاتِهِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36].

إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ هِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى اتِّبَاعِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الابْتِدَاعِ فِي دِينِهِ أَوِ الإِحْدَاثِ فِي شَرِيعَتِهِ, عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قَالَ: “أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ فَضْلُهَا عَظِيمٌ وَثَوَابُهَا جَزِيلٌ, إِنَّهَا طَرِيقُ الْفَلَاحِ وَسِبيلُ النَّجَاةِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104], وَالْمُفْلِحُ هُوَ مَنْ فَازَ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَتَجَنَّبَ شُرُورَهُمَا, وَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].

إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ طَرِيقٌ لِتَهْذِيبِ النُّفُوسِ وَتَزْكِيَتِهَا, قَالَ اللهُ -تَعَالَى- ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].

إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ وَالْبُعْدُ عَنِ الْخَسَارَةِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾ [سورة العصر: 1- 3].

إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ سَبَبٌ لِلثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ , يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]، فَلْيَبْشِرْ كُلُّ مَنْ دَعَا إِلَى اللهِ أَنْ يَمْنَحَهُ اللهُ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ وَالْقُوَّةَ فِي التَّمَسُّكِ بِهِ جَزَاءً لِجُهُودِهِ, وَمُكَافَأَةً لَهُ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِ وَعَمَلِهِ, وَهَذَا شَيْءٌ نَرَاهُ فِي وَاقِعِنَا لِلْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ وَالدُّعَاةِ الذِينَ خَدَمُوا الدِّينَ , فَهُمْ أَقْوَى النَّاسِ ثَبَاتَاً عَلَى مَرِّ الْأَزْمَانِ وَتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ.

إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ بَابٌ عَظِيمٌ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَطَرِيقٌ سَهْلٌ لاكْتِسَابِ الْأَجْرِ, يَبْقَى لَكَ ثَوَابُهُ بَعْدَ مَوْتِكَ, عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ” (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ” (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَلا شَكَّ أَنَّ أَعْظَمَ النَّفْعِ لِلنَّاسِ هُوَ نَفْعُهُمْ فِي تَصْحِيحِ مُعْتَقَدِهِمْ وَدِينِهِمْ, وَتَزْكِيَةِ أْخَلاقِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ  وَمُحَارَبَةِ الْبَاطِلِ وَالشَّهَوَاتِ التِي تَعْتَرِضُهُمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ وَقَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبِوِيَّةِ الْمُرَغِّبَةِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَالْحَاثَّةِ عَلَى تَعْلِيمِ النَّاسِ الْخَيْرَ وَدَعْوَتِهِمْ لَهُ, وَكُلُّ مُوَفَّقٍ يَسْتَطِيعُ تَقْدِيمَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ بِحَسْبِ مَا عِنْدَهُ مِنْ عِلْمٍ, فَيَدْعُوَ أَهْلَهُ وَمَنْ حَوْلَهُ, وَيَأْمُرُ لِخَيْرٍ وَيَنْهَى عَنْ شَرٍّ, فَإِنَّنَا فِي حَاجَةٍ عَظِيمَةٍ لِلتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى, وَالتَّكَاتُفِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَقُومُوا بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى دِينِهِ, كُلٌّ بِحَسْبِ قُدْرَتِهِ وَمَا عِنْدَهُ مِنْ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ بِالْخَيْرِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مَجَالاتِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ كَثِيرَةٌ بِحَمْدِ اللهِ, فَأَنْتَ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ تَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ, فَمَعَ أُمِّكَ وَأَبِيكَ, وَمَعَ أُخْتِكَ وَأَخِيكَ, وَمَنْ حَوْلَكَ مِنْ أَقَارِبَكَ, وَمَعَ زَوْجَتِكَ وَأَوْلَادِكَ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132].

فَحِرْصُكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِكَ يَؤُدِّي الصَّلَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ هَذِهِ دَعْوَةٌ.., كَوْنُكَ تَأْمُرُهُمْ بِالْأَكْلِ بِالْيَمِينِ وَالشُّرْبِ بِالْيَمِينِ هَذِهِ دَعْوَةٌ.., نَظَرُكَ فِيمَا يَلْبَسُونَ وَفِيمَا يُشَاهِدُونَ فَتُرْشِدَهُمْ بِمَا تَعْرِفُ مِنْ شَرْعِ اللهِ هَذِهِ دَعْوَةٌ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُعَلِّمَ فِي مَدْرَسَتِهِ دَاعٍ إِلَى اللهِ, بَلْ هِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْفُرَصِ الدَّعَوِيَّةِ, فَأَبْنَاءُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أُحْضِرُوا بَيْنَ يَدَيْكَ, فَعَلِّمْهُمْ وَادْعُهُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَانْهَهُمْ عَنِ الشَّرِّ, وَكَمْ مِنَ الْمُعَلِّمِينَ الْمُوَفَّقِينَ قَدْ تَرَكُوا أَثَرَاً عَظِيمَاً فِي طُلَّابِهِمْ, حَتَّى إِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ بَعْدَ تَخَرُّجِهِمْ, فَكَمْ تَحَوَّلَ طَالِبٌ مِنْ فَاسِدٍ إِلَى خَيِّرٍ, وَمِنْ شَقِيٍّ إِلَى تَقِيٍّ, بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ التِي يَسْمَعُونَهَا مِنَ الْمُعَلِّمِ النَّاصِحِ الْمُشْفِقِ, فَدَخَلَتْ قُلُوبَهُمْ قَبْلَ آذَانِهِمْ وَصَارَ لَهَا أَكْبَرُ الْأَثَرِ فِي صَلَاحِهِمْ.

أَيْضَاً فَإِنَّ إِمَامَ الْمَسْجِدِ لَهُ مَجالاتٌ كَبِيرَةٌ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ مِنْ إِلْقَاءِ الدُّرُوسِ أَوْ قِرَاءَةِ كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَوْثُوقَةِ, بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ الْعِشَاءِ, وَهَكَذَا فَيُرَتِّبَ مَعَ طُلَّابِ الْعِلْمِ وَالدُّعَاةِ الْأَخْيَارِ لِإِلْقَاءِ كَلِمَةٍ أَوْ مَوْعِظَةٍ فِي مَسْجِدِهِ وَيُرَغِّبَ الْمُصَلِّينَ فِي الْحُضُورِ, وَكَمْ مِنَ الْمَسَاجِدِ يُشْبِهُ خَلِيَّةَ النَّحْلِ فِي الْخَيْرِ بِسَبَبِ إِمَامِهِ , فَمِنْ دَرْسٍ إِلَى كَلِمَةٍ إِلَى مُحَاضَرَةٍ, إِلَى حَلْقَةِ تَحْفِيظٍ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, فَنِعْمَ هَذَا وَأَمْثَالُهُ وَلِيَبْشِرَ بِالْأَجْرِ وَالثَّوَابِ, فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلَاً.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِمَّا يُحَمِّلُنَا مَسْؤُولَيَّةً كَبِيرَةً فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ أَنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ يَنْشَطُونَ فِي نَشْرِ بَاطِلِهِمْ وَتَرْوِيجِهِ, فَهَلْ يَحْسُنُ بِأَهْلِ الْحَقِّ أَنْ يَتَخَاذَلُوا ؟ أَوْ يَتَّكِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَتْرُكُوا الدَّعْوَةَ بِحُجَّةِ أَنَّ فُلَانَاً يَقُومُ بِالدَّعْوَةِ؟ قَالَ عُمُرَ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَلَدِ الْفَاجِرِ وَعَجْزِ الثِّقَةِ. يَعْنِي: أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ يَتَكَاسَلُونَ وَأَهْلَ الشَّرِّ يَنْشَطُونَ, فَهَلْ يَحْسُنُ هَذَا بِنَا ؟

فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ وَمَنْ حَوْلَكَ وَادْعُ مَنْ تَسْتَطِيعَ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَانْهَ عَنْ كُلِّ مَا تَسْتَطِيعُ مِنَ الشَّرِّ, أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125].

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ, اللَّهُمَّ أعطنا ولا تحرمنا اللَّهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ, وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ, وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاء.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.


تم تحميل المحتوى من موقع