خطبة عيد الفطر لعام 1438 هـ

خالد بن علي أبا الخيل

عناصر الخطبة

  1. بشائر للصائمين
  2. رمضان ميدان للمنافسة والمسابقة في طاعة الله
  3. عودة بعض الناس للذنوب والمعاصي بعد رمضان
  4. معاني العيد وأسراره
  5. نصائح وتوجيهات للرجال والنساء في العيد
  6. عبادات ينبغي القيام بها بعد رمضان
  7. بعض ما يجب المسلمين على تجاه إخوانهم
  8. موعظة خاصة بالنساء

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله على إتمام شهر الصيام والصبر، وأحمدهُ سبحانه غسل به ذنوب الصائمين كغسل الثوب بماءٍ قطر، فله الحمد إذ رزقنا إتمامه وإكماله وأنالنا عيد الفطر.

أحمده حمدًا جليلًا وأشكره شكرًا جزيلًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له خالق العباد، ومجدد الأعياد، وجامع الناس ليوم المعاد، ومفرح العباد بالأعياد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اجتباه ربه رسولًا واصطفاه خليلًا، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وصلاحًا للناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أعظم وأقدر الله أكرم وأبر.

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحرم هذه الوجوه عن النار، وأن يقبل صيامها وقيامها وتلاوة كتاب ربها.

أسأل الله الكريم أن يجعل ما قدمت في شهر الصيام في ميزان حسناتها يوم تلقى ربها.

اللهم أعط هؤلاء الحاضرين، اللهم أعطهم ولا تحرمهم، وأكرمهم ولا تهنهم، وآزرهم ولا تؤزر عليهم.

أيها المسلمين، أيها الصائمون والصائمات: أبشروا وأمنوا أبشروا وأقنعوا؛ فربنا يبشرنا: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 47].

وتلكم بشرةٌ أخرى لكم أيها الصائمون والصائمات؛ وهي الفرحة الكبرى في الدار الأخرى بعد أن تتم الفرحة الأولى، فللصائم عند فطره فرحة، وعند لقائه فرحةٌ أخرى.

وأبشروا أيها المعذورون عن الصيام لأجل الأمراض والآلام فإذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا.

يا من صام رمضان، يا من قام رمضان يا من تلا القرآن، يا من ساهم في إفطار الصائمين، يا من ابتهل ودعا رب العالمين، يا من أمن المساجد، يا من هو بين راكعٍ وساجد: أبشر بما تقدمه لأنفسكم تجدوه عند الله، ودعنا رمضان تلك أيام لها فرحةُ وسرور، ودعنا رمضان بأدمعٌ كالبحور، ودعنا شهر التراويح والتهجد وألوان الخير والتعبد.

وهكذا الأيام لن تدوم على حال، ودوام الحال من المحال، لكن من نافس وسابق وجاهد ولاحق؛ فعند الصباح يحمد القوم السرى.

وإن كانت الأخرى في ركب المتخلفين والإهمال والمتكاسلين؛ فالعمر باقي، وباب الإقبال عند الرب ساري، ولا تقنط ولا تيأس فرحمة الباري في سائر الأيام والليالي.

إما مسنا الضر أو ضاقت من الحيل *** فلن يخيب لنا في ربنا أملُ

الله أكبر في كل خطبٍ حسبنا وكفى *** إليه نرفع شكوانا ونبتهلُ

من ذا نلوذ به في كشف كرباتنا *** ومن عليه سوى الرحمن نتكلُ

خزائن الله تغني كل مفتقرٍ *** وفي يد الله للسؤال ما سألواُ

وسائل الله ما زالت مسائله *** مقبولةً ما لها رد ولا مللُ

فافزع إلا الله وأقرع باب رحمته *** فهو الرجاء لمن أعيت به السبلُ

كم أنقذ الله مضطرًا رحمته *** وكم أنال ذوي الآمال ما أملواُ

فأنت أكرم من يدعى وأرحم من *** يرجى وأمرك فيما شئت ممتثلُ

أيها المسلمون: لقد كان رمضان ميدانا للمنافسة، ومضمارًا للمجاهدة والعبادة. لقد كانت ساعاته حياة وأنس وإشراق، وبر ومسابقةٌ ولحاق، تروضت فيه النفوس عن الفضيلة، وتربت فيه على الكرامة، وترفعت عن الرذيلة، وتلذذت الأنفس بالعبادة، وما هي إلا لحظات هي أيام معدودات إلا وتغرب شمسه، ويذهب يومه وأمسه.

