عناصر الخطبة
الحمد لله نستغفره ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، أحمده وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأستغفره، اللهم لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد أن جعلتنا من أتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام.
اللهم لك الحمد كله، وإليك يرجع الأمر كله؛ أوله وآخره علانيته وسره، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
لك الحمد حمداً طيباً يملأ السماء *** وأقطارها والأرض والبر والبحرا
لك الحمد حمداً سرمدياً مباركاً *** يقل مداد البحر عن كتبه حصراً
لك الحمد مقروناً بشكرك دائماً *** لك الحمد في الأولى لك الحمد في الأخرى
الحمد لله ستر القبيح، وأظهر الحسن، ما تنقضي عنا له منن حتى يجدد مثلها. وصلى الله وسلم وبارك على عبده المصطفى ونبيه المجتبى وخيرته من خلقه الرسول المرتضى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى من سلك سبيلهم أو سار أو استنار بهدي محمد صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: عباد الله اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسامنا على النار لا تقوى.
إخوة الدين والعقيدة: حذرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ومن رحمة الله -جل وعلا- بنا ولطف المنعم -سبحانه وتعالى- بنا أن أخبرنا -جل وعلا- كيف نتعامل مع هذه الفتن، فقد فصّلها لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- وبيّنها بيانًا شافيًا كافيًا، فمن طالع كتاب الله وعاد إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجد البيان الشافي ووجد دواءً لداء هذه الفتن التي أخبر عنها -صلى الله عليه وسلم-.
يقول عليه الصلاة والسلام عن الفتن التي تحدث في آخر الزمان قال: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج" أتدرون ما الهرج؟ قالوا: ما هو يا رسول الله؟ قال: "القتل القتل".
فقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن في آخر الزمان يكثر القتل، ويشتد بين الناس، بل إنه -عليه الصلاة والسلام- بيَّن هذا فقال: "وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ.." (رواه مسلم).
بل إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبرنا أن الموازين تتبدل وتتغير في هذه الفتن ثم ينعكس هذا التغير على دين المسلم وعقيدته، "يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي الرجل مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل".
بل أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن من الفتن فتنًا لا تخص طائفة بل هي تعم الأمة جميعا لا يسلم منها أحد، وقد شبّهها النبي -صلى الله عليه وسلم- تشبيها بليغا كما روى مسلم عن أسامة -رضي الله عنه- واسمع إلى هذا المنطق العظيم إلى هذا الكلام الجليل ممن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى -عليه الصلاة والسلام-.
يقول أسامة -رضي الله عنه- "وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أطم من آطام المدينة –مكان مرتفع- فقال هل ترون ما أرى؟" قالوا وما ترى يا رسول الله؟ قال: "إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر".
النبي -صلى الله عليه وسلم- شبّه دخول الفتن لعموم الناس وليس لخاصتهم بنزول المطر في منازلهم، وهذا ما حدث فهو -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى -عليه الصلاة والسلام-.
ومن هذه الفتن العظيمة التي حذر منها نبينا -صلى الله عليه وسلم- وكان لها الأثر العظيم في تفريق هذه الأمة واختلال صفّها وتنافر أبنائها، واستباحة الدماء المحرمة فيها كان من أعظم هذه الفتن، ومن أولها خروجًا في هذه الأمة: فتنة الخوارج التي بينها نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأوضحها، وأعاد فيها وزاد -عليه الصلاة والسلام-.
ومن أول خيوطها حينما أتى ذو الخويصرة وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله بالعدل وبعثه بالقسط اتُهم -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يقيم العدل بين الناس وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأيّ مبرر قد يقوله صاحبه وهو يتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الأمر، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقسم بين الناس فقال ذو الخويصرة: "اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل".
فالتفت إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ويحك! خبت وخسرت من يعدل إذا لم أعدل"، فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنقه، فقال: "دعه يا عمر؛ فإن له أصحابًا يخرجون من ضئضئه يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم" كناية عن شدة عبادتهم وتقربهم إلى الله.
لا نتحدث عن أناس يقولون: نحن نجاهر بالمعصية، بل نتحدث عمن يتقرب إلى الله بالمعصية، وهو يرى عمله حسنًا، قال: "إن من ضئضئه هذا يخرج أصحاب له؛ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية".
وهذا ما حدث؛ فقد خرجوا على الأمة وفرّقوها واستباحوا الدماء منذ عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- منذ زمن الخلافة، بل منذ الحيي الذي تستحي منه ملائكة الرحمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي تستحي منه ملائكة السماء لم يستحِ هؤلاء منه فقتلوه وأراقوا دمه فتساقطت دمائه الطهارة وهو يقرأ قول الله -جل وعلا- ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
بحجج ومبررات دنيوية أنه يقرِّب بني عمه في الحكم، فأيّ مبرر يدعو صاحبه ليقتل خير الناس على وجه الأرض في زمانه.
