ثم بعد فراركم من عدوكم أنزل الله الطمأنينة على رسوله، وأنزلها على المؤمنين، فثبتوا للقتال، وأنزل ملائكة لم تروهم، وعذَّب الذين كفروا بما حصل لهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذراري، وذلك الجزاء الذي جوزي به هؤلاء هو جزاء الكافرين المكذبين لرسولهم المعرضين عما جاء به.
الله هو الذي أنزل الثبات والطمأنينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا على إيمانهم، ولله وحده جنود السماوات والأرض، يؤيد بها من يشاء من عباده، وكان الله عليمًا بمصالح عباده، حكيمًا فيما يجريه من نصر وتأييد.
لقد رضي الله عن المؤمنين وهم يبايعونك في الحديبية بيعة الرضوان تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم من الإيمان والإخلاص والصدق، فأنزل الطمأنينة على قلوبهم، وجزاهم على ذلك فتحًا قريبًا هو فتح خيبر؛ تعويضًا لهم عما فاتهم من دخول مكة.
إذ جعل الذين كفروا بالله ورسوله في قلوبهم الأَنَفة أَنَفة الجاهلية التي لا ترتبط بإحقاق الحق وإنما ترتبط بالهوى، فأنفوا من دخول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم عام الحديبية؛ خوفًا من تعييرهم بأنه غلبهم عليها، فأنزل الله الطمأنينة من عنده على رسوله وأنزلها على المؤمنين، فلم يؤدّ بهم الغضب إلى مقابلة المشركين بمثل فعلهم، وألزم الله المؤمنين كلمة الحق وهي لا إلـٰه إلا الله، وأن يقوموا بحقها فقاموا به، وكان المؤمنون أحق بهذه الكلمة من غيرهم، وكانوا أهلها المستأهلين لها لما علم الله في قلوبهم من الخير، وكان الله بكل شيء عليمًا، لا يخفى عليه شيء.