ترحل الشهر والهفاه وانصرما *** واختص بالفوز في الجنات من خدما

وأصبح الغافل المسكين منكسرا *** مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما

أيها المسلمون: وبعض الناس لما انتهى موسم رمضان نقضوا ما أبرموا وعلى أعقابهم نكصوا واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فعادت حليمة إلى عادتها القديمة وهجر للصلوات مع الجماعة، وتركٌ لتلاوة القرآن وانقطاع عن الخير والإحسان ورجع إلى قنواته وفضائياته، وعقوق أبائه وأمهاته، وعكف عن المحرمات.

إن الواجب أن تستمر النفوس على نهج الهدى والرشاد ولا يحد عملُ بزمنٍ دون زمان، والمؤمن دهره كله رمضان وإرضاءٌ للمنان يواصل المسيرة ويحسن السيرة لا ينقطع ولا ينبتر ولا يكل ولا يمل: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]، يقول الحسن: “لم يجعل لي عمل المؤمن أجلًا دون الموت“، ولهذا لما قيل لبشر -رحمه الله-: “إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان“.

أيها المسلمون: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “قل آمنت بالله ثم استقم“.

أيها الإخوة الفضلاء: العيد مسمًى جميل، ومعنًى نبيل، فيه الحب والإخاء، والبهجة والصفاء، والتضامن والوفاء.

العيد عنوان المودة والوئام، وبذل الخير والسلام، وشعاره القوة والالتحام.

الأعياد معالم أفراح الأمم وشعارات اجتماعها وبقائها والقيم.

العيد حمدٌ وشكران، وبذلٌ وإحسان، وتواضع وامتنان.

العيد شعيرةٌ إلهية وسنةٌ نبوية.

أيها الصائمون: أتدرون أي يوم هذا؟ أتدرون أي شهر هذا؟ إنه يوم الفوز والجوائز وشهر الفرح والحوافز يوم الفرح والسعادة، يوم العيد وما أدراك ما يوم اليد؛ هو يوم الفرح والسرور بتمام نعمة الصيام والحضور، هو يوم المحبة ويوم العفو والتصافح والصفا، تتصافى فيه النفوس وتتسامح، ويسود فيه العفو والصفح وتتمالح، يوم البر والصلة والتزاور والمحبة، يوم إزالة أمراض القلوب كالشحناء والبغضاء والغل والحقد.

إن هذا العيد جاء ناشرًا فينا الإخاءُ نازعًا أشجار حقدٍ مصلحًا مهدي الصفاء، فرحة العيد وروعته ولبه وشرعته لتوطيد العلاقات البشرية، والتواصلات الأسرية، ونبذ الخلافات الزوجية، والمشاكل الداخلية، ونشر الوئام والمحبة بين البرية.

مقصد الشريعة من تلك الأعياد سلامة الصدور والفؤاد والتراحم والتفاهم والتعاطف والتهادي، وإذا صحب التهاني الابتسامةُ جمعت الخير الوافي ألا وهو السلام والمصافحة وإظهار تحية أهل الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أيها المسلمون: مصيبة ثم مصيبة أن ترى شخصين، بل جارين، بل أعلا أخوين، بل أكبر ابن مع والدين متهاجرين متقاطعين؛ فليكن العيد مفتاح إزالة الإحن، وتجريد المحبة والعفو والصفح عما سلف وكان، والتجاوز والتغاضي عما بدر في سالف الأزمان.