واشتدت وطأة الخوارج وزاد ضررهم في عهد خليفة المسلمين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأرضاه خير الناس في زمانه وهو رابع الخلفاء الراشدين الذين حثنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على التمسك بهديهم، فقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ".
وهو أمير المؤمنين ابن عم رسول الله، وصهر النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف تتقلب الموازين فيصبح خير الناس على وجه الأرض في أعين بعض العباد من أكثر الناس على وجه الأرض.
وإليكم يا عباد الله هذا السرد التاريخي الذي يذكره الإمام ابن كثير رحمه الله عن هؤلاء الخوارج الذين خرجوا على علي -رضي الله عنه- في النهروان يقاتلون أمير المؤمنين، يقول -رحمه الله عنهم-: "وهذا النوع من الناس وهم الخوارج من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوَّع خلقه كما أراد وسبق في قدره العظيم وما أحسن ما قاله بعض السلف عن هؤلاء الخوارج أنهم المذكرون في قول الله -جل وعلا-: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾ [الكهف: 103- 104].
يقول -رحمه الله-: "والمقصود أن هؤلاء الضلال والأشقياء في الأقوال والأفعال اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين"، ثم قال: "خرجوا يتسلّلون وحدانا؛ لئلا يعلم أحد بهم فيمنعهم من الخروج، فخرجوا من بين الآباء والأمهات، والأعمام والعمات، وفارقوا سائر القربات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم، أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسماوات"، وحاشا لله أن يرضى الله بقتل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه-.
يقول -رحمه الله-: "ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر والذنوب الموبقات، والعظائم والخطيئات، وأنه مما يزيّنه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود من السماوات".
وقال -رحمه الله-: "وقد تدارك جماعة منهم بعض أولادهم وقراباتهم وإخوانهم فردوهم ووبخوهم، فمنهم من استمر على الاستقامة، ومنهم من فر بعد ذلك فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة واجتمع الجميع بالنهروان، وصارت لهم شوكة ومنعة، وهم جند مستقلون وفيهم شجاعة، وعندهم أنهم متقربون بذلك".
ثم ساق -رحمه الله- أن "الخوارج قد عاثوا في الأرض فسادًا، وسفكوا الدماء وقطعوا السبل واستحلوا المحارم التي حرم الله -جل وعلا-، وكان من جملة من قتلوه عبد الله بن خباب صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أسروه وامرأته معه وهي حامل، فقالوا: من أنت؟
قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنكم قد روّعتموني، فقالوا: لا بأس عليك، حدثنا ما سمعت من أبيك، فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي"، فاقتادوه -رضي الله عنه- وأرضاه وساروا به.
يقول ابن كثير -واسمع إلى المفارقات العجيبة- يقول: "في طريقهم وجد أحد الخوارج تمرة ملقاة على الأرض فأخذها ليأكلها فوضعها في فمه فقال صاحبه ينصحه: أتأكل تمرة لم تشترها ولم يأذن لك صاحبها؟ قال: فأخذها من فمه وألقاها"؛ زهدا وورعًا، لكن هذا الزهد والورع لم يمنعه أن يقتل عبد الله بن خباب فقتلوه وذبحوه وألقوه، فأخذوا امرأته وهي حبلى، فقالت: يا قوم أنا امرأة حبلى، وأن زوج عبد الله بن خباب صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن كثير: "فلم يبالوا ولم يراعوا فبقروا بطنها وقتلوها رحمها الله".
الذي يذكر هذا الأمر هو أحد علماء الحديث وأحد المهتمين بالتاريخ وهو ابن كثير -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-.
إنه الأمر حينما يتبدل على قلب صاحبه فيا الله أيعقل أن يستهين المسلم بحرمة إخوانه؟ ألم يقل نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا"، ألم يقل نبينا -صلى الله عليه وسلم- "لهدم الكعبة لَبِنة لبنة أهون على الله من إراقة دم امرئ مسلم".
لكن الخوارج يسترخصون الموت ليس دائمًا حبًّا فيما عند الله والدار الآخرة، ولكن قد يكون بسبب سأمهم من الحياة كما قالت زوجة قطري بن الفجاءة وهو الخارجي الكبير عن أمنية تحدِّث بها نفسها تقول:
أحمِلُ رأساً قد سئمتُ حَمْلَهْ *** وقد مَلِلْت دَهْنَه وغسلَهْ
أَلا فتىً يحملُ عنّي ثِقْلَه
نعم -أيها المؤمنون- لقد قام عبد الرحمن بن ملجم بقتل خير العباد على وجه الأرض، من هو عبد الرحمن بن ملجم؟ هل هو مريض نفسي؟
عبد الرحمن بن ملجم كان من العُبّاد الزهاد، حفظ القرآن، وتعلم الفقه، وقرأ القرآن على يدي معاذ بن جبل -رضي الله عنه وأرضاه- وزكّاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-، أرسل كتابا إلى والي مصر عمر بن العاص يقول له "سيأتيك عبدالرحمن بن ملجم فقرب داره من المسجد ليأخذ الناس عنه القرآن والفقه".