وهكذا العيد جاء ليربي نقبل على إخواننا بنفوسٍ صافية، وصدورٍ سليمة، ووجوه باشة، وشفاه مبتسمة، وأيدي مصافحة، ودعواتٍ لطيفة، نخلع المنظار الأسود عجبًا حينما نرى علاقاتٌ تمزقت، وقراباتٌ تقطعت، وعراة تخلخلت، لظنون الريب وشكوكٍ وأوهام، أو لأجل دنيا زائلةٍ فانية.

أمة القرآن: علمكم شهر القرآن كيف تقرؤون القرآن ولذة القرآن، فقرأتم وختمتم، فعيشوا مع القرآن أيامكم، واسعدوا واسعِدوا به أوقاتكم، واعلموا أنه لا نجاح ولا فلاح ولا أمن ولا استقرار إلا بالتمسك به وتلاوته وتدبره، والعمل بمحكمه، والتحاكم إليه، وتعظيمه وتوقيره.

متى نرى الحكم في الآفات قرآناً *** والدين يعمر أقطارًا وبلداناً

الخير في المصحف الهادي ومنهجه *** ففيه زخر لدنيانا وأخرانا

ومن المؤسف:

– هجره ونبذه، وعدم العمل بأوامره.

– تقديم التواصلات الاجتماعية كالنت والواتس على تلاوته.

فعودًا لكلام ربكم، وما به صلاح أحوالكم وأمتكم.

العيد يمثل الأخلاق العالية، والآداب السامية، والأمة الراقية، والنفوس الآبية الشامخة، بيد أنه ينبغي ألا تطغى الفرحة والسرور على ارتكاب المحظور، ففرح محدود مغبوطٌ مسرور.

فاحذروا الاختلاط بين الرجال والنساء، احذروا التصوير والغناء، احذروا الحفلات الغنائية والمهرجانات الآثمة، احذروا الإسبال وحلق اللحاء، احذروا تضيع الأوقات بالسهرات الآثمة والجلسات الماجنة على القنوات والاختلاطات المحرمة، احذروا أضرار التواصلات الاجتماعية، والمواقع الإباحية، والمنتديات الإجرامية، احذروا تضيع الصلوات ومصافحة النساء والأجنبيات وتقبيل المردان والمحارم بشهوة، احذروا إرسال النظرات وإطلاق الكلمات، احذروا تحديد زيارة القبور في الأيام الأعياد والشهور، وكذا عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، والظلم، احذر الظلم بأنواعه ظلم الزوجات وظلم العمال والخادمات وتأخير الرواتب، وأخذ حقوق الآخرين، وازدرائهم واحتقارهم والتكبر عليهم.

الأعياد -أيها المسلمون- سُنة ماضية وليس للأمة سوى هذين العيدين الفطر والأضحى وما عداهما بدعة نكرى.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

مضى شهر رمضان بصوره المشرقة، وأعماله المضيئة، والمسلمون بحمد الله في تسابقٍ وتلاحق هذا يصلي وثاني يفطر وثالث قائم ورابع يقرأ، فالحمد لله على نعمة الإسلام الحمد لله الذي هدانا للإسلام دين التوسط والاعتدال بعيدًا عن الانحراف والغلو والانجراف والبدع والأهواء والتفجير والتكفير والإتلاف والإفساد والتدمير دين القوة لا التمييع لمسائله كمسائل الولاء والبراء، وبغض الكفار وتتبع الرخص والأهواء وتحريف وتأويل النصوص، دين الجمال والكمال، دين الأخلاق وجميل الأفعال يبغض التطرف والغلو ويسحق الوثنية والأصنام، دين اليسر والسماحة، دين العدل في الأحكام وبين الأنام، دين صالح ومصلح في جميع الأحوال، الدين به قيام الأفراد والمجتمعات وقيام الدول والرئاسات، فمن حفظه ساد ومن ضيعه سقط وبات، وبقدر التمسك تكون العزة وبقدر التخلف تكون الذلة.

إن شئت أن ترضى لنفسك مذهبًا تنال به الزلفى وتنجو من النار، فدن بكتاب الله والسُنة التي أتت عن رسول الله من نقل أخبار، دين الاجتماع والائتلاف ونبذ التفرق والاختلاف، وانظر ما ننعم به بحمد الله من الأمن والاستقرار والاجتماع وما هو إلا أثرٌ من آثار الإسلام.

هذا وليحذر الكتاب والصحفيون وغيرهم ممن يتكلم بمسلمات الدين ومسائله وشعائره وبشائره وتوظيفها على حسب الأهواء.

وفي الآونة الأخيرة استطالت الألسنة على الكتاب والسُنة، وما التواصلات الاجتماعية عنا ببعيد، يتكلم المغرد ويعلق على ثوابت الدين وعقده المتين وهو لم يقرأ سورة.

وخذوا دينكم ممن تعرفون وتثقون، لا من النت والمجهولين والتواصلات تستفتون وتتعلمون.

احفظوا أولادكم من الأفكار الدخيلة والفتن المقيتة، والأديان والآراء الهدامة، والعقول المستأجرة، راقبوهم وحذروهم واقتربوا منهم وناصحوهم، ولينوا بأيديهم ورغبوهم واصفحوا عنهم وصافحوهم.

فمن أعظم أسباب الانحراف أمرين أساسين:

غياب القدوة إمام أبصارهم، فكن قدرةً حسنة في كل خير.

وعقلية المربي، فالتربية والنصح الهادف والنقاش الهادئ يؤدي ثمرته.

ويحفظ -بإذن الله- الذرية، فانظروا إلى جلسائهم، وإلى تواصلاتهم، لا لرؤية نقدٍ وغلظةٍ وشدة ومنع، وإنما تذكير ومراقبة وتربية مباشرة أو غير مباشرة، وذكروهم بالله، وعظموا أمامهم أمر الله.

عود بنيك على الآداب في الصغر *** كيما تقر بهم عيناك في الكبر

فإنما مثل الآداب تجمعها *** في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الحمد لله على إحسانهِ والشكر له على فضله وامتنانه.

أيها المسلمون: أسأل الله أن يجعلني وإياكم من عباده المقبولين.

ربنا تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم، واجعلنا ممن ينصرف من هذا الجامع والمصلى كما ولدتهم أمهاتهم مغفورةً لهم ذنوبهم يا ذا الجلال والإكرام.

أيها المسلمون: ما أجمل غسل القلوب قبل غسل الأبدان! ما أجمل الابتسامة وإفشاء السلام والبشاشة! ما أجمل أن نتذكر وإذا ما غضبهم يغفرون! ونتذكر: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: 43]، ونتأمل ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: 22]، فنرفع الهتاف صبرنا وغفرنا وتسامحنا وعفونا.

نتذكر بعفونا قول رسولنا: “ما زاد الله عبدًا لعفوا إلا عزًا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه” إلى متى تهاجر الأبوين؟! إلى متى تهاجر الأبوين؟! والأخوين؟! إلى متى تقاطع الجيران؟! إلى متى الحقد والغل والحسد على كل إنسان؟! أما نقرأ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22]؟ أما نسمع: “لا يدخل الجنة قاطع“؟ أما نخاف: “ومن قطعها قطعته“؟

فتواصلوا وتقاربوا، وتصافحوا واصفحوا، وتغافروا وتغافلوا؛ تؤجر وترزق تهنأ وترفع.

يا من قطع أرحامه، يا من قطع أرحامه وأخواله وأعمامه وإخوانه وأخواته وإخوانه: احذر أن تحرم بركة العمر، وتصاب بقوارع الدهر فواصل واتصل.