وكان من شيعة علي وقاتل معه في صفين لكن تغير فكره وتبدل حاله فتلبس لبوس الخوارج، وقرر أن يقتل أمير المؤمنين -رضي الله عنه وأرضاه- علي بن أبي طالب فقتله وهو يصلي لله -جل وعلا- فقال عمران بن حطان يتحدث وهو شاعر الخوارج يتحدث عن عبدالرحمن بن ملجم وعن الأجر العظيم الذي ينتظره من قتل علي بن أبي طالب فهو يقتل علي وهو يرى أن بقتله له سيدخل الجنة، قال:
يا ضربة مِن تقيٍّ ما أراد بها *** إلا ليبلغَ مِن ذِي العرش رِضواناً
إني لأذكره يوماً فأحسبه *** أوفى البرية عند الله برهانا
شلت تلك اليد التي امتدت على أمير المؤمنين -رضوان الله عليه-.
بل إن الإمام الذهبي حينما تحدث عن عبدالرحمن بن ملجم قال: "نبرأ إلى الله منه ونبغضه في الله -جل وعلا-".
نعم إن عمله الصالح وتزكية أمير المؤمنين له لم تمنع العلماء أن يتنكروا من قوله ولا أن يحذروا العباد من فعله الذي هو من أعظم أفعال الخوارج.
أيها المؤمنون وعلى مدى تاريخ الإسلام كان الخوارج حجر عثرة في بناء هذه الأمة وفي نهضتها وفي جهادها وجلادها للأعداء.
في زمن الدولة الأموية كانت الفتوحات على أشدها فخرج الخوارج على الدولة الأموية وأحدثوا فيها قتلاً عظيمًا، فقام الخلفاء بسحب جنودهم المرابطين من أجل أن يتفرغوا لقتال الخوارج حتى قتل منهم عدد عظيم.
لقد أحدثوا في الأمة فتنة عظيمة، والعجيب والتاريخ يكرر نفسه أنه في زمن الدولة الأموية اختلف الخوارج على أنفسهم، ونصبوا لهم خليفة مع وجود خليفة للمسلمين فقام الأزارقة بوضع قطري الفجاءة خليفة للمؤمنين وقام الشبيبية بوضع شبيب بن يزيد أمير للمؤمنين وكلٌ يدعي أنا الحق له وأن الباطل مع غيره.
بل أعظم من هذا -أيها المؤمنون- حينما نتحدث عن العدل ونتحدث عن الزمان الذي يقام فيه القسط؛ فإن من أعظم هذه الأزمنة بعد حياة نبينا والخلفاء الأربعة هو زمن عمر بن عبدالعزيز -رضي الله عنه وأرضاه-، هو خليفة المؤمنين وهو الإمام العادل الصالح الزاهد أمير المؤمنين -رضي الله عنه وأرضاه- الذي كان الناس يبحثون في زمانه عن فقير يقدمون له الزكاة فلا يجدون، ومع هذا خرج الخوارج عليه وكفّروه وأخرجوه من دين الله -جل وعلا-.
ثم طلبوا مناظرته فناظرهم، وقال لهم في أثناء المناظرة: "إنكم قوم تأتون بالعجب تدعون من يترك عبادة الأوثان، ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله فتقتلوه وتذهبون إلى من يعبد الأوثان فتحرمون دمه فكان هذا ديدنهم"، ثم كتب إلى عامله بالكوفة أن يكفّ عن الخوارج ما كفوا فلم يكفوا فبعث إلى عامله جندًا لقتال هؤلاء الخوارج.
أيها المؤمنون: إن زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قام بالعدل والقسط لم يمنع ذو الخويصرة أن يقول ما قال، وفي زمن الخلفاء الراشدين كعثمان وعلي -رضي الله عنه- لم يمنع خروج الخوارج، وفي زمن خلافة المسلمين حينما كانت الأمة جميعا على خليفة واحد لم يمنع ذلك خروج الخوارج.
إن الأمر العظيم الذي يجعل هؤلاء الخوارج هو عدم فهمهم لكتاب الله ولسنة رسولهم -صلى الله عليه وسلم-.
ولهذا فإن علماءنا وفقهائنا الأجلاء بينوا في هذا الزمان خطرهم وبينوا ضررهم على الأمة قد يرفع الخوارج شعارات براقة أنهم يريدون أن يقيموا الخلافة للمسلمين كانت الخلافة قائمة فخرجوا أنهم يريدون إقامة العدل، كان العدل قائما فخرجوا.