يا من عق والديه وعبث وجهه وأغضب والديه، يا من عق والديه وعبث وجهه وأغضب والديه، يا من ابتعد عن والديه، يا من قدم زوجته وولده وحياته على والديه، يا من أبكى والديه، يا من والده وأمه غير راضين عنه: أما تعلم أن رضا الله في رضاهما تدارك ما دام في الزمان فسحة وبرهما وأدخل السرور عليهما وقبل رؤوسهما وشاورهما وأضحكهما وأعطيهما مما أعطاك الله؟

يا من أساء إلى جيرانه وأذاهم بقوله وفعله ولسانه: أما تسمع: “والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه“؟ أما تقرأ: “يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك“؟

في العيد تتجلى فيه الصور الإسلامية والأخلاق العالية يوم العطف على المساكين وأفراح المرضى والفقراء والمحتاجين، ومن مغزى العيد الاجتماعي الإنساني ما يضيفه على القلوب من الأنس والبهجة وتجريد أواصر المحبة، وفي الوقت نفسه تذكير وبناء بحق العاجزين والضعفاء؛ حتى تشملهم الفرحة فشرعت صدقة الفطر لتنعم كل أسرة.

أيها المسلمون: استقيموا وعلى عبادتكم، لازموا: وأقيموا.

ومن أسباب السعادة: الاستمرار على العمل الصالح، والنية الصادقة، والعزيمة الخالصة، وترك العجز والكسل، ومبادرة الأجل، والقصد في العمل، و”المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف“، هذا ومن علامة الحسنة عمل حسنةٍ بعد حسنة، ومن تلك الحسنة: صيام الست من شوال؛ فقد جاء فضلها عن الرسول المفضال: “من صام رمضان ثم أتبعه بستٍ من شوال فكأنما صام الدهر كله“، والمرء أمر نفسه إن شاء تابع صيامها وإن شاء فرقها، والأكمل والأفضل المبادرةُ والمسارعة.

ومما ينبغي لفت الانتباه له: أن من عليه قضاء من رمضان كسفرٍ أو مرضٍ أو نفاس أو حيضٍ المسارعة لإنهائها، وإبراء للذمة، وخوف من نسيانها، وانتشار الفتور والكسل.

ولا يجب القضاء على الفور أو التتابع في قضائه؛ فربنا يقول: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].

عباد الله: في هذا اليوم يذكر من نسي صدقة الفطر أو وكِّل فنسي إخراجها أو لم يعلم بها إلا بعد أيام في سيارته، أو مسكنه أنه يجب إخراجها في الحال، ومن تركها متعمدًا أخرجها مع التوبة والاستغفار.

عباد الله: تذكروا وأنتم بهذا الاجتماع الكبير، وفي هذا المصلى الذي جمع الكبير والصغير وقد تجملتم وتطيبتم وتهيأتم واغتسلتم ولبستم أحسن الثياب وأجمل الحُلل وأروع الأطياب، هلا تذكرتم من صلى معكم العام الماضي من الآباء والأمهات والأصدقاء والأولاد والجيران والأحباب، أين ذهبوا؟ وهل لهم منتظر حين ذهبوا؟ اختطفتهم المنايا وأسرتهم الرزايا أخذهم هادم اللذات أخذ البنين والبنات، مفرق الجماعات ففارقوا الأحباب ووسدوا التراب وابتعدوا عن الأصحاب؟

كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ *** من بين أهلٍ وجيران وأحباب وإخوان

أفناهم الموت واستبقاك بعدهم *** حيًا فما أقرب القاصي من الداني

نسأل الله أن يغفر لهم، نسأل الله أن يغفر لهم ويتجاوز عنهم ويرفع درجاتهم.

سلام على أهل القبور الدوارس *** كأنهم لم يجلسوا في المجالس

ولم يشربوا من الماء البارد شربةً *** ولم يأكلوا من رطبٍ ويابس

وتذكروا أنكم على الطريق وستفارقون القريب والرفيق والولد والصديق.

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته *** يومًا على آلةٍ حدباء محمول

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها الناس: وأنتم في رغدٍ سعيد، وأنسٍ مجيد، وفرحٍ حميد، وبين أيديكم الولد والحفيد، وتلبسون الثوب الجديد، وتأكلون ما لذ وطاب من طعامٍ مفيد، تذكروا أيتامًا لا يجدون ابتسامة الأب الحاني، وأيامى لا ينعمون بحنان الزوج الوافي، وأرامل شغلهم الأنس الضافي، وفقراء لا يجدون السكن الهادي.