فهم قوم كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- عن شارب الخمر "يأتي على الناس زمان يشربون الخمر فيها يسمونها بغير اسمها".
وهكذا الآن يرفع اسم الجهاد في سبيل الله فيقتل الأبرياء وتراق الدماء بغير حق وكأنها ليس لها حكم.
علماؤنا -رحمهم الله وحفظ من بقي- حينما تحدثوا بصراحة أنه لا يجوز للشباب أن يذهبوا إلى مناطق القتال في سوريا ولا في العراق انطلقوا من منطلقات مهمة، وأهم هذه المنطلقات أن شبابنا يذهبون بنية طيبة يريدون نصرة إخوانهم وقتال عدوهم يريدون أن يحقنوا دماء إخوانهم، وأن يصونوا أعراضهم فما يلبثوا إلا قليلا فتتغير أمورهم فيخرجون لنا عبر اليوتيوب وغيره يريدون أن يحرروا المملكة العربية السعودية وأن يحرروا بلاد الحرمين.
هذه البلاد التي تُحكَم بشرع الله، والخير فيها قائم وواضح، ومعالم الدين تبرز، ومظاهر التوحيد قائمة، والناس آمنون تحتضن مكة والمدينة، ويتربص بها الأعداء من اليهود والنصارى والرافضة، وهؤلاء الخوارج الذين يريدون الكيد للإسلام والمسلمين فلا للإسلام نصروا ولا للأعداء دحروا.
ومن الأسباب أيضًا: أن الراية غير واضحة يذهب بعض شبابنا من هنا من هذه البلاد فينضم بعضهم مع جبهة النصرة، وآخرون مع دولة الإجرام داعش، ثم يجد بعضهم يقاتل بعض.
أنتم ذهبتم لنصرة إخوانكم في سوريا، فما الذي يحمل بعضكم على قتال بعض وما الذي يحمل بعضكم أن يريق دم الآخر بحجة أنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، أيعقل بعد هذا أن يقول علماؤنا لشبابنا: اذهبوا إلى هناك دون أن تكون الراية واضحة ودون أن تكون هناك إقامة لحرمات الله -جل وعلا-؟!
ومن ذلك الاستهانة بالدماء وهؤلاء من أعظم الناس استهانة بالدماء، انظروا ما تفعله عصابة الإجرام القاعدة في اليمن، وكان آخر ما عملوا في هذا الوقت الذي تتناحر فيه الأمة وتختلف، واليهود يسومون أهل فلسطين ويلاً وعذابًا، نسأل الله أن يحررهم.
في هذا الوقت الذي تشتد فيه وطأة اليهود على أهلنا في فلسطين يأتي بعض شبابنا على رجال الأمن وهم مرابطون في الثغور يدافعون عن بلاد الحرمين فيستحلون دمائهم..
يا الله ما أعظمها من مصيبة أن تقابل الله -جلا وعلا- وقد قتلت رجلا صائما قائما لله -جل وعلا-.
ونقول لرجال الأمن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله".
وانظروا إلى الجرائم العظيمة التي ترتكبها داعش باسم إقامة الدين وباسم خلافة المسلمين وبأسماء أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.
ماذا قدمت القاعدة؟ وماذا قدمت داعش؟
ذهبت أفغانستان، وذهبت العراق، وحلت الفتن في سوريا وفي كثير من بلاد المسلمين فلا نصروا الإسلام، ولا نصروا المسلمين، ولا أقاموا حدود الله، بل استهانوا بحرمات الله -جل وعلا-.
كل هذه الأمور، ومنها كذلك عدم إذن ولي الأمر الذين يقيسون الأمور وينظرون إلى مصالح المؤمنين المبنية على السياسة الشرعية.
أيها المؤمنون: إن هذه الفتن التي تحدث في هذا الزمان تجعل منا واجبا علينا أن نبلغ كلمة الله، وألا نخشى في الله لومة لائم، وأن نقوم بما أمر الله –عز وجل- كما أمر أهل العلم أن يقوموا بين الناس بإقامة الحق والعدل، وأن يقولوا كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم.
لسنا على أرض فيها ملائكة هناك الخطأ وهناك الزلل، وقد يقع الظلم على بعض الأفراد، والواجب في هذا كله أن نحافظ على الأصل الذي لدينا، ليس من صالح الإسلام والمسلمين أن نرى دولة ممزقة، وأن نسعى لتمزيق دول أخرى، بل الواجب أن ننصر إخواننا بما نستطيع، والجهاد في سبيل الله ليس جهادا بالنفس فحسب، بل إن الله قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس كما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
نسأل الله بمنّه وكرمه أن يصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم واجعلهم عدة لأمتهم ودينهم وبلادهم يا ذا الجلال والإكرام.