تذكروا أسرًا سادها الاختلاف ونزعات الشيطان، وشتت شملها المخدرات والعدوان والعنف القاتل للولدان.

تذكروا -رحمكم الله- جموعًا شردتهم الأعداء، وشتت شملهم الطغيان والاستعمار والاعتداء، نساء أيامى، وشيوخ حيارى، وشباب أسارى، حروب طاحنة، وضحايا ميتمة، وصغار لا ذنب لهم ولا رزية، وقنابل مروعة، وحوادث مزعجة.

تذكروا إخوانٌ مؤمنين مستضعفين مشردين، وآخرين مأسورين، السماء لحافهم، الأرض فراشهم، الخوف أزعجهم، القلق أرقهم، الجوع أوجعهم، وأنتم بحمد الله بنعمة أمنٍ وإيمان، وصحةٍ وعافية أبدان، وأمنٍ في الأوطان، فالحمد لله الرحيم الرحمن.

تذكروا إخوة الإسلام وأنتم تتنقلون وفي أنواع المجالس تجلسون، وعلى المراكب تركبون؛ إخوانا لنا أقعدهم المرض، وحيل بينهم وبين ما يشتهون، فشاركوهم بالبر والزيارة، والدعاء والابتسامة، وتبادل الأحاديث الودية، دون أخذ الزهور والورود، فليس هذا من شرع الرسول.

تذكروا إخوان العقيدة أحوال الأمة وما تعيشه من أحوال عصيبة، وأوقاتٍ حالكة، وأزمانٍ متلاطمة، وأزماتٍ متلاطمة، وأعداءٍ متسلطة، وفتنٍ ومحنٍ متتالية.

والوصية الأخيرة للأخت الفاضلة المصونة الغالية: حافظي على توحيدك، وتمسكي بدينكِ، وحافظي على صلواتك، وأطيعِي زوجك، احرصي على الأوراد والأذكار، وقراءة القرآن والاستغفار.

ربي أولادك على الخير والصلاح، وعوديهم: حي على الفلاح؛ فأنتِ المربية الفاضلة.

احذري الغيبة والنميمة، وتضييع الصلاة.

احذري معصية الزوج فيما أمر الله.

احذري عقوق وقطيعة الأرحام.

الزمي الحجاب، وتستري بالجلباب، وتحلي بالحياء والعفاف.

احذري الاختلاط بالرجال الأجانب في المحلات والممرات، والأسواق والمنتزهات، والحدائق والحفلات والمستشفيات، لا تتبرجين تبرج الجاهلية الأولى، ولا تخضعين بالقول، وقري في بيتك، واحذري الجوالات ومواقع التواصلات.

احذري الركوب مع السائق بدون محرم أو السفر بدون محرم.

احذري الحفلات الغنائية، والاجتماعات المختلطة.

احذري التصوير عبر الواتس والسناب، أو وضع صورتك صورة العرض.

احذري أشد الحذر من مواقع التواصل، فكم صورةٍ هدمت أسرة وفرقت أمة؟

هذا ومما ينبغي أن يذكر فيشكر، ويعلم فيظهر، ما عشنا في بيوتنا وما بين أزواجنا وبناتنا، وتهيئة الإفطار وأكل ما لذ وطاب، ومن لا يشكر الناس لا يشكره الله، فجزاه من الله خير الجزاء، وأصلح له من الأزواج والأبناء، وأعطاه المولى من الأجر الأوفى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

والمرأة إذا صلحت أصلحت فهي مخرجة الأجيال، وأمهات الأبطال، وأم الرجال، فكم عظيمٍ وراءه امرأةٌ همتها عالية، وتربيتها جادةٌ هادفة؟ فكوني لغيرك قدوة، ولأهل بيتك أسوة، وبلباسك وحشمتك أمة.

وحفظك الله من كيد الأعداء، وشر المفسدين والمنافقين والعلمانيين.

هذا وأسال الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل زمانٍ ومكان.

والله أعلم.


تم تحميل المحتوى من موقع